اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

هل يعود قطار لبنان الى سكته بحكومته الجديدة؟



قبل 125 عاما، انطلق أول قطار في لبنان من بيروت نحو دمشق، فأصبحت العاصمة اللبنانية بفضله مركزا اقتصاديا وتجاريا هاما في المنطقة، وأُطلق على البلاد لقب "بوابة الشرق"، فقد كان لبنان همزة وصل بين الشرق والغرب، وبوابة للمسافرين إلى العالم، بعدما وصلت محطتا رياق وطرابلس لبنان بالعالم العربي وأوروبا، لكن الانهيار الاقتصادي إضافة إلى العديد من الأزمات التي ضربت البلاد، انعكست على مختلف نواحي الحياة، وحال مصلحة سكك الحديد لا يختلف عن سائر المؤسسات العامة.

فمحطات القطار، التي كانت يوماً رافعة للاقتصاد ومصدراً للازدهار، أصبحت اليوم بسبب إهمال خطوط سكك الحديد، مجرد معالم تراثية مترهلة، ومرتع للأعشاب البرية، ومتاحف للحديد والصدأ، واماكن لزرع الخضر، وذكرى تعيش في مخيلة كبار السن ، فيما شهد بعضها تغييراً في وظيفته، ليتحول إلى مطاعم ومنتزهات أو مواقف للسيارات، الأمر الذي يشكل تحدياً لأي تشغيل مستقبلي لسكة القطار في البلاد.

يذكر أن أول خط سكة حديد في لبنان تم بناؤها عندما كان لبنان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، عندما حصلت الشركة الفرنسية "هيئة السكك الحديدية العثمانية الاقتصادية بيروت-دمشق- حوران" على ترخيص عام 1891، وكان الهدف أن تربط هذه السكك الحديدية مدينة بيروت بمدينة دمشق، ما أتاح لدمشق سهولة الوصول إلى ميناء.

مسار السكك الحديدية ليس ملكا عاماً

والتعدي عليه يعد جرماً جزائياً

يعتمد العالم على القطارات كوسيلة أساسية لنقل الركاب والبضائع، وكجزء من تطور البلدان ونموها، وحده لبنان تراجع إلى الوراء في هذا المضمار ، حيث يمتلك 403 كيلومتر كمسارات سكك حديدية تغطي كامل الساحل اللبناني، يعني امتلاك لبنان ما يكفي من المساحة لإحياء خدمة السكك الحديد بأقل التكاليف، حيث إن الأرض تمثل الجزء الأكبر منها، ويبقى الربع المتبقي لتأمينه وتوفير إمكان تشغيل الخطوط، بحسب رئيس جمعية "تران تران" كارلوس نفاع، الذي أكد أن التعديات الموجودة على المسار لا تتعدى 3% فقط، كاشفاً عن "محاضر ضبط تم تسطيرها ضد أغلب التعديات، وبعضها تم تحويله إلى النيابة العامة المالية، فمسار السكك الحديدية ليس ملكا عاماً، والتعدي عليه يعد جرماً جزائياً".

ويقول: "تمتد خطوط سكك الحديد وفق نفاع، من الناقورة جنوباً الى العبودية شمالاً على الحدود اللبنانية- السورية ، مروراً بكل المدن الساحلية ، وتتصل من هناك بالخط التاريخي الذي كان يعرف بخط الحجاز داخل الجمهورية العربية السورية. وثمة خط آخر يتوجه من مرفأ بيروت صعوداً باتجاه عالية - صوفر - شتورا ثم رياق، ويكمل باتجاه سرغايا نحو دمشق عابراً السلسلة الشرقية. كما يتجه خط من رياق باتجاه بعلبك القاع نحو حمص. 403 كيلومترات ترتبط بنحو 48 محطة، منها صغيرة مثل محطات بعبدا او الجمهور وصوفر وشتورا، ومحطات استراتيجية كبيرة مثل محطة مار مخايل التي تمتد على مساحة 50000 متر مربع في قلب بيروت، ومحطة تعرف بـ NBT أي بيروت- ناقورة وطرابلس مساحتها 250000 متر مربع، وهي محاذية لنهر بيروت ، وعبرها يتم تحويل القطار الاتي من المرفأ باتجاه البقاع او باتجاه الشمال أو الجنوب. ومن المحطات الاستراتيجية أيضاً محطتا رياق وطرابلس، في محطة رياق التي تبلغ مساحتها 170000 م م، كان هناك مصانع لقطع الغيار ومشاغل للصيانة، صارت كلها مدمرة ومهملة، والقطارات البخارية صدئة ومتروكة".

السكك الحديدية تعدّ

استثمارا طويل الأجل

يخسر لبنان فرصا اقتصادية وسياحية كبرى، ومعها دوره المحوري في المنطقة، بسبب تعطيل سكك الحديد، فعجلات القطار توقفت عام 1995 وكانت آخر رحلة للقطار، والسؤال اليوم هل ستضع وزارة الأشغال والنقل العام في الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام، أمام نصب أعينها إعادة إحياء سكك الحديد، التي تعد العمود الفقري للنقل الوطني، وصلة الوصل الاستراتيجية فيما بين القارات الثلاث؟

السكك الحديدية تعد استثمارا طويل الأجل، يمكن أن يحقق عوائد كبيرة للاقتصاد الوطني، حيث تشير الدراسات إلى أن كل قرش يتم استثماره في قطاع النقل، يثمر أربعة أضعاف في الناتج الوطني، وإذا أضفنا المنافع الإضافية البيئية والتشغيلية والتنموية، التي يضيفها قطاع السكك الحديدية، يمكن أن نصل إلى ضعف خامس.

في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري أن "الإضافة النسبية لقطاع السكك الحديدية إلى الاقتصاد الوطني، يمكن أن تكون متعددة الأبعاد، وتختلف حسب البلد والسياق الاقتصادي، ومن فوائده النمو الاقتصادي، فالسكك الحديدية يمكن أن تزيد من النمو الاقتصادي، عن طريق تحسين الاتصال بين المدن والمناطق، مما يسهل حركة البضائع والخدمات، ما يقلل من تكاليف النقل ويزيد من الكفاءة الإنتاجية".

تعزيز التجارة

ورفع مستوى التنمية

وبحسب الخوري إن "قطاع السكك الحديدية يمكن أن يوفر فرص عمل خلال مراحل البناء والتشغيل"، لافتاً إلى أن "السكك الحديدية هي وسيلة نقل أكثر كفاءة في استخدام واستهلاك الطاقة مقارنة بالطرق الأخرى، خصوصا في نقل البضائع الثقيلة والسفر لمسافات طويلة، هذا يمكن أن يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، كما أنها تسهم في تقليل الازدحام".

وأضاف الخوري " تؤدي الخطوط الحديدية دورا مهماً في تعزيز التجارة، ورفع مستوى التنمية، لأن تحسين شبكات السكك الحديدية يمكن أن يعزز التجارة البينية والدولية، مما يدعم الأسواق المحلية، ويوسع الوصول إلى الأسواق الخارجية، كما تؤدي السكك الحديدية دوراً حيوياً في ربط المناطق النائية والأقل تطوراً بالمراكز الحضرية، مما يساعد على تقليل التفاوتات الإقليمية في التنمية الاقتصادية، كما أنها تفتح الأسواق الجديدة للمنتجات الزراعية والصناعية، من خلال تحسين الوصول إلى الأسواق الكبرى".

الجدير بالذكر أن "مصلحة سكك حديد الدولة اللبنانية والنقل المشترك لبيروت" أُنشئت في أوائل الستينات من القرن الماضي، بعدما اشترتها الحكومة اللبنانية من شركة DHP الفرنسية (خط شام- حماه وتمديداته)، وأصبحت لاحقاً "مصلحة السكك الحديد والنقل المشترك".

توقف القطار منذ تسعينيات القرن الماضي، وبقيت مصلحة "سكك الحديد والنقل المشترك" حتى يومنا هذا بعدد من الموظفين، الذي لا يتجاوز بحسب مدير عام مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك زياد نصر، 9 موظفين تابعين لقسم سكك الحديد فقط، لافتاً إلى "أن عدداً من هؤلاء يعملون مع فرع النقل المشترك نتيجة النقص الحاصل في الموظفين"، وأشار إلى أن "هناك نقصاً بنسبة 95 في المائة في ملاك سكك الحديد".

خطط ومشاريع لإعادة

إحياء السكة الحديدية

طموحات متجددة بخطط ومشاريع لإعادة إحياء السكة الحديدية في لبنان، ليستعيد دوره الرائد تاريخيا كواحد من أبرز دول المنطقة، ففي العام 1996 طرحت أول خطة للنقل تلحظ استخدام سكك الحديد أعدتها شركة فرنسية، تبعتها خطط كثيرة وصولاً الى العامين 2016 و 2019، وكانت الخطتان الأخيرتان بتمويل على شكل هبة من بنك الاستثمار الأوروبي، وتم رفع الخطط الى مؤتمر سيدر، لتنتهي كسابقاتها في الأدراج، مع هدر للمال لإجراء دراسات مختلفة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن المصلحة تمتلك سكك حديد جديدة موضوعة "على سبيل الأمانات" في مرفأ طرابلس، تم شراؤها في العام 2004 واستلمها لبنان عام 2005، في إطار إعادة إحياء سكك الحديد بين مرفأ طرابلس والحدود اللبنانية - السورية، لكن المشروع توقف في انتظار مشروع جدي لإعادة إحيائه.

يذكر أن لبنان وقع في العام 2003 اتفاقية ما يعرف باسم "إسكوا كوريدور" اي ممرات الإسكوا الاقتصادية لسكك الحديد، بهدف نقل وتأمين المواد الأولية بين المنطقة وأوروبا، وكان بين الدول التي وقعت في منطقة المشرق العربي التي عملت على تطوير شبكاتها، لكن لبنان حتى اليوم لم ينفذ شيئاً من الاتفاقية التي يتعهد فيها تأمين خطوط اقتصادية، تربط مرفأي بيروت وطرابلس بالشبكة المشرقية، التي يفترض ان تصبح قيد التشغيل هذا العام 2025.

الأكثر قراءة

الأحد التاريخي: تشييع القادة واستفتاء شعبي على قوة حزب الله الانتخابات البلدية 2025: تحالفات ومفاجآت واستعدادات مكثفة الجيش اللبناني يقود الخطة الأمنية في يوم التشييع