في مشهد لم تألفه شوارع العاصمة منذ سنوات طويلة، وثّقت "الديار" للمرة الأولى ظهور عناصر شرطة سير اناث يرتدين بزة قوى الامن الداخلي عند تقاطعات العاصمة، وكأن الزمن عاد ليمنح النظام فرصة استعادة حضوره، وسط تخبطات اعتادها اللبنانيون. في مدينة أنهكتها الأزمات المتتالية، من الانهيار الاقتصادي إلى تداعيات الحرب "الإسرائيلية" الأخيرة، بدا هذا المشهد أشبه بإشارة ضوئية تُعيد التذكير بأن للحياة إيقاعاً آخر غير الفوضى والاضطراب. تجدر الإشارة الى ان العديد من البلديات توظف شرطيات بلدية في مختلف المناطق اللبنانية، كانت في طليعتها بلديات الزلقا وبرج حمود وفرن الشباك.
لا شك ان انتشار شرطة السير، لا سيما العنصر النسائي في صفوفها، يطرح تساؤلات أبعد من مجرد تنظيم المرور. فهل نحن أمام محاولة لاستعادة هيبة الدولة في شوارعها؟ أم أن الأمر يقتصر على مبادرة ظرفية ، لا تلبث أن تتلاشى كما توارت محاولات كثيرة قبلها؟ لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن وجود الشرطيات أعطى بُعدا مختلفا للمشهد العام، حيث رصدت "الديار" كيف أصبح انسياب حركة المرور أشبه بآلة دقيقة تعمل بانضباط، بلا فلتان ولا ارتجال.
هذا التحول، وإن كان في ظاهره تقنيا وبسيطاً، يعكس دلالات عميقة عن تغيّر معايير السلطة والانضباط في بيروت، مع انطلاقة عهد جديد وتشكيل حكومة تحت عنوان "الإنقاذ والإصلاح". فالشرطيات اللواتي انتشرن عند التقاطعات، لم يكنّ مجرد موظفات يقمن بواجب وظيفي، بل صورة رمزية لتحول اجتماعي ومؤسساتي يفرض نفسه في قلب مدينة اعتادت أن تسير بعكس التيار. فهل يكون هذا المشهد بداية لإعادة الاعتبار للنظام؟ أم أنه مجرد نقطة ضوء في نفق لا يزال طويلاً؟
خطة أمنية لمكافحة
جميع أوجه الإخلال بالأمن
في ضوء ما تقدم، رصدت "الديار" صورا لشرطيات السير وهن يقفن عند إحدى إشارات المرور الأكثر اكتظاظا، في نقطة تحوي 4 تقاطعات حساسة في الأشرفية، في منظر لم تألفه شوارع العاصمة منذ زمن بعيد، وذلك بثبات وإرادة قوية، يخترقن الحواجز الذكورية المعتادة ويقفن وسط الطرقات لتنظيم حركة المرور بإتقان لافت. موقف بدا وكأنه رسالة واضحة بأن شيئًا ما قد تغيّر، وأن بيروت، التي لطالما عاشت على إيقاع الفوضى، تستعيد شيئاً من النظام والانضباط.
وفي هذا الإطار، سألت "الديار" احدى الشرطيات عن هذا المشهد غير المألوف، فجاء الرد بأن الأمور لم تعد كما كانت، وأن هناك اجراءات أمنية جديدة يجري تنفيذها تشمل جميع الأراضي اللبنانية. هذه الاستراتيجية الوقائية، التي تُعدّ من أكثر المحاولات جدية في السنوات الأخيرة، لا تقتصر على تنظيم المرور فحسب، بل تمتد إلى مكافحة السرقات، وتعزيز الأمن في الأحياء، وتطبيق إجراءات صارمة لضبط المخالفات المرورية، التي شهدت ارتفاعاً كبيرا ابان العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، الى جانب مساواة المرأة بالرجل، فهي لا ينقصها من العزيمة والقوة شيء.
في المقابل، تشير معلومات "الديار" إلى أن الخطة التنظيمية تتضمن انتشارا أوسع للقوى الأمنية، وتكثيف الدوريات في المناطق الحساسة، وزيادة نقاط التفتيش في مختلف المناطق للحد من الجرائم المنظمة والسرقات التي تفاقمت في الآونة الأخيرة. كذلك، سيتم تشديد العقوبات على المخالفين، لا سيما في ما يتعلق بالتعديات على الأملاك العامة والخاصة، وفرض رقابة صارمة على الطرقات للحد من الفوضى المرورية. وفي جولة ميدانية لـ "الديار" وثقت وجود شرطة السير في مختلف المناطق اللبنانية منها نقطة مار مخايل النهر، وسط البلد، وفي الاشرفية.
يُعزز الانضباط ويفرض احترام القانون
في ظل هذه الإجراءات، يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام بداية استعادة الدولة لهيبتها الأمنية؟ أم أنها مجرد خطوة أخرى سرعان ما تتراجع تحت وطأة الأزمات والتحديات؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.
تعيين شرطيات مختصات بتسهيل حركة المرور يحمل دلالات مهمة، أبرزها: على الصعيد الأمني، تؤكد مصادر امنية لـ "الديار" ان "ظهور شرطيات سير في شوارع بيروت ليس مجرد حالة عابرة، بل يحمل دلالات أمنية واضحة، فهو يعكس جدية القوى الأمنية في تطبيق خطط جديدة، لضبط الأمن وتنظيم الحياة المدنية، خاصة في ظل الفوضى التي تفاقمت خلال السنوات الماضية. لذا، وجود العنصر النسائي في مهام حساسة مثل تنظيم المرور، يعزز الانضباط ويفرض احترام القانون، كما يشير إلى أن الأجهزة الأمنية تتجه نحو تكريس مفهوم الأمن الشامل، حيث يكون لكل عنصر، بغض النظر عن جنسه، دور فعال في فرض النظام".
وتضيف المصادر "مع تراجع هيبة الدولة في السنوات الأخيرة، فإن إعادة انتشار القوى الأمنية، خصوصا مع إدماج العنصر النسائي، قد يكون محاولة لإعادة بناء الثقة بالمؤسسات. المواطن اللبناني الذي فقد الأمل في قدرة الدولة على ضبط الأمن، قد يرى في هذه الخطوة مؤشراً على توجه جاد لاستعادة النظام، سواء عبر تنظيم المرور أو عبر إجراءات أمنية أخرى أشمل".
المرأة في الامن: تحول اجتماعي
يعكس تغيّر النظرة الى دورها!
اما في ما يتعلق بالجانب الاجتماعي ودور المرأة في المجتمع، فيوضح مصدر في نقابة الاختصاصيين في العمل الاجتماعي لـ "الديار"، انه "لطالما كانت مهن معينة في لبنان حكراً على الرجال، ومن بينها تنظيم المرور في الشوارع. لكن رؤية فتيات شرطيات في وسط الطرقات، تكسر الصورة النمطية لدور المرأة، وتؤكد أنها لم تعد محصورة في وظائف تقليدية، بل أصبحت شريكة كاملة في المسؤولية الأمنية. هذا التحول يعكس تقدماً في النظرة إلى دور المرأة في المجتمع اللبناني، حيث أصبحت موجودة في مواقع لم يكن يُتوقع أن تصل إليها سابقاً".
ويعتقد المصدر ان "وجود شرطيات سير في الشوارع، قد يؤثر في سلوكيات السائقين والمارة بشكل مختلف عن وجود الشرطي التقليدي. العنصر النسائي قد يفرض انضباطاً أكبر، حيث يميل البعض إلى احترام القوانين أكثر عند التعامل مع شرطية، ليس فقط لهيبة الزي الرسمي، بل أيضاً لأن الفكرة بحد ذاتها جديدة وغير مألوفة، مما قد يجعل الأفراد أكثر التزاما بالقوانين".
ويبين ان "هذه اللوحة هي كالتحدي للأنماط الذكورية التقليدية، لا سيما في مجتمع لا تزال بعض شرائحه تعتقد أن هناك أعمالًا "خاصة بالرجال"، فإن وجود شرطيات سير في وسط الطرقات يشكل اختراقا لهذه الذهنية. وبذلك تثبت المرأة اللبنانية مرة جديدة أنها قادرة على أداء أي دور، بما في ذلك الوظائف التي تتطلب حضورا قويا وصمودا في وجه التحديات اليومية، مثل إدارة حركة السير في بلد يشهد ازدحاماً كبيراً وغياباً متكرراً للالتزام بالقوانين".
ويشدد المصدر "على ضرورة تمكين العنصر النسائي في المؤسسات الأمنية، بحيث ان وجود شرطيات سير ليس مجرد توظيف للمرأة في القوى الأمنية، بل هو خطوة نحو تمكينها في مواقع قيادية مستقبلًا. عندما تثبت الشرطيات كفاءتهن في الميدان، فقد نرى لاحقاً المزيد من النساء يتقلدن مناصب أمنية أعلى، مما يرسخ فكرة المساواة في الفرص داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية. كما ان انخراط المرأة في مهام شرطية ميدانية، قد يشجع على توظيف المزيد من النساء في القطاع الأمني، مما يساهم في فتح فرص عمل جديدة، خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان. إضافة الى ذلك، قد يكون لتعزيز الأمن، حتى من خلال مهام تنظيم السير، تأثير إيجابي غير مباشر في الاقتصاد، عبر تحسين بيئة الأعمال وحركة التنقل".
في الخلاصة، قد يبدو ما يحدث اليوم في بيروت للوهلة الأولى مجرد إجراء تنظيمي، لكن الواقع يحمل أبعادا أعمق تتعلق بتثبيت حضور الدولة، وتقوية دور المرأة، وإعادة هيكلة مفهوم الأمن في الشوارع اللبنانية. والسؤال الآن: هل ستكون هذه الخطوة بداية لتحولات أوسع في المشهد الأمني والاجتماعي؟ أم أنها مجرد تجربة قد لا تدوم طويلًا؟
يتم قراءة الآن
-
انجاز التعيينات الامنية الخميس... «تسوية» شقير وعبدالله أنقذتها؟ بري للخماسية: «وطني معاقب» واوتاغوس: مفاوضات الحدود قريبا الحجار يكسر الجمود... والبيطار على مشارف قرارات حاسمة!
-
أيّها الشرع زامير في دمشق
-
قلق من تداعيات مجازر الساحل... وردود فعل رسميّة خجولة؟ بلاسخارت تنقل أجواء سلبيّة من «اسرائيل»... متري: لا نزع للسلاح بالقوة إنجاز أمني للجيش شمالاً... وتحقيقات المرفأ تنطلق من جديد
-
قراءة في المتاهة الإيرانيّة
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
11:39
بدء جلسة لجنة المال والموازنة برئاسة كنعان وحضور وزير المال ياسين جاير لبحث واقرار ٣ بنود تتعلّق بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية
-
10:45
رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إرنستو راميريز ريغو دعا خلال لقائه رئيس الجمهورية إلى ضرورة وضع خطة إصلاحية مالية موحدة تساعد لبنان على الخروج من أزماته والرئيس عون شدد بدوره على التزام لبنان بالمضي في تنفيذ الإصلاحات
-
10:44
الجيش اللبناني: ما بين الساعة 10.30 والساعة 16.00، ستقوم وحدة من الجيش بتفجير ذخائر غير منفجرة في جرد بلدة قوسايا - زحلة.
-
10:33
صحيفة "يديعوت أحرونوت": بعد مرور 17 شهراً على اندلاع الحرب لا تزال حماس القوة المهيمنة في غزة
-
10:32
إذاعة الجيش "الإسرائيلي": السيطرة على قمة جبل الشيخ السوري تمنح “إسرائيل” نقطة مراقبة على مساحات واسعة في لبنان و سوريا
-
10:31
عراقتشي: لم تصلنا رسالة ترامب حتى الآن ولكن من المقرر أن يتم تسليمها عبر إحدى الدولة العربية إلى طهران قريباً
