اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


اذا كان الروائي الأميركي دوغلاس كنيدي قد رأى في لبنان "المكان الذي لا تعلم فيه ما اذا كنت في الجنة أم في الجحيم"، فقد تحدث الأميركي الآخر نيال فيرغستون، مؤلف سيرة هنري كيسنجر، عن "البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي ضاع فيه كيسنجر". هل يضيع فيه بنيامين نتنياهو، بعدما قال أحد أسلافه في رئاسة الحكومة ايهود باراك "حتى الورود تقاتلك في تلك الأرض".

ألهذا كان قول الانكليزي ديفيد هيرست "ان الاسرائيليين يخشون من دهاء اللبنانيين أثناء السلم، ويخشون من شدة مراسهم أثناء الحرب"؟ ولكن أي سلام يراهن عليه دونالد ترامب بين لبنان واسرائيل في مدة لا تتعدى العام، بعدما كان المعلق الاسرائيلي عاموس هرئيل قد قال "لا يحتاج الأمر الى أن نفتح الباب أمام أحمد الشرع". تحت رعاية توماس باراك جرت محادثات باريس بين وزير الخارجية السوري أحمد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي رون دريمر حول السويداء، وكانت الصفقة ـ الفضيحة. لم تقتصر المسألة عن خروج محافظة السويداء عن السلطة السورية، بل وتعرية محافظة درعا من السلاح، ودون أن يعرف ما مصير مرتفعات الجولان، وكذلك الجزء السوري من جبل الشيخ.

الفيلسوف الفرنسي اليهودي برنارد هنري ليفي لا يتردد في القول ان الدولة العبرية شريكة في ادارة الدولة السورية، لا بل أنه يتحدث عن التواجد الاسرائيلي حتى في وجوه كبار مستشاري القصر الجمهوري.

ستيف ويتكوف يريد للبنان أن يكون على خطى سوريا في اتجاهها الى التطبيع مع اسرائيل، دون أن ندري لماذا لا تكون لنا شخصيتنا الخاصة، وديبلوماسيتنا الخاصة. تصوروا أن أحمد أبوالغيط (ومن هو أحمد أبو الغيط ؟) يوفد رئيس مكتبه حسام زكي (ومن هو حسام زكي ؟) للقاء الرئيس جوزف عون كما الرئيسين نبيه بري ونواف سلام، اذا زار هذا الرجل بلداً عربياً من يستقبله ؟ بالكاد مساعد أمين عام وزارة الخارجية. الطريف أنه يزورنا ليسدي الينا، بالطربوش الفارغ، النصح في كيفية التعاطي مع أزماتنا أو مع مشكلاتنا !

قناة "فوكس نيوز" قالت ان غالبية السوريين تؤيد السلام مع اسرائيل، بعدما عانوا ما عانوه ابان الحروب المبرمجة في بلادهم، وكذلك مما يدعونه "سنوات الديكتاتورية السوداء"، باعتبار أنهم يعيشون الآن في جمهورية أفلاطون لا في جمهورية ياجوج وماجوج. ولكن لماذا تشكلت في لبنان مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، ولم تتشكل مقاومة في مصر لتحرير صحراء سيناء، وفي سوريا لتحرير مرتفعات الجولان، خلافاً للبنان الذي تمكنت المقاومة فيه، وبالدم، من ازالة اي أثر للأقدام الهمجية ؟ الاجابة في أن في كل من البلدين نظاماً يعطي الأولوية له لا للدولة، في حين أن لبنان ضائع بين الدولة واللادولة، وبين النظام واللانظام.

في أوراق الجنرال يهوشوا ساغي، رئيس الاستخبارات العسكرية ابان اجتياح عام عام 1982، كلام ينطوي على الكثير من الدلالات أن "من الأفضل ألا يكون هناك مكان للشيعة على تخومنا، وأن يتم نقلهم الى اقصى مكان في لبنان أو الى جهنم". هو الذي قال "أن تسند رأسك الى صدر حلفائك في لبنان كما لو أنك تسند رأسك الى صدور الغانيات".

لكن اللبنانيين يختلفون عن السوريين، بالرغم من التاريخ المتداخل، والجغرافيا المتداخلة. اسألوا خالد العظم الذي ألغى الوحدة الجمركية بين لبنان وسوريا، واسألوا أديب الشيشكلي الذي هدد الرئيس كميل شمعون بهدم قصر بيت الدين على رأسه، حتى أن شكري القوتلي وصف لبنان بالصنيعة الاستعمارية. المثير هنا بقدر ما يعشق السوريون لبنان يكرهونه أيضاً ...

التركيبة اللبنانية أكثر تعقيداً من التركيبة السورية التي لم تشهد قط، قبل العقود الأخيرة، ذلك المد الطائفي المروع. لذا قال لنا وزير سوري سابق "الأميركيون يدعون اللبنانيين الى الالتحاق بالسوريين، وهم في الطريق الى اسرائيل، فيما المنطق يقول ان لبنان ينبغي أن يشق أمامنا هذا الطريق".

لاحظنا كيف أن القامات السياسية، والمقامات الروحية، ومن طوائف مختلفة، تدعو الى التطبيع مع اسرائيل للخروج من مسلسل الحروب. ولكن كيف للمفاوض اللبناني أن يعبر ذلك الخط الطويل من الدم، وكذلك خط الخراب، الى ردهة المفاوضات، بذلك الاختلال الهائل في موازين القوى؟ لكأنه الصلح بين هولاكو والموناليزا، كما كان يقول لنا المفكر اللبناني الفذ جورج قرم.

هذا حين نكون أمام ذلك التصدع السياسي، والطائفي، الذي طالما عمل الاسرائيليون لتوظيفه في خدمتهم. لا شيء أسهل على الاسرائيليين من اختراق حتى عظامنا، السلام هنا يعني تحويل لبنان الى مستوطنة اسرائيلية.

بالرغم من كل ذلك الجنون الدموي الذي لم نشهد له مثيلاً في التاريخ، لم نعرف من هم الاسرائيليون حتى الآن. لكن الأميركيين الذين احترفوا صناعة الدم، كمهنة تفرضها الثقافة الأمبراطورية، يدفعوننا ألى براثن بنيامين نتنياهو... "والا ابتلعكم السوريون". في هذه الحال، من الأفضل أن يبتلعنا السوريون أم أن يبتلعنا الاسرائيليون ؟

السؤال ليس من قبيل الفانتازيا اللغوية، وانما من صميم الواقع الذي يطبق على صدورنا من كل حدب وصوب ..

الأكثر قراءة

صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟