اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


كان يحكى عن فائض القوة لدى الشيعة، وقد أنتج الفوضى. الآن يحكى عن فائض الضعف لدى الشيعة، وقد أنتج الفوضى. في أكثر من مكان: هل نطردهم، أم نذبحهم، أم نلقي بهم جانباً ونذهب، برؤوسنا المرفوعة، الى أورشليم؟ أنظروا الى ذلك القائد العظيم، بالماضي الذي يشبه ماضي قسطنطين الأكبر، وهو يسخر من تلك الحثالة التي سقطت أمام اسرائيل.

أحدهم عاد وكتب، في الصحيفة اياها، "أجل، انهم لا يشبهوننا". هل رأى أحدكم شيعياً يشبه الكائنات البشرية؟ شخصياً لم يتسنّ لي ذلك. أزمتهم أزمة وجود سواء كانوا على حدود اسرائيل أم كانوا على حدود سوريا. تماماً مثلما كان يفعل الأمير فخر الدين، بأن يوغر صدر الولاة العثمانيين ضد الشيعة لعلاقتهم بالفرس الصفويين. كيف؟ الله أعلم. ربما عبر الحمام الزاجل. حين زار شاه ايران لبنان، في عهد الرئيس كميل شمعون، وقد أفتتنت به الأمبراطورة ثريا، سأل الشاه الرئيس صبري حمادة "كشيعة هل تريدون شيئاً منا؟". أجاب حمادة "نريد سلامتكم".

لولا الشيعة لما احتل الفلسطينيون جنوب لبنان، ولولاهم لما دخلت اسرائيل الى بيروت. ولولاهم لما ضرب الفساد الدولة، ولما حدث الانهيار المالي، ثم الانهيار السياسي. بقاؤهم في لبنان عالة على لبنان. آرييل شارون قال بابدالهم باللاجئين الفلسطينيين. وزير عربي قال بابدالهم بالنازحين السوريين.

هذه طائفة لا يحبها الأميركيون، ولا يحبها الروس، ولا يحبها الصينيون، ولا يحبها العرب. منذ القرن التاسع عشر، بل منذ قرون غابرة وهم متروكون للقضاء والقدر. الآن أميركا هي القضاء والقدر، وترى في "حزب الله" تنظيماً ارهابيا لأنه قاتل الاسرائيليين وطردهم من أرضه. كان يفترض أن يبقى الجنوب تحت تلك الأقدام الهمجية، وأن يعلق أهله بالمسامير على الجدران، تماماً كما كان يحدث في معتقل الخيام. صحيح أن التحرير، أيها السادة السياديون، من مهمات الدولة، وقد حل الحزب، عنوة، محلها. العقوبة : مثلما فعل الاسرائيليون بالفلسطينيين افعلوا به...

الدولة التي باعت الجنوب، وأهل الجنوب لياسر عرفات، ثم لآرييل شارون. هل من مرة، مرة واحدة، حمت الدولة، أو دافعت الدولة، عن الجنوب. خلاف ذلك، من فضلكم اقرأوا اتفاق القاهرة (1969 ) لتتيقنوا كيف أن كل ما حدث، ويحدث، في الجنوب اجترار ميكانيكي لذلك الاتفاق.

زاد في خطيئة الشيعة أنهم وقفوا الى جانب غزة. جازفوا بمصير اللبنانيين حفاظاً على مصير الفلسطينيين. هل شاهدتم فلسطينياً واحدأ قاتل الى جانب المقاومة حين كان الجنوب تحت الاحتلال؟ الكلام عن المرؤة، وعن الأخوة، كلام لا مكان له في القرن. الكلام الآن لشهرزاد، وسواء ارتدت وجه جنيفر لوبيز أم ارتدت وجه هيفاء وهبي.

يفترض أن ندرك أن اسرائيل لا شيء دون أميركا. هذا كلام جدعون ليفي على صفحات "هاآرتس". لولا الامدادات الأميركية (وتضاف اليها الامدادات الأوروبية)  "لكان علينا أن نقاتل الفلسطينيين بالعصي والحجارة". أي صراع، اذاً، بل أي قضية اذا كانت أميركا اللاعب الوحيد في الحلبة؟ أهل غزة الى مصر والأردن. اللاجئون الفلسطينيون في لبنان جزء من لبنان. ماذا عن فلسطينيي الضفة؟ يحكى عن نصف في سوريا ونصف في العراق.

وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو قال منذ سنوات ان خريطة الشرق الأوسط شاخت، ولم تعد تصلح حتى طعاماً للفئران، ولا بد من صياغة خريطة بديلة. وحين يتحقق الوعد الالهي باستعادة اليهود كل أرضهم، يدخل الشرق الأوسط في السلام الأبدي. في هذه الحال، ما الداعي لظهور الماشيح، مادام هناك الماشيح الأميركي الذي يعيد بناء الهيكل الثالث بجماجم العرب؟

بنيامين نتنياهو قال انه، بالقضاء على أعدائه، ينفذ النص التوراتي. غريب هذا التأويل الدموي الذي يجعلنا نتساءل ما اذا كان النص الانجيلي يقول بالقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، وما اذا كان النص القرآني يقول بقطع رأس كل من لا يحفّ شاربيه ويرخي لحيته...

نستعيد قول هنري كيسنجر أن الصراع في الشرق الأوسط هو بين نصف الله والنصف الآخر. ثمة 1.5 مليار مسلم مقابل 15 مليون يهودي. في هذه الحال كم مسلم يساوي اليهودي. بدل ألبرت اينشتاين أبو بكر البغدادي، وبدل كارل ماركس هبة الله أخوند زاده.

لبنان صدى لكل ما يحدث، ولكل ما لا يحدث في الشرق الأوسط (الكبير). ما الفارق بين الوجوه البراقة التي تختال على الشاشات بأفكار لا تليق حتى بالقردة، وجماعة الموتوسيكلات، بثقافة الغوعاء، وهم يصرخون "شيعة... شيعة"، ليهبطوا بالملحمة التي حدثت على بوابات الجنوب الى الفضيحة على أبواب فرن الشباك وساقية الجنزير. الشيعة ليسوا هكذا. متى حملوا السواطير، ومتى عرضوا الجماجم على عربات الخضار؟

كلنا شركاء في صناعة مجتمع تورا بورا، حين تكون الجمهورية كونسورتيوم للطوائف أو لوياجيرغا للقبائل، لترتفع في الحال صيحات الافتراق والتفكيك. طولوا بالكن يا جماعة. كلكم، دون استثناء، جعلتم من الجمهورية جثة تتسكع على أبواب الأمم، وعلى أبواب ما دون الأمم...