خرج فيلم وثائقي هام جداً مؤخراً في اسرائيل، بعنوان ملفات بيبي، يكشف به تورط رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو بملفات رشوة وفساد وصرف نفوذ مقابل هدايا ودعم سياسي!
والفيلم يكشف فيديوهات مسربة، يفترض أن تكون سرية، وهامة جداً؛ فيديوهات من التحقيق مع بنيامين نتانياهو وزوجته ساره وابنه يائير والعديد من أصدقائه الأغنياء وبعض معاونيه...
وقد يكون أخطر ما فعله ويفعله بنيامين نتانياهو، بحسب الفيلم، هو هروبه الدائم الى الامام، بتوريط اسرائيل وغزة ولبنان والمنطقة في حروب متلاحقة، ولأهداف شخصية بحتة، يمكنها تشتيت "محدود" لانتباه القضاء الاسرائيلي.
هذا القضاء الاسرائيلي، الذي حاول نتانياهو السيطرة عليه، وبخاصة على المحكمة العليا، لحماية نفسه ومصيره. وذلك، بإجراء تعديلات قانونية كان قد اقترحها. وهي أشعلت ضده المظاهرات الكبرى في تل أبيب.
في المحصلة، 39 أسبوعاً من المظاهرات ضد نتانياهو في العام 2023، وضد محاولة تغيير قانون تعديل النطام القضائي، لتعديل نظام محكمة العدل العليا!
ويرى الكثيرون في اسرائيل وفي الاعلام الاسرائيلي أنه لا مفر من دخول نتانياهو الى السجن عندما تنتهي ولايته الحكومية حتى ولو بعمر 80 سنة!
نتانياهو، الذي يدرك أن القضاء سجن في السابق رئيس الحكومة الاسرائيلية يهود أولمرت لفساد أقل من فساده بكثير، يدرك، أن خطر سجنه هو خطر حقيقي وجدي ضده وضد زوجته!
حاول نتانياهو التملص من التهم الموجهة ضده. ولكنه لم ينجح! ففي التحقيق معه كانت 95٪ من أجوبة نتانياهو "لا أتذكر"! مع أن معاونيه يقولون إن ذاكرته قوية وكبيرة جداً. إلا أن الشرطة كانت تواجهه بالوقائع والشهادات ضده.
أبرز كاشف لفساد نتانياهو هو الصحافي دافيد دروكير. ودافيد دروكير هو محلل سياسي من القناة 13 الاسرائيلية، وأحد أكبر أعداء نتانياهو في الاعلام الاسرائيلي. وقد تحدث دروكير عن ملفات فساد نتانياهو الكثيرة. وقد حققت الشرطة مع مئات الأشخاص في هذه القضية، التي بدأت جذورها في العام 2016.
ومن أبرز الذين دعموا نتانياهو بالهدايا كالسيكار والشمبانيا، وقدموا الهدايا، كالمجوهرات والشمبانيا لزوجته ساره هو أرنون ميلشان.
وأرنون ميلشان هو ملياردير اسرائيلي أصبح مليارديراً في هوليوود بعدما كان تاجراً للأسلحة. وهو أحد المقربين جداً من نتانياهو.
وقد تحدثت هاداث كلاين، مساعدة أرنون ميلشان الخاصة عن هدايا ميلشان لنتانياهو ولزوجته ساره، التي كانت تطلب بعض الهدايا بشكل مباشر.
وقد حصلت ساره، على سبيل المثال، على عقد، وإسوارة وخاتم من الذهب، والمرصع بعضه بالألماس... وعلى الكثير من قوارير الشمبانيا، الذي تحتسيه أحياناً بدلاً من الماء، وتبقى سيارتها مزودة به على الدوام. وفي التحقيق المصور والمسرب، سألت الشرطة ساره مثلاً ان كانت تلقت 20 قنينة شامبانيا في أسبوع واحد!
وكان بنيامين نتانياهو ينكر في التحقيق في معظم الأحيان علمه بهذه الهدايا.
ويظهر الفيلم دور وتأثير ساره نتانياهو بالحياة السياسية في اسرائيل وتأثيرها في قرارات زوجها وفي اختيار مستشاريه وفي الموافقة عليهم، وفي تقريب بعضهم وفي إبعاد البعض الآخر.
وتتهم ساره نتانياهو، كزوجها وكابنها، تتهم الاعلام الاسرائيلي بشيطنتهم جميعاً. ويتهم ميني نافتالي، أحد العاملين في منزل نتانياهو، وهو أحد الحراس السابقين لزوجته ولأولاده يأئير وأفنير، يتهم نتانياهو وزوجته بالسرقة. ويتهم ساره أنها تشرب كثيراً. وأن زوجها يخاف منها.
كلاين تحدثت أيضاً عن مستوى صراخ ساره المرتفع جداً أحياناً في تعاطيها مع محيطها ومع الآخرين.
وتعود سيطرة ساره على زوجها الى فضيحة "الشريط الساخن"! وهي فضيحة جنسية قديمة، منذ ثلاثين سنة، حينما اتصل بها مجهول وأخبرها أنه يملك شريطاً يكشف به علاقة زوجها بامرأة أخرى!
هذا الشريط لم يره أحد! ولكنه دفع ببنيامين نتانياهو الى الاسراع والاعتراف بهذه العلاقة! وهي علاقة مع امرأة أخرى استمرت سنتين.
أوزي بيلير، صديق طفولة نتانياهو، انقلب ضده، بسبب أفعاله التي لم تعد تحتمل برأيه. وهو هاجمه في الشارع كما في الإعلام. وكذلك فعل رئيس الحكومة الأسبق يهود أولمرت، الذي هاجم بقسوة ايضاً سوء تصرفات نتانياهو.
يعود الفيلم الى بداية صعود نجم بنيامين نتانياهو في السياسة. ويعيد ذلك الى مقتل أخيه يوني الضابط في الجيش الاسرائيلي، والذي يعتبره الجيش الاسرائيلي بطلاً من أبطاله!
ففي تموز 1976، كان يوني، أي الكولونيل يونتان نتانياهو، شقيق بنيامين نتانياهو قائد عملية عنتيبي الشهيرة، التي حررت 102 من أصل 106 من المختطفين اليهود في الطائرة التي كانت توجهت بهم الى أوغندا مع آخرين. ويوني هو العسكري الوحيد الذي مات في العملية التي قاد فيها 100 من عناصر الكوموندوس. وكان موت يوني هو الذي ساهم في إطلاق لاحق لأخيه بنيامين في الحياة السياسية. وأصبح بنيامين فيما بعد رئيس حكومة بعمر 46 سنة.
تحدث في التحقيق أبضاً المليارديران الاسرائيليان شيلدون أديلسون وميريام أديلسون. وفي التحقيق اتهما ساره نتانياهو بالهدايا وبحيازتها عقدا من الماس من ميلشان. وحتى ميلشان اعترف بذلك في النهاية. وهو قال إنه سأل نتانياهو إذا كان ذلك قانونياً. ونتانياهو أكد له قانونية الهدية!
وكانت سارة قد طلبت من هاداث كلاين، مساعدة ميلشان، وحصلت على عقد وخاتم، ولاحقاً طلبت أسوارة جميلة من الذهب مرصعة بالماس، حصلت عليها، وهي بسعر 42.000 دولار. كما تؤكد كلاين.
يائير لابيد، كان وزير مالية، عندما طلب منه بنيامين نتانياهو تعديل القانون لمصلحة ميلشان ليجنبه دفع ضريبة معينة. وقد قام نتانياهو بمجهود هائل أيضاً من أجل إعادة حصول ميلشان على فيزا الى الولايات المتحدة بعدما كانت اتخذت قراراً بعدم دخوله إليها. وقد طلب نتانياهو لذلك خدمة خاصة من وزير الخارجية الأميركية جون كيري. وحصل عليها!
نير هافاتز، مدير الاتصالات في حملة نتانياهو الانتخابية 2015، والذي يعتبر أحد أكثر المرتدين ضد نتانياهو، والذي يقدم للشرطة أقسى التهم والدلائل ضده قال إنه بعد انتصار نتانياهو في انتخابات 2015، أصبح الأخير يعتبر نفسه بمستوى الرؤساء باراك أوباما وفلاديمير بوتين.
بعد فوزه (ضد كل التوقعات) في آذار 2015 مع حزب الليكود، للمرة الرابعة، أصبح "الملك بيبي"، أهم زعيم في تاريخ اسرائيل، والذي أصبح "لا يرد على أحد"، وفوق المحاسبة!
هافاتز كان أقرب مستشار لساره وأحد أقرب المستشارين لبنيامين نتانياهو والمتحدث الرسمي باسم عائلة نتانياهو. وهو يقول إنه في ليلة انتصار نتانياهو في 2015 بدأت خسارته، لأنه أصبح يعتبر نفسه فوق المساءلة!
نير هافاتز كان بالواقع ناقل الرسائل بين نتانياهو وبين الملياردير الاسرائيلي في عالم الاتصالات شول إيلوفيتش. مع العلم أن الفارق بين إيلوفيتش وميلشان كبير جداً.
لم يكن إيلوفيتش يحب الأضواء. وهو طلب من نتانياهو خدمة لتسهيل دفع 200 مليون دولار للمصارف... وقد طلب نتانياهو خدمة في موقع "والا" الاخباري الشبابي المؤثر في المجتمع الاسرائيلي، والذي يملكه إيلوفيتش.
آفي ألكالي رئيس تحرير موقع والا السابق، قال إنه طرد من مركزه بسبب معارضته لسياسة الموقع، الذي كان يساعد نتانياهو بشكل مفضوح وفير مسبوق! نتاتياهو وقّع لإيلوفيتش على مبلغ ال 250 مليون دولار. وبادله إيلوفيتش بخدمات إعلامية لتلميع صورته وصورة زوجته وصورة ابنه يائير امام الشباب الاسرائيلي!
يعتبر البعض، يائير ابن بنيامين نتانياهو بحسب الفيلم متطرفاً، على يمين اليمين الاسرائيلي. وهو كان اتهم الميديا الاسرائيلية أنها يسارية ماركسية. يائير قد يحل محل والده يوماً في السياسة، بحسب الوالد.
وكانت الاتهامات ضد نتانياهو قد بدأت في شهر تشرين الثاني 2019. وعندما بدأ يضيق الخناق عليه، ورفض الكثيرون التعاون معه من الأحزاب الاسرائيلية "التقليدية"، لجأ نتانياهو الى التطرف اليميني المنبوذ في المجتمع الاسرائيلي العام، وأدخله الى قلب الحكم السياسي مع إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
أمي أيلون، رئيس المخابرات الاسرائيلية السابق - الشين بيت، قال حرفياً إن سموتريتش هو يهودي إرهابي. وهو كان يملك في منزله كل المعدات ليقوم بإعمال إرهابية حين تمّ توقيفه في السابق. وهو كان موقوفاً في العام 2005 لحيازته على قنابل (قوارير) حارقة.
ولكن لأن التحقيق معه لم يكن قاسياً لم يذهب الى السجن. أما بن غفير، بحسب أيلون، فهو كان من مؤيدي اغتيال رابين عندما كان شاباً صغيراً. وهو لم يخدم في الجيش لأنه كان يعتبر مسانداً للإرهاب.
نتانياهو هو مثال القائد الذي يقود بلاده الى المكان الخطأ يقول منتقدوه. فهو جعل سموتريتش وزيراً للمالية، وبن غفير وزيراً للأمن القومي بعدما كان يرفض مجرد التقاط الصورة معهما. واليوم، المتطرف بن غفير يستقيل من الحكومة بسبب رفضه لوقف النار وتبادل الأسرى.
يتهم أولمرت نتانياهو بالقول إن خوفه من التحقيق، وبالتالي من السجن، هو سبب كل قراراته، وبخاصة في الحروب الأخيرة. أما أيلون فيقول إن نتانياهو هو دائماً خائف! وبالتالي فإن كل تصرفاته مبنية على الخوف.
يتهم معارضو نتانياهو أنه تعاطى مع حماس كصديق استراتيجي لأنه كان معادياً للسلام. وهو كان مسانداً لحماس ضد السلطة الفلسطينية. ولكنه كان يمنعهما من أن يلتقيا. وكان يسمح بدخول 35 مليون دولار شهرياً الى حماس من قطر في الشنط "كاش". ويقول نتانياهو في التحقيق جملة فيلم العراب الشهيرة: "اجعل أصدقاءك قريبين وأعداءك أقرب!"
طفلة اسرائيلية من صحراء النقب، خسرت 95 شخصاً من جيرانها في 7 تشرين الاول، قالت إن نتانياهو غير مرحب به في منطقتها. واعتبرت أن ما يجري في غزة مجزرة وليس حلاً!
يحمّل الكثيرون في اسرائيل مسؤولية ما جرى في عملية 7 أكتوبر لبنيامين نتانياهو شخصياً. وهو لن يسلم من نتائج التحقيق في اللجان البرلمانية اللاحقة، وإن كان قد حاول الظهور بصورة البطل القومي... وفشل!
قد تكون المفارقة هي في مقارنة فساد نتانياهو مع بعض الفاسدين في لبنان على سبيل المثال، وبمعزل عن مسؤولياته الجرمية الكبيرة في الحرب على غزة والضفة ولبنان وسورية...، إن حجم الاتهامات الموجهة إليه لا يتخطى مبلغ 250.000 دولار، أي أقل بألف مرة من حجم فساد بعض زعماء لبنان! لا بل هو أقل بكثير من فساد عضو مجلس بلدي فاسد في بلدية متوسطة الحجم في لبنان!
أما المفارقة الهامة الأخرى، فهي في قوة وصلاحية الشرطة الاسرائيلية في استجواب رئيس حكومة اسرائيل، واتهامه بالمباشر، بالإضافة الى استجواب قوي لزوجته ساره وابنه يائير ولعدد من أصحاب المليارات من أصدقائه ولمقربين منه، مع مواجهتهم عندما دعت الحاجة. وذلك، بالإضافة الى قوة القضاء واستقلاله في اسرائيل عن السلطة السياسية.
حاول نتانياهو الوصول الى النصر الكامل في غزة Total Victory ضد حماس. وهو كرر هذه النية وهذا الهدف مراراً وهو لم يفعل! ولم يخرج الأسرى حتى كتابة هذه السطور. لا بل هو اضطر الى الدخول في اتفاق مع حماس، وفي مرحلة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
أصدقاء نتانياهو قبل خصومه يعتبرونه "مهندس الفوضى". فهو بقي "حياً" في السياسة بسبب الحرب، بعد 7 أكتوبر. والكل في المنطقة "رهائن محاكمته"! ومحاكمته لم تنتهٍ بعد!
اليوم، يمكن للقضاء الاسرائيلي تفعيل وتسريع هذه المحاكمة، مع التذكير بمذكرة التوقيف الدولية الصادرة ضده من محكمة الجنايات الدولية. ويبدو أن السجن سيكون مصيره في النهاية، عاجلاً أم آجلاً!
كاتب ومحلل سياسي
يتم قراءة الآن
-
العالم يترقب مُفاجآت ترامب... مصالح «أميركا أولاً» أسبوع حاسم جنوباً...غموض «إسرائيلي» والمقاومة تحذر توزيع نهائي للحقائب الأساسيّة... ولادة قريبة للحكومة
-
أيّ رؤوس ستسقط ...؟!
-
توضيح هام من حزب الله حول كلام قماطي على الـ OTV
-
لبنان يترقب ولادة حكوميّة سريعة وسلسة غزة تتنفّس الصعداء بعد 471 يوماً من الحرب! ترامب يعود الى البيت الابيض... والعين على خططه للمنطقة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
12:39
المتحدث باسم الخارجية القطرية: ستتم عملية التبادل الثانية في عطلة الأسبوع ويليها تسهيل الحركة من الجنوب للشمال، ونعتقد أن التبادل القادم سيتم بسلاسة أكبر، ونتحفظ على ذكر التفاصيل الفنية بشأن تنفيذ عملية التبادل الثانية.
-
12:38
المتحدث باسم الخارجية القطرية: 25 شاحنة محملة بالوقود وصلت أمس إلى قطاع غزة، وراضون عن مستوى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والاتفاق ما زال قائما ولدينا ثقة كبيرة في التزام الطرفين بالتنفيذ.
-
12:26
"رويترز": خدمة الإطفاء الإسبانية تبلغ عن وقوع انفجار في ميناء برشلونة وتفعيل خطة طوارئ.
-
12:25
المتحدث باسم الخارجية القطرية: قطر دشنت جسرا لإمداد قطاع غزة بالوقود.
-
11:58
تحليق مسيرات فوق الضاحية على على منخفض
-
11:57
الجيش اللبناني: "بتاريخ 21 /1 /2025، ما بين الساعة 11.30 والساعة 18.00، ستقوم وحدة من الجيش بتفجير ذخائر غير منفجرة من مخلفات العدوان الإسرائيلي في خراج بلدة علما الشعب – صور".