اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


لا مكان في العالم، وفي العالم العربي، لأي كائن بشري ضد "اسرائيل". برنار ـ هنري ليفي الذي رأى أننا ـ كعرب ـ ندخل الى القرن بساقي شهرزاد، قال "تصوروا لو أن الهنود الحمر هم من يحكمون أميركا". هكذا كان حال فلسطين اذا حكمها العرب لا اليهود، سائلاً "لماذا لا تقرؤون التوراة بعيني من يجثون أمام الله، لا بعيني من يجثو أمام السلطان"؟

كلامه الى الفلسطينيين "انكم تبيعون دماءكم للعروش؟ ها أن أمامكم مساحات شاسعة خالية من البشر. لماذا اصراركم على اقامة أبراجكم أو مخيماتكم على ظهور الاسرائيليين"؟

اللافت هنا، أن هناك "يهوداً" متشددين يشككون في نظرة دونالد ترامب الى غزة والضفة، كحالة عقارية للبيع والشراء. يأخذون عليه عدم وجود أي لمسة ايديولوجية في شخصيته، ليقولوا "هذه أجزاء من أرضنا المقدسة وهبها لنا "يهوه"، لا مجرد عقارات في منهاتن أو على شاطئ الكاريبي".

لكن بنيامين نتنياهو لا يرى "اسرائيل الكبرى" من الفرات الى النيل. يرى "اسرائيل العظمى" على امتداد الشرق الأوسط . طائراته وصلت الى صنعاء والى طهران. لو شاءت لوصلت الى أوروبا . هذا ما توقف عنده من سنوات، الكاتب الألماني غانتر غراس، الذي سأل اذا كانت "اسرائيل" قد صنعت القنبلة النووية "للثأر منا". اذا لاحظ أن هاري ترومان "رفض القاء القنبلة على برلين أو ميونيخ ، قد يكون دافيد بن غوريون بثقافته التوراتية فكر في ذلك"...

أمس كان الانسحاب من الجنوب. البقاء على التلال الخمس، اذا تابعنا التصريحات "الاسرائيلية"، يعني البقاء في كل لبنان. ذريعة واهية القول ان ذلك لطمأنة سكان الشمال. لنعد الى ما كان يقوله حزب بسلئيل سموتريتش (الصهيوني الديني)، ان مكان عرب شمال "اسرائيل" هو جنوب لبنان. في فريق دونالد ترامب، من يرى ان البديل عن نزع سلاح حزب الله ابرام معاهدة سلام بين لبنان و "اسرائيل" . هذا كان حلم مناحيم بيغن، الذي كان يرى في جبال لبنان "الأسوار الالهية التي تحمي أرض الميعاد"!

دائماً، "الاسرائيليون" يتركون النيران وراءهم، فوق الرماد أم تحت الرماد. من هو رجل التوراة الآن، دونالد ترامب أم بنيامين نتنياهو ؟ الرئيس الأميركي يبدو ضنيناً بـ "اسرائيل" أكثر من "يهوه" ذاته. فلاسفة ومفكرون "يهود" يخشون من عشوائية الرئيس الأميركي، الذي مثلما يشتت القوة الأميركية على كل الجبهات ما يهدد مصير بلاده، يشتت القوة "الاسرائيلية". ايلان بابيه، المؤرخ "الاسرائيلي" واستاذ الدراسات الدولية في جامعة اكستر البريطانية، يخشى من انتقال "اليهود" من التيه عبر الأزمنة الى التيه عبر الأمكنة ...

وسط هذا الاعصار الذي يدق على كل الأبواب، يبدو الرئيس جوزف عون كما لو أنه أمام مشكلة مستحيلة. كان الأخضر الابراهيمي يصف الأزمات اللبنانية بـ "الأزمات العجيبة"، اذ يمكن أن تحل بلحظة، ويمكن ألاّ تحل على مدى الدهر . لنلاحظ أن هناك من استفظع هبوط الطائرة الايرانية في مطار رفيق الحريري، ليرى في الطائرات "الاسرائيلية" وهي تخرق جدار الصوت فوق كل لبنان، بما في ذلك القصر الجمهوري، طيور اللقلاق وهي تؤدي رقصة الفالس في سمائنا.

أندريه مالرو، فيلسوف "الوضع الانساني" قال: ان هاجس شارل ديغول، حين أطلق الجمهورية الخامسة "أن يكون كل الفرنسيين فرنسا". واثقون أن هذا هاجس الرئيس عون الذي لا نشك لحظة في مناقبيته، " أن يكون كل اللبنانيين لبنان"، بعدما نجح ملوك الطوائف، بذهنية القرن التاسع عشر، أي بذهنية الهاوية، في بعثرة اللبنانيين على كل الجبهات، وعلى كل الخنادق.

كان الوزير الراحل ميشال ادة يقول "لا أحد مثل الجنوبيين يعرف من هم الاسرائيليون". هل كان يفترض بهم مساكنة الأقدام الهمجية، بعدما وضع "اتفاق القاهرة" الجنوب في يد ياسر عرفات ، وبعده في يد آرييل شارون . القوة هي السبيل الوحيد لاجتثاث الاحتلال. هذا ما حصل في الغياب الكامل للدولة . والآن دعوة الى قطع رؤوس رجال المقاومة.

لا شك أن حزب الله يستقطب الأكثرية الشيعية، و "تيار المستقبل" يستأثر بالأكثرية السنية، والقوات اللبنانية تمثل الأكثرية المسيحية، كما أن الحزب "الاشتراكي" يختزل الأكثرية الدرزية . ولطالما قلنا إن لبنان يشبه البيت الصيني ان سقط عمود منه سقط البيت كله. هذا ما عبّر عنه صوت مسيحي رائع "حين تخسر طائفة لبنانية يخسر لبنان كله، وحين تربح طائفة يربح لبنان كله". هل تتصورون أن نتنياهو أقل هولاً من هولاكو بل أقل هولاً من الشيطان؟

ذاك الصوت المسيحي يوحي بمنطق الاشياء، وبقوة الأشياء.

كلام مدو للنائب حسن فضل الله، قال "اننا حريصون على السلم الأهلي وعلى الاستقرار. لا نريد المواجهة مع أحد، ونريد للجيش اللبناني أن يأخذ دوره في حماية السلم الأهلي، وأيضاً في التصدي للعدو الصهيوني". كلام في منتهى الوضوح، ولا يقبل أي تأويل من ببغاءات، أو من غربان الشاشات.

من هنا، الرهان على لبنان الجديد حين يكون التقاطع (الفلسفي) بين رؤية الحزب ورؤية الرئيس جوزف عون، كذلك رؤية الرئيس سعد الحريري الذي تكلم بمنطق رجل الدولة، لا بمنطق رجل الغيتو . الكل قالوا : هذا لبناننا ... !!

الأكثر قراءة

لبنان يترقب اليوم الكبير في 23 شباط... سلام اختار وزراءه لجذب الاستثمارات الدولية... و100يوم لاقرار القوانين الاصلاحية