اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


قراءة في الحالة الايرانية، الأحرى قراءة في المتاهة الايرانية. كيف يفكر الايرانيون في هذه المفترقات التاريخية المعقدة، وبعد تلك السلسلة من الصدمات الجيوسياسية، التي جعلت برنار ـ هنري ليفي يكتب عن "اللحظة التي بكى فيها قوروش"، الأمبراطور الفارسي الذي أنقذ "اليهود" من السبي البابلي.

مشكلة ايران مزدوجة. اذا كانت قوية فهذا يستتبع حصاراً مروعاً، الهدف منه تقويض أو تفجير النظام من الداخل ، واذا كانت ضعيفة لا بد أن يكون هناك من يشحذون السكاكين لتقطيعها. هنا السؤال التالي: أيهما الخيار الأفضل لحماية الجمهورية الاسلامية القوة العسكرية أم القوة السياسية؟ حتى الباحثون الأميركيون يقدمون اجابات متناقضة.

 البعض يرى أن الهاجس العسكري أتى بالويلات على ايران وعلى حلفائها. كل بلدان المنطقة، وفي الطليعة "اسرائيل"، ضد أن تتحول الى دولة نووية، وحتى الى دولة صاروخية. أكثر من ذلك ضد الولوج الى الزمن التكنولوجي، حتى ولو صنعت القنبلة ما تأثير ذلك على المعادلات الاستراتيجية في المنطقة، اذا أخذنا بالاعتبار وجود 50 قنبلة نووية أميركية في قاعدة انجرليك التركية، وحيازة "اسرائيل" مئات الرؤوس النووية، لا بل أن هناك داخل الكونغرس من دعا الى تزويد القواعد الأميركية في الخليج بالسلاح النووي، وان كانت الغواصات والمدمرات الأميركية التي تنتشر في المحيط أكثر من أن تكون كافية.

 ايران تمتلك كل الامكانات لتكون قوة اقتصادية ضاربة. الآن صراع الأسواق، لا صراع الحضارات أو صراع الأمبراطوريات. كثيرون في العالم وضعوا التاريخ، ووضعوا الايديولوجيا (وهما الآفتان اللتان تفتكان بنا) جانباً، وانخرطوا في اللعبة. ولكن هل يسمح للدولة الايرانية، بالنظام الثيوقراطي، والبعيد عن واشنطن وعن "تل أبيب"، بأن تصبح قوة اقتصادية؟

 بديهي أن نسأل، في ظل الانكفاء الجيوسياسي الذي أحدثته الحرب في غزة وفي لبنان، تزامناً مع الزلزال السوري، "ايران الى أين"؟ شائعة كاريكاتورية يصدقها الكثيرون، وتروّج لها بعض الشاشات، من أن ايران وراء الأحداث التي وقعت في الساحل السوري. من أين يستطيع الايرانيون الدخول الى هناك، ولو بالحمام الزاجل؟ البر مقفل، الجو مقفل، وكذلك البحر. هناك مثال من التاريخ، الأمير فخر الدين المعني (1572 ـ 1635 ) كان يؤلب السلطان ضد الشيعة، بدعوى التعاون مع الدولة الصفوية في ايران ضد السلطنة العثمانية، التي كانت تطبق على كل المنافذ، ومع اعتبار المسافة الهائلة بين لبنان وايران.

 ولكن أليست هشاشة الوضع العربي (الغارق في معادلة الحلال والحرام)، لا سيما ما يتعلق بالصراع مع "اسرائيل"، هي التي فتحت الأبواب أمام ايران، وعبر الخط العقائدي الذي لا بد أن يؤثر على فئة، لطالما كان ضحية كل الغزاة الذين عرفتهم هذه الأرض على مدى الألف عام المنصرمة.

 الآن، دونالد ترامب الذي يعيد تركيب الشرق الأوسط، وفق الرؤية المشتركة لوول ستريت والبنتاغون، وضع ايران أمام خيارين: الديبلوماسي أو العسكري. هذا طرح تكتيكي. الرئيس الأميركي سبق وأثنى على كلام للجنرال ديفيد بترايوس، الذي اعتبر فيه أن الخروج من أفغانستان بمثابة الخروج النهائي من "استراتيجية المستنقعات".

 لا نتصور أنه لم يطّلع على أقوال هنري كيسنجر بالخلفية اليهودية، حول التضاريس اللاهوتية في الشرق الأوسط، مع ما لذلك من تأثير على مجرى الاحداث، اذا اندلع "الحريق الكبير" بالتداعيات الكارثية على المصالح الأميركية، وان كان بنيامين نتنياهو يعتبر أن قنبلة واحدة، على شاكلة قنبلة هيروشيما، يمكن أن تغيّر المشهد كلياً والى الأبد.

 الايرانيون يدركون كيف يلعب رجب طيب اردوغان. لا ندري اذا كانت لديهم معلومات حول خفايا الصفقة التي عقدها مع دونالد ترامب حول سوريا، وحتى حول ايران، وربما حول المنطقة. الاتفاق بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، قائد "قوات سوريا الديمقراطية"( قسد) له خلفيات وآفاق استراتيجية فائقة الحساسية، مثلما هي فائقة الخطورة. الايرانيون ما زالوا يتحدثون بلغة صارخة لم تعد تؤثر البتة في مجرى الأحداث.

الطريق الديبلوماسي، ولكن ليس على طريقة حائكي السجاد ما دمنا في زمن "الديبلوماسية المجنونة"، هو الطريق الوحيد للخروج من المراوحة الراهنة. كل ما يجري الآن، في الضوء أو في الظل، ضد ايران التي يقتضي أن تبحث عن طريقة ما لاختراق المشهد الحالي، وهي ترى كيف أن أميركا، الأمبراطورية الأعظم في التاريخ، تصل بالبراغماتية الى حد القفز فوق "اسرائيل"، وليس فقط فوق نتنياهو، وتفاوض "حماس". هنا البراعة في أن تجعل طهران دونالد ترامب يقفز فوق "اسرائيل" أيضاً ويفاوضها، بعدما رفض اعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو لضرب منشآتها النووية.

حلفاء ايران في المنطقة يعيشون المرارات الكبرى، والخيبات الكبرى. نعلم أن هناك داخل الفريق الرئاسي في واشنطن من يرى أن المفاوضات ينبغي أن تعقد بين طرف ربح كل شيء وطرف خسر كل شيء. لا أحد في الصراعات، ما دام التاريخ يلعب في الرؤوس، يربح كل شيء أو يخسر كل شيء. من هنا الخطوة الأولى نحو الردهة الديبلوماسية. ولكن ألا نلاحظ سكوت الرئيس مسعود بزشكيان بعد استقالة محمد جواد ظريف، وهذا يعني ما يعنيه.

 لم يعد هناك من مجال للدوران طويلاً في الحلقة المقفلة...!

الأكثر قراءة

انجاز التعيينات الامنية الخميس... «تسوية» شقير وعبدالله أنقذتها؟ بري للخماسية: «وطني معاقب» واوتاغوس: مفاوضات الحدود قريبا الحجار يكسر الجمود... والبيطار على مشارف قرارات حاسمة!