اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ويختلف معه في الحرب الروسية ــ الأوكرانية!

الأوروبيون ليسوا واحداً في نشر جيش أوروبي أو أطلسي في أوكرانيا!

كاتب وخبير في الشؤون الدولية

يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بكل قواه للخروج، ولإخراج أوروبا معه، من عباءة الولايات المتحدة!

يريد إخراج أوروبا من عباءة الولايات المتحدة في كل المجالات الأمنية والسياسية والمالية والاقتصادية. وهو يسلك بذلك طريقاً شائكاً جداً، يصعب الاستمرار فيه لأسباب عديدة.

والمؤشر الخطر عالمياً هو في جدوى استمرار حلف الأطلسي، مع إرادة ماكرون بتشكيل جيش أوروبي مستقل!

فهل يستمر الناتو؟ وهل تستمر الولايات المتحدة عضواً فيه، في زمن يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقليص المساهمات الأميركية في تمويله؟!

إن مؤتمر باريس لدعم أوكرانيا أظهر انقسامات أوروبية أكثر منه وحدة في الموقف! والمبادرات الفرنسية - البريطانية العسكرية مرشحة للاصطدام بالقرارات الأميركية المعاكسة.

ماكرون «يذهب الى الحج هي والعالم راجعه»! إذ لن يتمكن الرئيس الفرنسي في زمن محادثات السلام الاميركية - الروسية من فرض خيارات عسكرية على روسيا.

إذ يسعى ماكرون لنشر جيش فرنسي - بريطاني على حدود روسيا! في حين كانت «نية» نشر صواريخ الناتو على الحدود الروسية هي من الأسباب الأساسية في الحرب الحالية!

وما كان مستحيلاً لبعض الأوروبيين والولايات المتحدة «البايدنية» في «عز الحرب» ليس ممكناً اليوم!

إذ لم تنجح مليارات الدعم الأوروبية - الأميركية (البايدنية)، ولا تزويد أوكرانيا بالسلاح في تحقيق أي تفوق ميداني لأوكرانيا، ولو على طريق استرجاع أمتار قليلة من أي من مناطقها الخمس التي تحولت كلياً أو جزئياً (أو عادت بحسب الروس) الى روسية! أي القرم، ودونيتسك والدونباس وخيرسون وزاباروجيا.

لا يمكن للرئيس ماكرون عملياً فرض «أمن قومي ومستدام» على روسيا «بالقوة»! إذ لا يمكنه دخول الحرب ضدها، لا وحيداً ولا أوروبياً!

والغريب في اقتراحات ماكرون وتصريحاته، أنها تعكس «انتصاره» مع الرئيس الأوكراني فلودومور زيلينسكي في الحرب، و «خسارة» روسيا والرئيس فلاديمير بوتين لها! وهذا ما لم يحصل!

بل إن فرنسا، وماكرون تحديداً، ليس، بفعل موازين القوى والتحالفات، في موقع وضع الشروط على روسيا! وإن زيلينسكي كان تعرض للإهانة المباشرة من الرئيس ترامب مؤخراً في البيت الأبيض.

علماً أن الصين، اللاعب العالمي الكبير الثالث، وهي الداعمة لروسيا، دخلت على خط مفاوضات إنهاء الحرب مؤخراً!

وحتى بريطانيا، فهي ستبقى في النهاية «أقرب» الى الولايات المتحدة، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً منها الى فرنسا. وهي التي خرجت في البريكست من الاتحاد الأوروبي لتقترب من الولايات المتحدة.

أما الحديث عن نشر جيش فرنسي - بريطاني، من دون وجود جيش أوروبي أو أطلسي، فهو يضعف الموقف الفرنسي داخلياً وخارجياً. وهو سيكون له ارتدادات سلبية كبيرة في الداخل الفرنسي.

هذا كله في زمن تتقدم المحادثات الأميركية - الروسية في المملكة العربية السعودية في موضوع إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية. وهي قد بلغت مراحل متقدمة.

إذ إن الرئيس الاميركي دونالد ترامب يريد إنهاء هذه المرحلة من المحادثات مع روسيا بنتائج عملانية «جدية»! وأبرزها التوصل الى وقف إطلاق النار بالكامل لمدة 30 يوماً. وهو لم يعد بعيداً عن تحقيق هدفه على ما يبدو!

أما في محاولة «انتفاضة» ماكرون على الولايات المتحدة، فقد أوضح الرئيس الفرنسي في مؤتمر باريس أن مصالح فرنسا وأوروبا هي غير المصالح الأميركية! وأن من دور فرنسا العمل على تحقيقها، بمعزل عن الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يكون هناك تبعات عديدة لهذا الموقف «الماكروني»! وفي مقدمها التبعات الاقتصادية.

وإذ قال ماكرون إنه سيتحدث الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجدداً بعد أن كانا قد تحادثا لمدة نصف ساعة قبل المؤتمر، تطرق بالفعل الى «معاقبة» الولايات المتحدة لفرنسا وأوروبا في الموضوع الاقتصادي وفي رفع الضرائب والتعرفات الجمركية عليها. وهو تمنى أن يعود ترامب عنها، معترفاً أن أوروبا ستعاني من صعوبات جمة بسببها!

هذا، في زمن تعاني منه فرنسا الأمرين مالياً. إذ يتخطى دين فرنسا الحالي سقف 3.3 تريليون يورو. ومع ذلك، فإن على الشعب الفرنسي أن يشد الحزام! إذ تعهد ماكرون أن تقدم فرنسا ملياري يورو كمساعدات إضافية لأوكرانيا!

يعتبر ماكرون أن مؤتمر باريس قد نجح في تحقيق خطوات عملانية، بتكليف الرئاسات الفرنسية - البريطاني لرئاسة الأركان الفرنسية والبريطانية للذهاب الى أوكرانيا لإعادة بناء الجيش الأوكراني لمرحلة السلام!!!

وتسعى فرنسا مع ألمانيا والسويد والنروج وبعض الاصدقاء للحصول على 18 مليار يورو كمساعدات لأوكرانيا، بينها 9 مليار يورو كمساعدات عسكرية.

وتعتمد رؤية ماكرون في دعم المصالح الفرنسية والأوروبية في مساعدة أوكرانيا على المدى القريب على 3 ركائز. وهي:

1 - المساعدات المالية.

2 - المساعدات التقنية لمرافقة وقف إطلاق النار المرتقب.

3 - ضمانات ما بعد السلام. وهي ببناء جيش أوكراني قوي!

يعزز موقف ماكرون تجميد أموال روسيا في أوروبا. وهي بقيمة 230 مليار يورو. ويريد ماكرون أن تساهم هذه الأموال في تمويل إعادة بناء أوكرانيا!

ولكن، من دون أكبر «لاعبين» في العالم، أي الولايات المتحدة وروسيا، لم يكن مؤتمر باريس سوى «مسرحية سياسية»، كما وصفته إحدى الصحف البريطانية.

خارج الإجماع الأوروبي، تبدو طروحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأمنية، وغير الأمنية، بعيدة عن الواقع. وهي ستبتعد عن الواقع أكثر فأكثر مع نتائج المفاوضات الروسية - الأميركية.

كان البيت الأبيض اعتبر «رسمياً» القمة الباريسية لدعم أوكرانيا «مفيدة» وان كانت تصريحات مسؤوليه اعتبرتها بلا أي قيمة!

لم ينجح الأوروبيون في حماية أوكرانيا. وهم كانوا قد ساهموا في إضعاف الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وتخلوا عن القانون الدولي الذي يحمي العالم! كما لم ينجحوا في حماية غزة وسورية ولبنان... وهم وجدوا، محبطين، أن دورهم اليوم يقتصر على الجلوس على مقعد الاحتياط في لعبة من يفوقهم حجماً وقوةً ونفوذاً! وذلك، حتى إشعار آخر!

يستحيل بلوغ السلام في أوروبا حالياً إلا «بالإقناع»! أي بإقناع روسيا والرئيس فلاديمير بوتين، وبموافقة الولايات المتحدة والرئيس دونالد ترامب. وكل ما هو غير ذلك، هو إضاعة للوقت، ومساهمة في تدمير الاقتصادات الأوروبية التي تعاني من العديد من الأزمات في غياب الغاز الروسي.

مع نهاية مؤتمر باريس، ستعود المحادثات في السعودية الى الواجهة. وهي تحمل في طياتها سلاماً في الحرب الروسية - الاوكرانية هذا العام، بشروط لن تلاقي على الأرجح، لا استحسان ماكرون، ولا استحسان الأوروبيين، ولا استحسان زيلينسكي! وإن كانت أوروبا ستكون المستفيد الاقتصادي الأكبر من السلام المرتقب! 

الأكثر قراءة

هل عادت الكلمة للشارع... من طريق المطار الى ساحة الشهداء الحريري يكسب الرهان الشعبي... والحزب "يهز العصا"