اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 العرب يتقهقرون (الى أين ؟). الاسرائيليون يتقدمون (الى أين ؟). أي خلاف بين واشنطن وأورشليم خلاف حول الدور، أو حول الطريقة. في النهاية، اسرائيل الكبرى وسورية الصغرى، وحتى تركيا الصغرى، ما دام رجب طيب اردوغان لم يدرك، حتى الآن، فشل ديبلوماسية الثعبان، واستراتيجية الثعبان، لتحقيق حلمه باحياء السلطنة العثمانية، فقط ليكون السلطان العثماني. لعله بحاجة لمن يقول له انه سيكون الضحية الأولى، وقبل فولوديمير زيلينسكي، لأي اتفاق بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين حول أوكرانيا.

 حتى اللحظة، ما زلنا نتعامل "تقنياً" مع احتلال اسرائيل الجزء السوري من جبل الشيخ، والمباشرة باقامة منشآت عسكرية، وحتى سياحية، مع التوغل أكثر فأكثر في الجنوب السوري لنكون، وكما ذكرنا، سابقاً، أمام سورية الأخرى. دمشق ساقطة عسكرياً. المثلث الحدودي السوري ـ الأردني ـ العراقي بيد بنيامين نتنياهو. الأكثراثارة للهلع تلميح باحثين في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" الى الخطط التي توضع في الغرف السوداء لانشاء "كردستان الكبرى"، وهي القنبلة (أو أم القنابل) التي تفجر خارطة الشرق الأوسط الكبير، لنرى، على الأرض، مشروع برنارد لويس حول اعادة تركيب الخرائط والذي وافق عليه الكونغرس، في جلسة سرية، عام 1993.

 الاسلاميون هم الانكشارية الأميركية، وان كانت الصورة الجانبية تظهر أنهم النيوانكشارية للنيوعثمانية. تفجير البلدان المعنية من الداخل، واعدادها لتلك الساعة. من يتصور أن باستطاعة ذلك الكوكتيل العجيب من الفصائل، وبقيادات عربية وغير عربية، يمكن أن تستوعب الحالة السورية، بالتضاريس السياسية، والقبلية، والاثنية، والطائفية، بنزعة دموية لا توحي بالنموذج التركي بقدر ما توحي بالنموذج الأفغاني، وان بربطات العنق أو بالشعر اللامع.

 هكذا تنحصر عملية مطاردة "فلول النظام"، وكان يستقطب الملايين من مختلف المناطق، ومن مختلف الطوائف، في منطقة معينة، وفي طائفة معينة، ودون أي اعتبار للخطر الوجودي الذي يطل من مكان آخر. شاهدنا، لأول مرة، طائرات الهليكوبتر تقصف مدينة جبلة، ودون أن تتصدى للدبابات الاسرائيلية. لا أحد يكترث، لا بل إن وسائل الاعلام العربية تتعامل مع تلك العمليات الدموية على أنها خطوات ضرورية لتثبيت قواعد الدولة في سورية.

 واذا كانت السياسات السورية، بكل وجوهها، تصاغ في أنقرة لا في دمشق، وحيث سلطة الدمى، ودور الدمى، لاحظنا كيف أن شاشات عربية تنقل عن مصدر أمني في السلطة أن أحداث الساحل هي بتوجيهات بشار الأسد، الموجود، بما يشبه الاقامة الجبرية، في موسكو، وبمؤازرة جهة أجنبية. المقصود طبعاً ايران التي كيف لها أن تصل الى هناك ما دامت القطع البحرية التركية والاسرائيلية تجوب المياه الاقليمية السورية على مدار الساعة، وما دامت المنافذ البرية، والجوية، مقفلة، كلياً.

 ما يحدث في الجنوب السوري هو المدخل، وعبر الخاصرة الدرزية في السويداء، الى ما هو أكثر حساسية بكثير. ثمة مظاهر خطرة. الغالبية تتجه اسرائيلياً لتوجسها من التركيبة الطائفية، والفوضوية، للسلطة. حملة تحريض منهجية، و "مدفوعة" ضد الوزير وليد جنبلاط ، بتأثيره في دروز لبنان وسورية، وحتى على الأقلية الدرزية في الأردن، ما يمكن أن يهدد المشروع الاسرائيلي الذي بوشر تنفيذه برصد أكثر من مليار دولارلاحتواء دروز الداخل، وكذلك دروز المنطقة.

ماذا عن دروز لبنان ؟ استنفار تاريخي حول قصر المختارة أمام ذلك المنعطف الرهيب، فيما يوجد من يدافع عن الشيخ موفق طريف الذي يدعو الى اندماج "الحالة الدرزية" مع "الحالة اليهودية"، وهو ما يتبناه الوزير الاسرائيلي السابق أيوب القرا العضو في الليكود. على احدى الشاشات العربية، تساءل كيف يحق للجيش التركي أن يوجد في الشمال السوري، ولا يحق للجيش الاسرائيلي أن يوجد في الجنوب السوري.

 حين يكون الزعيم الدرزي في خطر، يكون الدروز في خطر، بل كل اللبنانيين ما عدا دعاة الغيتو (وهو الوجه الآخر للمقبرة) الذين يعتبرون أن ساعة الكونفيدارلية، لا الفديرالية، قد أزفت. لا حاجة للتأكيد، وسط هذا الركام السياسي، والطائفي (الركام السوسيولوجي) بأن كل الاحتمالات واردة بل و"مؤكدة". جهاز الموساد حاضر، برجاله كما بتقنياته المتطورة، على الأرض اللبنانية، ومع اعتبار أن من أعدوا السيناريوات الخاصة بسورية لا بد أن يكونوا قد أعدوا السيناريوات الخاصة بلبنان.

 المثير، في هذا السياق، ان ثمة أقطاباً سياسيين وحزبيين يتعاملون مع الأوضاع كما لو أن دونالد ترامب، أو بنيامين نتنياهو، يعمل لحسابهم، تماماً كمن يسند ظهره للنيران أو للوحول. هذه، على كل حال، حال أكثرية العرب الذين أظهرت قمة القاهرة (وحيث كانت الفضيحة الكبرى) أنهم ليسوا في عنق الزجاجة، وانما في قعر الزجاجة.

 تغيير الخرائط، وهذا ما يظهر للعيان، لا يعني بقاء الرؤوس. رجاء العودة الى ما فعله الأميركيون بحلفائهم، وقبل أعدائهم، منذ مؤتمر يالطا (1945 ) وحتى الآن...

 

الأكثر قراءة

ضوء أخضر أميركي يُشعل غزة... فماذا عن الجبهة الشماليّة؟ توترات أمنيّة تزنّر لبنان... هل يعود اللبنانيّون الى الشارع؟ الضغوط الدوليّة تعرقل التعيينات... التضامن الحكومي يهتز؟