اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بالأمس، ارتجّت الأرض تحت أقدام الملايين، وانحنى الزمن إجلالًا لموكب الشهادة، حيث شُيّع السيدان الجليلان، حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، في مشهدٍ لم تعرفه العصور إلا حين تودّع الأمم أعظم رجالها. لم يكن هذا التشييع مجرّد وداع، بل ملحمة سطّرها التاريخ بحروف من دمعٍ ونار، حيث ارتفعت الأعلام كأنها تلوّح بروحٍ لم تفنَ، وهتفت الحناجر بصوتٍ يملأ الآفاق، بأن الدم الذي سُفك لن يكون إلا جسرًا نحو فجرٍ جديد.

على امتداد الشوارع والساحات، تدفّقت الجموع، رجالًا ونساءً، شيوخًا وشبّانًا، صغارًا لم يعرفوا من الحياة سوى اسم السيد حسن نصرالله، وكبارًا عايشوا مسيرته منذ فجر المقاومة. كانت العيون دامعة، لكنها لم تكن عيون يأس، بل عيون وعد، عيون أمة تدرك أن القادة العظام لا يموتون، بل يتحوّلون إلى راياتٍ لا تُطوى وأصواتٍ لا تخفت.

لم يكن يوم حزنٍ خالص، بل كان يوم عهد، يوم تأكيد أن المسيرة مستمرة، وأن الراية التي حملها الشهيدان لن تسقط، بل ستتلقفها أيدٍ لا ترتجف، وستحملها قلوبٌ لا تعرف الخوف. في زحمة المشيعين، كان كل رجلٍ مقاتلًا بالقلب أو بالسلاح، وكان كل صوتٍ صدى لوعدٍ لن ينكسر: أن الدم الذي روى الأرض لن يذهب هباءً، وأن هذا الزحف العظيم ليس إلا البداية، لأن الشعوب التي تودّع قادتها بهذا المجد، لا تعرف الانكسار.

بالأمس، كتب التاريخ صفحة جديدة، ليس بالحبر، بل بدماء الشهادة، وبجموعٍ قالت للعالم بأسره إن القادة لا يرحلون، بل يتحوّلون إلى دربٍ لا ينتهي، ومسيرة لا تنكسر، ونبضٍ حيّ في قلوب الأوفياء، حتى التحرير والنصر.

هذا وفي تشييع تاريخي وجماهيري ضخم، ودّع لبنان والعالم أمس الاحد الامينين العامين السابقين لحزب الله الشهيدين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين. الا ان «اسرائيل» أبت الا تعكير التشييع بقصفها بعشرات الغارات مناطق في الجنوب والبقاع ، فيما آثرت الاستعراض بطائراتها الحربية وعلى علو منخفض جدا فوق المدينة الرياضية، حيث كان يُقام التشييع، اثناء ترداد المشيعين عبارة «الموت لاسرائيل».

وشارك في التشييع الذي كان على قدر كبير من التنظيم، حشود ضخمة من مختلف المناطق، إلى جانب وفود رسمية وشعبية من لبنان وخارجه.

وفيما وُوري جثمان الشهيد نصرالله الثرى في ضريح أقيم خصيصا له على طريق المطار، من المتوقع ان يتحول محجا لمحبيه في كل اطياف العالم، وسيوارى الشهيد صفي الدين الثرى اليوم الاثنين في بلدته دير قانون النهر الجنوبية.

المقاومة قوية ومُستمرّة

وخلال المراسم، ألقى الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خطابا اعتبر فيه أن «الحشد الجماهيري هو تعبير عن وفاء قلّ نظيره في تاريخ لبنان»، مؤكداً أن «معركة إسناد غزة هي جزء من الإيمان بتحرير فلسطين». وقال:»واجهنا الكيان «الإسرائيلي» والطاغوت الأكبر أميركا، التي حشدت كل إمكاناتها لمواجهة محور المقاومة، ولكننا أثبتنا صمودنا». وأضاف: «المقاومة موجودة وقوية عدداً وعدة، وشعبنا صامد، والآن دخلنا في مرحلة جديدة تختلف أدواتها وأساليبها».

وأوضح الشيخ قاسم أن حزب الله وافق على طلب العدو وقف إطلاق النار «من منطلقات استراتيجية»، مضيفًا: «التزمنا بالاتفاق، لكن «إسرائيل» لم تلتزم، وهنا تبدأ مسؤولية الدولة اللبنانية بعد انتهاء مهلة الاتفاق لانسحاب العدو».

واذ أكد أن «المقاومة مستمرة، قوية بحضورها وجهوزيتها، وهي حق لن يستطيع أحد سلبه»، شدد على «وجوب أن تنسحب «إسرائيل» من جميع المناطق التي لا تزال تحتلها». وقال: «اتخذنا خطوة واضحة، وهي أن تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولياتها، وسنتصرف وفقاً للظروف، نطلق النار متى نرى مناسباً، ونصبر متى نرى مناسباً».

وتوجه الشيخ قاسم للعدو قائلا: «موتوا بغيظكم، المقاومة باقية وقوية ومستمرة».

اما للأسرى في سجون الاحتلال، فقال: «لن نترككم عند العدو، وسنبذل كل الجهود للإفراج عنكم».

اي رسالة من التشييع؟

وعلّق مصدر في «الثنائي الشيعي» على المشهد يوم أمس، واصفا اياه بـ «التاريخي»، معتبرا ان «مشاركة اكثر من مليون شخص بالتشييع دون تسجيل اشكال واحد، ودون اطلاق رصاصة، يؤكد كيف ان حزب الله لا يزال يضبط جمهوره وفي اعلى درجات القيادة، بعكس كل ما اشيع وتردد في الآونة الاخيرة».

وشدد المصدر لـ «الديار» على ان «اهم رسالة يفترض على اعداء لبنان قراءتها، هو ان جمهور المقاومة لا يزال خلفها ، وخيار المقاومة خيار لا تغتاله الصواريخ»، لافتا الى ان «كل من يفكر بأن حزب الله انتهى ويعمل لتحجيمه سياسيا، عليه ان يعيد حساباته».

واعتبر المصدر ان «المواقف التي اطلقها الشيخ نعيم قاسم يجب التوقف عندها ايضا، وبخاصة اشارته الى وقوف حزب الله خلف الدولة بموضوع تحرير النقاط التي لا تزال محتلة في الداخل اللبناني، كما التأكيد في الوقت نفسه ان اليد ستبقى على الزناد، وستطلق النار متى ارتأت قيادة المقاومة ذلك مناسبا».

غارات على البقاع والجنوب

وبالتزامن مع التشييع، شنّت الطائرات الحربية «الاسرائيلية» سلسلة غارات في البقاع استهدفت منطقة بريصا في جرود الهرمل، وخراج بلدة بوداي بين محلة الجداوي، وتلة الحفير غرب بعلبك.

وجنوبا، استهدفت الغارات منطقة مريصع في اطراف بلدة انصار، بلدة معروب في قضاء صور، منطقة النهر الواقعة بين بلدتي الحلوسية والزرارية، منطقة العاقبية، تبنا قرب البيسارية، جبل الريحان في منطقة جزين، ووادي العزية جنوب صور، اضافة للمنطقة الواقعة ما بين بلدتَي زبقين ومجدل زون في القطاع الغربي من الجنوب.

قاليباف - عون

وكان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، استقبل رئيس مجلس الشورى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، والسفير الإيراني في لبنان مجتبى اماني مع وفد مرافق، اتوا للمشاركة بتشييع السيدين نصرالله وصفي الدين.

وفيما نقل قاليباف الى عون تحيات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ودعاه للقيام بزيارة رسمية الى طهران، شدد على «وحدة الأراضي اللبنانية وسلامتها وسيادة الدولة عليها»، مبدياً «استعداد بلاده في المشاركة مع دول عربية وإسلامية في إعادة اعمار ما هدّمه العدوان «الإسرائيلي» على لبنان».

واكد قاليباف ان «الجمهورية الإسلامية ترغب في رؤية لبنان بلداً مستقراً وآمناً ومزدهراً»، مشيراً الى ان بلاده «تدعم أي قرار يتخذه لبنان بعيداً عن أي تدخل خارجي في شؤونه».

مواقف عون

بدوره، كان للرئيس عون مواقف لافتة خلال لقائه الوفد الايراني، فأكد أن «لبنان تعب من حروب الآخرين على ارضه، واوافقكم الرأي بعدم تدخل الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وافضل مواجهة لاي خسارة او عدوان، هي وحدة اللبنانيين»، وتوجه للوفد قائلا:»نشارككم في ما أشار اليه الدستور الإيراني في مادته التاسعة التي تؤكد على ان حرية البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها وسلامتها، هي أمور غير قابلة للتجزئة». وقال عون: «تتحمل الحكومة وجميع افراد الشعب مسؤولية المحافظة عليها، ولا يحق لأي فرد او مجموعة او أي مسؤول ان يلحق ادنى ضرر بالاستقلال السياسي او الثقافي او الاقتصادي او العسكري للبلاد، او ان ينال من وحدة أراضي البلاد بحجة ممارسة الحرية».

وتم التداول امس بمعلومات عن نية الرئيس عون التوجه الى السعودية يوم الاحد المقبل، الا ان مصادر مطلعة قالت لـ «الديار» ان الامر لم يُحسم بعد.

ثقة بالمئة

في هذا الوقت، يُنتظر ان يشهد هذا الاسبوع اعطاء المجلس النيابي الثقة لحكومة الرئيس نواف سلام. وبحسب معلومات «الديار»، فانه من المرجح ان تنال الحكومة ثقة اكثر من 100 نائب، على ان يقتصر عدم مانحيها الثقة على نواب «التيار الوطني الحر» وبعض النواب المستقلين.

كذلك علمت «الديار» ان اكثر من نصف اعضاء مجلس النواب طلبوا الكلام في جلستي الثلاثاء والأربعاء، ويأتي ذلك مع انطلاق استعدادات كثير منهم للانتخابات النيابية المقبلة.


الأكثر قراءة

هل عادت الكلمة للشارع... من طريق المطار الى ساحة الشهداء الحريري يكسب الرهان الشعبي... والحزب "يهز العصا"