اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


رؤساء أميركيون قدموا لليهود ما لم يقدمه لهم أنبياء التوراة. جون آدامز، أول نائب رئيس وثاني رئيس في الولايات المتحدة، بعث عام 1816 برسالة الى "اليهودي" موردخاي مانويل نواه تمنى فيها اقامة دولة "لليهود" في منطقة "اليهودية" في فلسطين. ناحوم غولدمان، وهو أحد آباء الدولة، ذكر في أوراقه "لولا الرئيس وودرو ويلسون لما كان وعد بلفور".

أما هاري ترومان فقد صرخ لدى اعترافه بالدولة العبرية "أنا قوروش... أنا قوروش"، تمثلاً بالأمبراطور الفارسي الذي أنقذ "اليهود" من السبي البابلي، لينقل جون جوريس في كتابه "التكوين، اليهود الأميركيون وأسس الصراع العربي ـ الاسرائيلي"، عن الرجل الذي ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما قوله "المسيح حين كان على الأرض لم يستطع ارضاءهم (اليهود) ، كيف يمكن لأحد أن يتوقع لي مثل هذه الفرصة"؟

" الحاخام" الأميركي شلوملي بوطيح (بوتيتش) قال "كل من يدخل الى البيت الأبيض، عليه أن يكون نبياً لليهود". ألم يكن جو بايدن هكذا، وكذلك دونالد ترامب الذي قال لنا استاذ جامعي مصري في بوسطن "حين يستقبل حاكماً عربياً، لا ينظر الى رأسه وانما الى جيبه أو الى حذائه". من هنا قوله للرئيس السياسي "أعجبني حذاؤك كثيراً يا رجل. يا له من حذاء"!...

كلام مروع وحمّال أوجه. لا، لا، وجه واحد ومعنى واحد.

في الكابيتول، وهو بمثابة الهيكل الأكبر، قال بنيامين نتنياهو في تموز الماضي "لولا "اسرائيل" لما كان هناك موطئ قدم لأميركا في الشرق الأوسط". كان مستاء من بايدن ، قفز فوقه الى الكونغرس، قبل أن ينحني له الرئيس الأميركي ويفتح أمامه أبواب الدم في غزة وفي لبنان لتحقيق حلمه التوراتي، وهو الذي تمنى لو ولد يهودياً، "لكنني حتماً صهيوني".

الآن، ترامب النبي الأميركي ام النبي "الاسرائيلي"؟ هاله أن تكون مساحة الدولة العبرية أقل من مساحة ولاية نيوجيرسي، التي تحتل من حيث المساحة المرتبة 47 بين الولايات الخمسين، ليرى في هذه الدولة "المعجزة الالهية" لأنها لم تتمكن فقط من البقاء وسط ذلك الأوقيانوس البشري المعادي، وانما من سحق العرب في كل الحروب ضدهم.

نعلم أن ميريام ادلسون، أرملة الملياردير النيويوركي شلدون ادلسون، بالثروة التي تناهز الـ 30 مليار دولار، هي الممولة الأولى للحملة الانتخابية لترامب. لكننا لم نكن نعلم مدى تأثيرها في صياغة المواقف أو في صياغة السياسات. قالت انها لم تكن تعرف النوم بسبب القتلى "الاسرائيليين" في الحرب، ودون أن يهتز لها جفن أمام عشرات الآف الجثث الفلسطينية (والآلاف في لبنان). هي من ضغطت على الرئيس الأميركي من أجل ابرام الصفقة مع حماس، هذا ما أكده ذوو الاسرى الذين التقوا بها "لدينا انطباع بأنه من دونها لما كان توقيع الاتفاق".

في أوروبا، مواقع التواصل ضجت بالكلام عن "هتلر الأميركي" بالتدمير المنهجي للقارة، ولكن بالمخالب الاقتصادية. في نهاية المطاف، مثلما دمر الفوهرر بنزعته الشوفينية (العسكرية) ألمانيا، لا بد لترامب، بنزعته الشوفينية (الاقتصادية)، أن يدمر أميركا. في تلك المواقع "هكذا ينطق التاريخ"، ليبقى السؤال اذا كان يريد، باسلوب القراصنة، اقامة "أميركا العظمى" بالسيطرة الاقتصادية على العالم. هل يرمي ايضاً الى اقامة "اسرائيل العظمى" بالسيطرة الاقتصادية على الشرق الأوسط؟

في لقائه مع بنيامين نتنياهو أول أمس، كانت المنطقة على الطاولة. ما هو الدور الأميركي وما هو الدور "الاسرائيلي"؟ زعيم "الليكود" حاول اقناع مضيفه بأن من المستحيل احتواء المنطقة دون ازالة "الغول الايراني"، الذي قد يتحول في أي لحظة الى "الغول النووي". في هذه الحال يغدو الوجود الأميركي، وبطبيعة الحال الوجود "الاسرئيلي"، في خطر. لكن الرئيس الأميركي يمتلك تصوراً خاصاً لاحتواء آيات الله.

وقّع قراراً بخنق ايران اقتصادياً، وحتى جيوسياسياً. واذ أراد افهام ضيفه بأنه لا يشبه في أي حال جو بايدن، أبدى استعداده للقاء الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، آملاً "ألاّ تكون هناك حاجة لتنفيذ ذلك القرار"، من خلال "عقد صفقة رائعة مع ايران التي يمكنها في هذه الحال، مواصلة حياتها"، بدلاً من الموت الاقتصادي. البراغماتيون في طهران يرون أن الرجل ألقى أمام بلادهم طوق النجاة. هكذا قطع الطريق على نتنياهو، الذي يستشف من المقالات الأميركية أنه حمل معه الى واشنطن خطة متكاملة، لتوجيه ضربات قاتلة الى النظام الايراني بغية تقويضه، ودون أن يكترث ترامب بذلك، تفادياً لأي حريق يؤدي الى سقوط رهاناته في المنطقة.

ولكن أين فلسطين على الطاولة ؟ غزة تحت السيطرة الأميركية لتحويلها الى "ريفييرا الشرق الأوسط". وعد بالاعتراف بسيادة "اسرائيل" على الضفة الغربية. واذا كانت مصر وكذلك الأردن قد أبلغتا البيت الأبيض، بأن ترحيل سكان غزة اليهما يعني انفجار الدولتين، من هنا الكلام عن البديل في سوريا وفي العراق.

لا قرع للطبول، بل انه النقر على الدفوف. لا حروب ، ولكن حتى الأنبياء لم يتمكنوا من قراءة مستقبل المنطقة، لنستذكر وصف هنري كيسنجر للديبلوماسية هنا بأنها "الحراثة في الغيب". نتنياهو رأى في كلام ترامب "ذلك الشيء الذي يغيّر التاريخ"، لا يكفيه أن تتغير الجغرافيا... 

الأكثر قراءة

من يزرع الالغام بوجه العهد؟ عون وسلام يعملان على صيغة غير تقسيمية مقترح ترامب بغزة هدفه التغيير الديمغرافي... ولبنان والاردن الاكثر تضرراً!