اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تُعد أدوية ضغط الدم من أكثر الأدوية شيوعًا على مستوى العالم، إذ تُوصف لملايين المرضى للوقاية من مضاعفات ارتفاع ضغط الدم مثل الجلطات الدماغية وأمراض القلب. وعلى الرغم من الفعالية الكبيرة لهذه الأدوية في خفض ضغط الدم وحماية صحة القلب، إلا أن هناك دراسات متزايدة تشير إلى ارتباط محتمل بين بعض أنواعها وظهور أعراض الاكتئاب لدى المرضى.

تشير الأبحاث إلى أن بعض الفئات من أدوية ضغط الدم، خاصةً حاصرات بيتا ومدرات البول، قد تكون مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. فعلى سبيل المثال، تعمل حاصرات بيتا على تقليل معدل ضربات القلب والتخفيف من الضغط الواقع على القلب، لكنها قد تؤثر أيضًا في مستقبلات معينة في الجهاز العصبي، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تقلبات مزاجية، انخفاض في الطاقة، واضطرابات في النوم، وهي جميعها أعراض قد تتطور إلى حالة اكتئابية مع مرور الوقت.

من ناحية أخرى، لا تزال الآلية البيولوجية الدقيقة التي تفسر ارتباط بعض أدوية ضغط الدم بالاكتئاب غير مفهومة بالكامل حتى اليوم. إلا أن العديد من الدراسات تشير إلى أن هذه الأدوية قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على كيمياء الدماغ، وخصوصًا على النواقل العصبية التي تتحكم في المزاج والسلوك. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي بعض أدوية الضغط إلى تقليل مستويات السيروتونين والدوبامين، وهما من أهم النواقل العصبية المرتبطة بالشعور بالسعادة والتحفيز. انخفاض هذه المواد في الدماغ قد يتسبب بظهور أعراض مثل الحزن غير المبرر، انخفاض الطاقة، فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية، واضطرابات في النوم، وهي سمات شائعة في اضطرابات الاكتئاب.

ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن هذه الآثار لا تحدث لدى جميع المرضى، إذ تختلف الاستجابة من شخص لآخر بناءً على عوامل متعددة، منها الحالة الصحية العامة للفرد، ووجود استعداد وراثي للإصابة بالاكتئاب، أو معاناة الشخص من ضغوط نفسية مزمنة أو تجارب حياتية سابقة قد تزيد من قابليته لظهور الأعراض النفسية عند التعرض لأي محفز خارجي، بما في ذلك الأدوية.

ورغم هذه المخاوف، يحذر الأطباء بشدة من التوقف المفاجئ عن تناول أدوية ضغط الدم، نظرًا للمخاطر الصحية الكبيرة التي قد تترتب على ذلك، مثل الارتفاع الحاد في ضغط الدم، أو التعرض لأزمات قلبية أو جلطات دماغية قد تهدد حياة المريض. ولهذا، ينبغي التعامل مع هذه الأعراض المحتملة بحذر ومسؤولية طبية، عبر مراجعة الطبيب المختص فور ملاحظة أي تغيّرات سلبية في المزاج أو الحالة النفسية أثناء فترة العلاج.

في هذه الحالة، قد يلجأ الطبيب إلى تقييم الحالة بشكل شامل، وقد يتخذ قرارًا بتعديل جرعة الدواء أو استبداله بنوع آخر من الأدوية التي أثبتت الدراسات أنها أقل ارتباطًا بالاكتئاب، مثل مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين أو حاصرات قنوات الكالسيوم، التي تُعد عادةً أكثر أمانًا من الناحية النفسية لكثير من المرضى.

علاوة على ذلك، يشدد المختصون في الطب العام والطب النفسي على أهمية المتابعة النفسية الدورية لمرضى ارتفاع ضغط الدم، خصوصًا أولئك الذين يتناولون أدوية طويلة الأمد، إذ أن الدعم النفسي وتقييم الحالة المزاجية بانتظام قد يساعدان في اكتشاف أي أعراض اكتئابية مبكرة والعمل على علاجها قبل أن تتفاقم. كما لا يمكن إغفال التأثير الكبير للعوامل الاجتماعية ونمط الحياة في صحة المريض النفسية، حيث إن العيش تحت وطأة القلق المستمر من المضاعفات الصحية أو تبني نمط حياة غير صحي يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب.

في المحصلة، يبقى تحقيق التوازن بين الفوائد العلاجية والمخاطر المحتملة هو الأساس في أي خطة علاجية. وهنا تبرز أهمية توعية المرضى وفتح حوار صريح بين الأطباء ومرضاهم حول التأثيرات الجانبية المحتملة لأي دواء، لضمان اتخاذ قرارات علاجية مدروسة تُراعي صحة المريض الجسدية والنفسية على حد سواء. 

الأكثر قراءة

نتنياهو يهدّد وأورتاغوس تساوم... لبنان يردّ بالتفاهمات والترقب انتكاسة لمخزومي في بيروت: طموح السراي يصطدم بضعف التمثيل السني «بلديات المتن»: نيكول الجميّل تتحدى ميرنا المرّ في معركة الاتحاد