اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يبدو أن «القرار الامبراطوري» قد أسقط روما الجديدة! فهو قد أنهى قبول العالم لها زعيمةً له، وإن كانت ما تزال الأقوى والأكثر فعالية!

وقد أنهى «يوم التحرير» صورة المعسكر الغربي المواجه للمعسكر الشرقي دفاعياً، ولكن خاصةً مالياً واقتصادياً! والعالم قد دخل الآن مرحلة مخاض خلط أوراق اقتصادية ولكن أيضاً سياسية!

وقد يكون السؤال الأهم هو هل وصلت الولايات المتحدة الى نقطة اللاعودة؟! وهل يمكن وقف تدهور مسار الأمور؟ وهل يتفق بالتالي الجمهوريون مع الديموقراطيين لإجبار الرئيس الاميركي دونالد ترامب على التراجع؟!

حرب عالمية تجارية!

العالم في خطر أمام «الحرب العالمية التجارية الأولى»! إذ يمكن أن يتحقق «الانهيار الاقتصادي» (Crash) في العالم إذا ما خسرت أسواق البورصة 20% من قيمتها (10% مرتين خلال أسبوع واحد على سبيل المثال).

فبعد خسارة كبرى الشركات الأميركية 2.5 تريليون دولار في يوم واحد، بينها 1.8 تريليون دولار للشركات العملاقة السبع، ارتفعت بشدة الأصوات الأميركية المعارضة لقرار الرئيس ترامب الضريبي.

ومع ذلك، فإن ليس هناك أي مؤشر يمكن أن يعكس حركة الأسهم بالاتجاه الإيجابي.

وقد اعتبر مصرف ج. ب. مورغان أن احتمال المخاطر يصل الى 60%! وهو رقم مخاطر كبير جداً يصدر عن إحدى أهم المؤسسات المالية في العالم!

بين الأصوات المرتفعة، السيناتور الأميركي الجمهوري تيد كروز، الذي حذر من «حمام دم» ضد الجمهوريين في منتصف العام المقبل إذا ما أدى «يوم التحرر» الى ركود اقتصادي!

أكبر سيناتور سناً، شاك غروسلي، السيناتور الجمهوري عن ولاية أيووا، يقترح اليوم ألا يكون رفع الضرائب من صلاحية الرئيس الأميركي بل من صلاحية الكونغرس!

ولكن أغرب المواقف عبّر عنه أقرب أصدقاء الرئيس ترامب أغنى رجل في العالم إيلون ماسك، الذي قال إنه بين الولايات المتحدة وأوروبا يجب الوصول الى شرْكة، يمكن أن تصل الى صفر % من الضرائب المتبادلة! وأن هذا ما قد نصح به الرئيس ترامب! وهو فعلياً بعكس سير قرار ترامب، الذي كان قد وافق عليه!

ولا شك أن ماسك بدأ يشعر أنه مع كبار داعمي ترامب، ومع أغنى رجال الأعمال في العالم من أمثال مارك زوكربيرغ وجيف بيزوس وغيرهما أنهم قد خسروا مئات المليارات من الدولارات في «رفة جفن»!

في المقابل، 3.5 مليون أميركي شاركوا في حوالى 1.500 تظاهرة أميركية في يوم واحد ضد قرار الرئيس الأميركي.

فالولايات المتحدة ليست «روما» بالنسبة للأميركيين! فإذا كان الرئيس ترامب يعتبر نفسه إمبراطوراً رومانياً! فإن المواطن الأميركي لا يشعر أنه «غلادياتور» يريد تطويع مواطني العالم كله على حلبة «الكوليسيوم» في «وول ستريت»!

جزرة التفاوض أم عصا الضرائب المستمرة!

يعتقد الرئيس ترامب إن الموجة المضادة لقراره قد مرت على خير! ولكنها بالفعل ما تزال في بداياتها. لا بل إنها قد تتحول الى تسونامي معاكس له!

50 من أصل 185 بلداً فرض عليها الرئيس الاميركي ضرائبه «الامبراطورية» تفاوض بحسب وزير الاقتصاد الأميركي!

فحتى أقرب الحلفاء يفاوضون! إذ يلتقي رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الرئيس الاميركي دونالد ترامب للحديث عن الضرائب الجمركية الأميركية التي تصيب اسرائيل، بالإضافة طبعاً الى موضوع ضرب إيران وسحق غزة! إذ إن ضرائب ترامب تصيب، حتى اسرائيل، بنسبة 17%!

التنمية تثور على النمو!

هل تنجح تظاهرات أميركا وضرائب العالم المضادة بلي ذراع الرئيس ترامب؟ الأمر ممكن، حتى ولو كان الرئيس ترامب يملك نفساً طويلاً وقدرة كبيرة على التحمل!

إذ لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوقع أن ينطلق هذا الكم الهائل من التظاهرات في مختلف مناطق الولايات المتحدة ضد ضرائبه «الامبراطورية» ضد العالم!

فقد اعتقد ترامب أن نجاحه في زيادة الأرقام في الخزينة سيشعر الشعب الأميركي بنشوة الراحة والازدهار والانتصار!

ولكن ما يبدو هو أن لغة أرقام النمو أصبحت «بالية»! لا بل أصبحت محدودة في زمن تنمية مبنية على عدالة اجتماعية (مفقودة) وعلى ضمير (انتقائي)، يُفترض أن يكون حراً!

فإذا كان الرئيس ترامب يعتقد أن مداخيل الولايات المتحدة يمكن أن تصل الى تريليون دولار، أو حتى الى 3 تريليون دولار من مداخيل الضرائب على العالم، خلال عقد من الزمن، بينها 200 مليار دولار سنوياً من الصين، وحوالى 110 مليار دولار سنوياً من كندا... فإن الاقتصاد الأميركي والشركات الاميركية قد خسروا هذه المبالغ في الوول ستريت في ساعات قليلة!

من جهة أخرى، يعمل الداخل الأميركي بشكل نقابي لا مركزي! أي أن التجمعات العمالية في أحد القطاعات يمكن أن تتحرك منفردة عن القطاعات الأخرى، مثل القطاع الزراعي أو القطاع التكنولوجي أو القطاع المصرفي... وهذا بالإضافة الى التحركات السياسية المعارضة أو التحركات الطالبية، من دون ذكر التحركات المؤيدة للجماعات الاغترابية!

هل تواجه أوروبا ترامب... منقسمة على ذاتها؟!

بمعزل عن الرد الصيني «الضرائبي»، وعن تفاوض كندا والمكسيك، فإن أوروبا تعتبر ما يجري تجاهها «حرباً»، بما في ذلك موقف رئيس الحكومة البريطانية الصديقة للولايات المتحدة كير ستارمر.

ومع ذلك، لم يجروء الاتحاد الأوروبي بعد في «مقترحات» الرد على الضرائب الأميركية على مهاجمة العمالقة الأميركيين مثل أمازون وغوغل وميتا، وأبل، ومايكروسوفت... بل هو «اقترح» وضع ضرائب على اللحوم والحبوب... وورق التواليت!

ويمكن الملاحظة أن أوروبا ليست «واحدة» في موقفها، بل منقسمة على نفسها! فرئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني لا تريد مثلاً مواجهة الضرائب الأميركية بضرائب أوروبية، وهي المعروفة أنها قريبة من ترامب وصديقة لماسك. مع العلم أن الاقتصاد الايطالي يعتمد بقوة على دعم الاتحاد الأوروبي.

ألمانيا من جهتها فقدت الثقة بالولايات المتحدة. إذ إن عناصر عديدة من الحكومة الألمانية صرحوا أنهم يريدون سحب احتياطها من الذهب من الولايات المتحدة، بسبب خوفهم من وضع الأميركيين يدهم عليها!

ومع ذلك، فإن أوروبا تحتاج الى التكنولوجيا الأميركية والى الذكاء الاصطناعي الأميركي في كل مجالاتها، وبخاصةٍ الدفاعية منها.

الصورة ليست واضحة بعد. ولكن الردود الدولية، وبخاصة الرد الصيني سيكون له انعكاسات مالية هائلة على الداخل الأميركي. أما الصورة السياسية للعالم بعد سنوات من الآن، فهي قد تبدو بالنسبة لهذا الزمن... مستحيلة!

على المدى القصير قد يشهد العالم إما أعجوبة التفاوض وإما خضات اقتصادية؛

والخضات الاقتصادية قد تكون على صورة انهيار اقتصادي كانهيار وال ستريت، أو «الانهيار العظيم»، في العام 1929، والذي أدى الى «الركود العظيم» الذي استمر حتى العام 1939. أو على صورة «ذعر 1837» الأميركي الذي استمر حتى العام 1844!

الصورة غير واضحة، ورحلة العالم تدخل في «مطبات هوائية» خطرة. وعلى الجميع العودة الى مقاعدهم، وشد الأحزمة! فقد يكون الآتي...أعظم!

*كاتب وخبير في الشؤون الدولية


الأكثر قراءة

اليوم التالي: أين توطين الشيعة؟