اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



في بلد تتغلغل فيه المحسوبيات والمصالح الشخصية، بات الاعتداء على أملاك الدولة أمرا سهلا وحقا مكتسبا، فالتعديات ليست وليدة اليوم، بل تعود  إلى سنوات وعقود سابقة شهدت تعديات بالجملة ، عبر استباحة مساحات واسعة من الأراضي البرية والبحرية، وإقامة الأبنية العشوائية كما حدث ويحدث و"على عينك يا دولة".

ظاهرة التعدي على الأملاك العامة أصبحت عادة متأصلة في مجتمعنا، فهنا مبنى مخالف يقضم من الطريق العام ، وآخر غير مطابق لمواصفات التنظيم المدني، وهنالك اقتطاع لجزء من الشارع العام أوحتى رصيف المشاة. وعلى امتداد الشاطئ من الجنوب إلى شمال البلاد، تتعدى بعض المنتجعات والمجمـعات البحرية والفنادق على الأملاك العامة البحرية بشكل كلي أو جزئي، يضاف إلى ما تقدم الإعتداءات على الأملاك النهرية ناهيك عن الكسارات.

تجدر الإشارة إلى أن الأملاك العامة تعرف بحسب التشريع الأساسي، القرار رقم ١٤٤ الصادر في ١٠ حزيران ١٩٢٥ بأنها جميع الأشياء المعدة بسبب طبيعتها، لاستعمال مصلحة عمومية، وهي لا تباع ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن، وتضم هذه الأملاك الطرقات والممرات والأرصفة العامة وسكك الحديد، الأنهار ومجاري المياه وضفافها والمجاري الشتوية، شواطئ البحار والغدران والشلالات والبحيرات، قنوات الري والتجفيف وأقنية الملاحة وطرقاتها، السدود البحرية والنهرية والخلجان وعقارات وأراض عامة.

الى الواجهة من جديد

ملف الاعتداء على الأملاك العامة يعود إلى الواجهة من جديد، وسط انشغال الناس بهمومهم المعيشية، الناتجة عن الأزمات التي تعصف بالبلاد، فمن مدينة صور وتحديدا بالقرب من محمية المدينة، استغل البعض فترات الاحتلال والحروب والفوضى والفساد وغياب الرقابة بتوسيع الحملة على الأملاك العامة، لإقامة مشروع تجاري محاذ لمحمية المدينة على أملاك الدولة اللبنانية، مما أدى إلى موجة من الاعتراضات ضد هذا المشروع، الذي اعتبرته جمعية "الأرض" في بيان لها أنه مخالف للقانون وسألت: "كيف، ومن سمح للمتعهد باستخدام اراضي الدولة اللبنانية"، وأضافت ان "الاراضي الملاصقة لمحمية شاطىء صور الطبيعية هي ملك الدولة اللبنانية (وزارة المالية)، ويقوم متعهد من بلدة المنصوري ببناء نحو 150 محلًا تجاريا على طول واجهة الطريق، ومجمع سياحي خلفه، وبمد جسر فوق الطريق على الشاطىء المحمي بالمحمية"، ولفتت الى ان "هذه المنطقة تعتبر منطقة حساسة بيئيا وأثريا، ولا يمكن القيام بأي مشروع فيها دون إعداد دراسة تقييم للأثر البيئي والأثري، واطلاع اهالي صورعليه وموافقة وزارة البيئة قبل المباشرة بالتنفيذ"، وناشدت رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون "اعطاء الأوامر بوقف أعمال اغتصاب الاملاك العامة، وحماية محمية صور الطبيعية وآثار مدينة صور الفنيقية".

مدينة صور وما يجري فيها اليوم ليس بالجديد، فالتعديات على الاملاك العامة بكل المرافق مخالفة قديمة جديدة، ولعل ملف التعديات البحرية هو الأهم والاعم في البلاد، والذي يدور في حلقة مفرغة، ويعود بين الفينة والأخرى إلى الواجهة، فالشاطئ اللبناني الممتد على طول 225 كلم من رأس الناقورة جنوباً حتى العريضة شمالاً ، يعاني احتلالاً شبه كامل من نافذين أحكموا السيطرة عليه.

تجدر الإشارة إلى أن الأملاك العامة البحرية هي الأراضي الممتدة على طول الساحل ويحددها قرار ١٤٤/س الصادر عام ١٩٢٥ على أنها مساحة تمتد من الخط الساحلي حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في فصل الشتاء.

التعديات تدمّر البيئة البحرية

والتنوع الايكولوجي

رئيس جمعية "نحن" محمد أيوب كشف أن "مساحة التعديات على الأملاك البحرية العمومية في لبنان تبلغ 6.1 مليون متر مربع، أي ما يوازي 80 % من مساحة الشاطئ، والمساحة المتبقية منه وتبلغ نحو 20 % منه فهي متاحة للعموم، لكن يشوبها التلوث في جزء كبير منها من جراء مياه الصرف الصحي، التي تصب مباشرة في البحر من دون معالجة"، مضيفاً "أن التعديات والتلوث يؤديان إلى تضرر الصخور والرمال والأماكن البحرية، التي تشكل موائل للأسماك، وهو ما يشكل تهديدا للثروة السمكية والتنوع البيولوجي بشكل عام".

وأشار أيوب إلى أن "هذه التعديات تدمر البيئة البحرية والتنوع الايكولوجي، وتقضي على ثروتنا البرية والبحرية، فعلاقة مجتمعنا اللبناني مع باقي مجتمعات العالم تاريخيا كانت بحرية، وللأسف بدأ هذا التاريخ يختفي اليوم وسط التدمير الممنهج للآثار، حيث دمرت جميع الآثار البحرية في منطقة كفرعبيدا".

أما عن الاثر الاقتصادي يقول إلى أن "هذا العمار يشوه الشاطئ ويدمر الاقتصاد، إذ تعتمد كل بلدان العالم على شواطئها العامة كمصدر إيرادات لخزينة الدولة، فشاطئ صور وحده كان يدر قرابة 4 مليون دولار قبل الأزمة، كإيرادات لخزينة الدولة، ويرفع الشاطئ أرباح المؤسسات السياحية من فنادق ومطاعم بنسبة 30% ، ويؤمّن أكثر من 600 فرصة عمل، لذا يجب على الدولة استعادته وتفعيل موارده، بدل أن تقوم باعطائه لأفراد يستفيدون منه على حساب عامة الشعب".

وتشير تقارير إعلامية أن أكبر التعديات على الأملاك البحرية جاءت في البترون وكفرعبيدا وفي مناطق الجنوب، وأشارت التقارير إلى قيام رجال أعمال متوزعين بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، على تقاسم بحر جونية بين بعضهم البعض، وبناء مطاعم وكافيهات على طول الأملاك العامة البحرية الموزعة على الشاطئ".

واعتبر أيوب "أن فرض الضرائب من قبل الدولة على هذه المنشآت المخالفة للقانون، ما هو إلا تشريع مبطن"، مضيفاً "لعبة متفق عليها بين المعتدين والجهة السياسية المحسوبين عليها، فمعظم هؤلاء مدعومون من قبل أحزاب سياسية، ومعظم من غرموا لم يدفعوا الغرامات، ومن قام بتسديدها دفعها بالليرة اللبنانية الفاقدة لقيمتها، في الوقت الذي يحقق هؤلاء أرباحاً بالدولار، ويدفع ثمنها المواطن، والملف كالعادة وضع في الجوارير".

1068 مُخالفاً

من جهته أكد الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين "أن قيمة هذه الاملاك تقدر بعشرات المليارات، فهي تؤمن مداخيل عالية جدا، وتقدر الإيرادات ب 40 مليون دولار، وهي لا تزال دون القيمة الفعلية"، مضيفا إلى أنه "بالرغم من صدور قانون لتسوية المخالفات على الأملاك البحرية، فالتعديات لا تزال موجودة وتزداد، وبالتالي المخالف يدفع الرسوم لكن من دون ازالة المخالفة، أي ان المخالف يدفع ويستمر في التعدي على الأملاك البحرية".

وبحسب شمس الدين يبلغ عدد الشاغلين بطريقة غير قانونية 1068 مخالفا، لم يتقدم منهم تبعا لقانون دفع بدلات الإشغال إلا 378 مخالفا بطلبات لدفع ما يتوجب عليهم، فيما تلكأ أو امتنع 690 مخالفا عن تصحيح أوضاعهم.

تجدر الإشارة إلى أن الأملاك البحرية العامة تشمل جميع الشواطئ الرملية والحصى والصخر، وتعتبر مساحات عامة يحق لكل شخص الوصول إليها والإستمتاع بها.

هذه التعديات لم تسلم منها الاملاك النهرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد نهر الكلب الاثري المصنف موقعا طبيعيا عام 1998 ، والذي يجب حمايته من التعديات المتكررة، لا يزال ضحية التعديات على أملاكه العامة، إضافة إلى التعديات على نهر الليطاني، التي تشمل إنشاءات وصبيات خرسانية في مجرى النهر وعلى ضفافه واستراحات خاصة لبعض المواطنين. أما الكسارات فحدث ولا حرج، فالمقالع وكسارات الحجارة تتوزع في معظم المناطق الجبلية بلبنان، ويبلغ عددها نحو 1500 مقلع، معظمها من دون ترخيص، وتقع 10% من هذه المقالع على أراض وعقارات تابعة للدولة، بينما تقع 15% من تلك المقالع في أراض غير ممسوحة وغير محددة ملكيتها.

تجدر الإشارة، إلى أن وزير الداخلية والبلديات، العميد أحمد الحجار أصدر سلسلة من التعاميم بهدف الحفاظ على البيئة وحماية نهر الليطاني من التعديات والتلوث، بناء على مراسلات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني.

هل يُعاد الحق الى اصحابه

على ما يبدو "البزنيس" أهم من القانون، فعلى ارض الواقع لم يحصل رفع للتعديات، لان تطبيق القانون في بلد مثل لبنان لا يسري إلا على عامة الشعب، أما المدعوم من جهة سياسة او حزبية او طائفية لا يسري عليه القانون. فهل ستعمل الحكومة الجديدة برئاسة القاضي نواف سلام، بوازاراتها المعنية بملف التعديات على أملاك الدولة، بإخراج هذا الملف إلى العلن، والعمل على إعادة الحق إلى اصحابه، وتطبيق القانون عملا بتوصية رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "الجميع يجب أن يكون تحت سقف القانون، بدءا من رئيس الجمهورية".

الأكثر قراءة

سلام يخسر الكباش الاول مع عون : سعيد حاكما للمركزي رئيس الجمهورية يضع النقاط على الحروف قبل لقاء ماكرون ضمانات سعودية لتنفيذ التفاهمات الامنية بين لبنان وسوريا