اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

هذه الملفات الساخنة التي تنتظر الحكومة العتيدة

تتجه الأنظار نحو الحكومة المنوي تشكيلها من قبل الرئيس المُكلّف نواف سلام، الذي يواجه تعقيدات في عملية التشكيل، خصوصًا في توزيع الوزارات على القوى السياسية وعلى رأسها وزارة المال. إلا أنه وبفرضية أن الرئيس المُكلّف شكّل الحكومة (وهذا ما سيحصل عاجلًا أم آجلًا)، يُطرح السؤال عن الأولويات والخطوات التي ستقوم بها الحكومة العتيدة، خصوصًا على الصعيد الإقتصادي.

بالطبع الأزمة التي يمرّ بها لبنان تُعقّد من مهام الحكومة، وتفرض مُعالجة دقيقة للمواضيع، نظرًا إلى التقصير الهائل من قبل الحكومات السابقة في مجال الإصلاحات، ولكن أيضًا نظرًا إلى النقطة الحساسة التي وصل إليها الوضع الإقتصادي الراهن. ويُشكّل الوضع الجنوبي وتراجع «إسرائيل» عن الإنسحاب من جنوب لبنان بحسب إتفاق وقف إطلاق النار الموُقّع عليه منذ 60 يومًا، عائقًا جديدًا أمام قدرة الحكومة العتيدة على المضي في الإجراءات الواجب إتخاذها سياسيًا، قضائيًا، إقتصاديًا، ماليًا وإجتماعيًا ، لتأمين إستقرار أصبح أكثر من ضروري بعد كل ما مرّ به لبنان واللبنانيون.

خطا لبنان خطوة مُهمّة من خلال إنتخاب الرئيس العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وهو الذي يحظى بدعم داخلي وخارجي، ومن خلال تكليف الرئيس نواف سلام تشكيل الحكومة. وبالتالي، يبقى أمام لبنان تشكيل الحكومة وضمان تركيبة حكومية قادرة على القيام بواجباتها التنفيذية ، واتخاذ القرارات الضرورية دون تعطيل! وهذا من واجبات القوى السياسية التي يجب أن تعي كلفة التأخير في تشكيل الحكومة، خصوصًا أن لبنان لم يعد يملك هامشا ماليا، وهناك فرصة لن تتكرّر في الوقت القريب مع قيادة جديدة مُتمثّلة برئيس جمهورية ورئيس حكومة قادرين على إخراج لبنان من الأزمة التي يتخبّط بها.

وعلى أمل أن تكون القوى السياسية واعية لأهمّية التسريع في تشكيل الحكومة، ينتظر هذه الأخيرة ملفات ساخنة يُمكن تصنيفها تحت أربعة عنوانين:

على الصعيد السياسي، هناك إلزامية على الحكومة اللبنانية لتحسين العلاقات مع دول الخليج والدول العربية الأخرى، لجذب الدعم المالي والاستثمارات. وهذا الأمر نابع من قدرة هذه الدول ورغبتها بمساعدة لبنان المشروطة بالطبع، بإجراء الإصلاحات الإقتصادية المنشودة.

أيضًا على الحكومة العتيدة حلّ أزمة النازحين السوريين في لبنان ، والعمل على تخفيف التأثير الإقتصادي والإجتماعي لهذا النزوح على لبنان. وهذا الأمر لا يُمكن أن يتمّ دون تعاون مع المُجتمع الدولي ومفاوضات مع القيادة السورية الجديدة، بهدف تأمين عودة كريمة للنازحين تليق بتاريخ سوريا العريق.

داخليًا، أمام الحكومة العتيدة مهام مُعقّدة، وعلى رأسها كيفية تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار مع العدو «الإسرائيلي» ، خصوصًا فيما يخصّ حصرية السلاح بيدّ الدولة، وهو ملف شائك سيُشكّل حكمًا ذريعة أمام العدو للبقاء في الأراضي اللبنانية.

أيضًا هناك إجراءات واجب إتخاذها لإجراء الإنتخابات البلدية التي تمّ تأجيلها! كما وتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة المنصوص عليها في إتفاق الطائف. أيضًا هناك الإنتخابات النيابية المتوقّع إجراؤها العام المُقبل، مع ما يواكب ذلك من تعزيز للعملية الديموقراطية وضمان بيئة تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة مع تنفيذ الإصلاحات لضمان الشفافية.

على الصعيد المؤسسي، تُشكّل إستقلالية القضاء الحجر الأساس، لعودة دولة المؤسسات وتعزيز ثقة المواطنين بها، ولعودة مبدأ المساءلة والمحاسبة ، الذي غاب عن لبنان لعقود طويلة. أيضًا تُشكّل مكافحة الفساد جوهر عملية تطهير البيئة الإقتصادية والإجتماعية، من خلال تفعيل عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ودعمها بالموارد اللازمة، للتحقيق في قضايا الفساد وملاحقة المسؤولين عنها، كما وإطلاق يدّ هيئة التحقيق الخاصة ، التي تُشكّل السلاح الفعّال ضدّ الفساد بكل أشكاله سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.

أيضًا أمام الحكومة مسألة التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت، وإبراز المسؤوليات ومحاسبة المتورطين. ولا تقلّ أزمة المودعين أهمّية عن قضية المرفأ، حيث يتوجّب على القضاء التحقيق في كل المُخالفات التي حصلت منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.

ومن الملفات الواجب معالجتها من قبل الحكومة اللبنانية إصلاح القطاع العام ، من خلال المكننة وتحسين الشفافية وتقليص حجم القطاع العام، والتوجّه نحو الحكومة الإلكترونية التي تُعتبر حجر أساس في ضرب الفساد في القطاع العام.

على الصعيد الإقتصادي، تأتي الإصلاحات الإقتصادية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي، لتُشكّل الشرط الأساسي لأي مساعدات مالية خارجية. وعلى رأس هذه الإصلاحات، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، من خلال وضع استراتيجية واضحة لإعادة هيكلة البنوك، ومعالجة الخسائر المالية الضخمة دون المساس بحقوق المودعين، بهدف إستعادة الثقة بالنظام المصرفي ، توحيد سعر الصرف، إتخاذ إجراءات نقدية للحد من تدهور سعر ولجم التضخّم، إقرار قانون لضبط رأس المال (Capital Control) لتنظيم العمليات المالية والقضاء على إقتصاد الكاش – السبب في إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، وإصلاح المالية العامة لتقليص العجز.

أيضًا على الحكومة مُعالجة ملف الكهرباء، الذي إستنزف عشرات مليارات الدولارات مع نتائج مُعيبة على صعيد الخدمة، وذلك من خلال إصلاح مؤسسة كهرباء لبنان (EDL)، وتقليل الخسائر التقنية والمالية، وزيادة إنتاج الطاقة وتحرير القطاع بالكامل. أيضًا من الملفات الواجب معالجتها من قبل الحكومة العتيدة، إعادة التفاوض على إتفاقيات إستيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، وتأمين تمويل البنك الدولي لهذه المشاريع. أيضًا وفي مجال الكهرباء، يتوجّب العمل على تحفيز الإستثمارات في مشاريع الطاقة المتجدّدة ، وعلى رأسها الطاقة الشمسية والرياح بالتعاون والشراكة مع القطاع الخاص.

أيضًا، المطلوب من الحكومة العتيدة البدء بالإتصالات الديبلوماسية اللازمة، لتسريع تأمين تمويل لإعادة الإعمار في المناطق التي تعرّضت للتدمير من قبل العدو «الإسرائيلي».

على الصعيد الإجتماعي، يتوجّب على الحكومة العتيدة إيجاد حلول لدعم الفئات الأكثر فقرًا، من خلال توسيع برامج الحماية الاجتماعية، لمواجهة تزايد معدلات الفقر والبطالة ، وانعدام الأمن الغذائي بسبب الأزمة الاقتصادية. وهناك إلزامية دعم القطاع الصحي حيث أكثر من 70% من الشعب اللبناني لا يمتلك تغطية صحّية، كما والتعليم الذي يفتقد إلى التمويل.

هذه الإجراءات التي تنتظر حكومة الرئيس نواف سلام، تواجه تحدّيات أساسية يتوجّب الإنتباه لها، وعلى رأسها الإنقسامات السياسية التي ستؤثّر على العمل الحكومي شِئنا أم أبَينا، وخصوصًا على صعيد الإصلاحات التي قد يتمّ عرقلتها. أيضًا من بين التحدّيات فقدان الشعب اللبناني للثقة بالحكومة ، نتيجة تهاونها أو تجاهلها مسألة المحاسبة في ملفي الودائع وجريمة مرفأ بيروت، والضغوط الدولية التي قدّ تدفع الحكومة إلى أخذ إجراءات مُعيّنة، قد تؤدّي إلى إضطرابات إجتماعية. فهل نحن جاهزون لعملية النهوض بلبنان وبإقتصاده؟

الأكثر قراءة

هكذا قلب الثنائي الشيعي المشهد جنوباً