اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


النشاط المفرط واحد من انماط المتهور والعفوي. كيف يستكين الاطفال الى اللعب والمرح، فهم يبحثون دائماً عن تسلية جديدة وتنقصهم السيطرة على اعصابهم. الفعل عندهم يسبق التفكير المتملي و"التنظيم" مشكلة يواجهونها في الدرس، كما في الاكل واللعب.

لحركة الطفل ونشاطه مسببات تنبع من نظام الاكل، وجينات الوراثة، والقلق وردات الفعل، والعقاقير الطبية (البعض منها) وترتفع نسبتها عند الذكور اكثر مما هي عند الاناث بمعدل واحد الى اربعة، اما طرائق المعالجة والتشخيص فمتضاربة ومثيرة للجدل، فحين يؤثر بعض الادوية للمعالجة، يتبع اطباء آخرون نمط الثقافة ومنهج علم النفس بحيث يشارك الاهل وبفعالية، في طرائق العلاج. ان معظم الاولاد المفرطين في النشاط يصبحون اكثر انتباها وهدوءا عندما يكبرون ويتقربون من سن البلوغ. انما للحيوية المفرطة جانب سيىء، لان الولد المنعزل والكسول يحمل خيبته وهواجسه حتى بعد بلوغه سن الرشد.

امام الصعاب التي يواجهها الاولاد، يشعر الأهل والمرشدون بالمسؤولية والذنب. في الواقع لا لوم على اي فريق لان العلاقة بين الاهل والاولاد مشتركة وتدور في دوامة المسؤوليات والواجبات التي لا بداية لها ولا نهاية. انما الوعي والهدوء اللذان يؤمنهما الاهل لاولادهم يشكلان صمام أمان لمخاوفهم وتصرفهم المتهور. ان كل ولا قابل للتنظيم ـ حتى الولد الكثير الحركة يلهو لبعض الوقت، ويركز على لعبة معينة.

 من هذا المنطلق ، تبقى المساعدة ممكنة لبناء نمط شخصية هادئة ومتوازنة للولد، فابن السبعة اعوام الذي يرفض الجلوس الى مائدة الطعام بشكل منتظم ويصر على الذهاب والاياب حتى انتهاء وقت الاكل يخلق لاهله مشكلة تنظيم جلوسه الى المائدة. وعلى الاهل هنا التركيز على الناحية الايجابية في تصرف الولد. ومن ثم البحث عن قلقه بدون صراخ او تهديد او تصنيف تصرفه ووصفه بالمتهور او الارعن. اذ ان هناك دائماً مقارنة بين الولد واخيه او اخته او احد اقاربه. وعند حصول المقارنة ينتقي بحث المشكلة بشكل صحيح وايجابي ويبدأ اللوم، لذلك يفضل تذكير الولد باجتهاده وحميته، وحبه للحيوانات على ان نوبخه، ونقارن بين تصرفه وتصرف الاولاد الآخرين- المثالين- على الاقل، في نظرنا.

المكافأة: بعد تحديد خصائص الولد الايجابية، يجب تخصيصه بمكافأة او هدية صغيرة اثر تصرفه الحسن، فالولد النشيط جداً لا يتفهم تأثير  تصرفه السيىء في الآخرين، ويحتاج الى النصح والارشاد والمكافأة بشكل دائم ومستمر. لكن فكرة المكافأة لا تروق بعض الاهل والمربين، وفي اعتقادهم ان من واجب الولد التصرف والسلوك الحسن بدون "رشوة" او مكافأة، وكلما اتكل الولد على اهله اصبح اقل استقلالية واضعف في اتخاذ القرارات. الا ان عطف الام والاب وانتباههما لكل حركة يقوم بها الولد هما افضل من الهدية او علبة الشوكولا، فالولد يحتاج الى الحب والعناية، ويدرك تماماً ان امه واباه هما الملاك الحارس له من كل الصعاب والمخاوف، قد يحار الأهل في أمر الثواب.

والعقاب، بالنسبة الى سلوك الولد، لكن المربين ينصحون (بالتغاضي) بالتغاضي عن تصرفه المتهور، فالعقاب المتمادي يؤدي الى نتيجة عكسية و"كثرة الشد بترخي"، لذلك على الام والاب ان يتغاضيا عن الهفوات الصغيرة، ويشعرا الولد بالخطأ والصواب، بطريقة قريبة من ذهنيته، المهم جعل القواعد الصحيحة محببة اليه ـ لا جعلها سببا لمعاقبته، فالقول مثلا "اترك عيدان الثقاب جانبا" افضل من "لا تلعب بالنار" و"رتب سريرك" افضل من "لا تستطيع امك ان تفعل كل شيء لك" هذا ليس عدلاً.

خطوة خطوة: ان سياسة "الخطوة خطوة" مفيدة حتى في تربية الاولاد. والمكافأة تخلق الحلم بالهدوء والروية. لكن القول "انت ان احسنت التصرف خلال العطلة تحصل على هدية كبيرة" يبقى هاجسا مشروطا صعب التحقيق خصوصاً عند الولد الكثير الحركة. ان لكل ولد نمطاً وقدرة على الفهم يجعلانه متساوياً مع الآخرين او متفوقاً عليهم في ناحية او في اخرى. لذلك فان درجة النضج مهمة ومؤثرة في التربية البيتية. والأهل ـ عادة- يتبعون حدسهم وتخميناتهم في هذا المجال. ليدع الاهل اولادهم يتنفسون بالطريقة التي يرتاحون اليها. بمعنى ان يتغاضوا عن تصرفهم العفوي، وتركهم على سجيتهم من دون رقيب، ولو لفترة قصيرة، وليتفهم الاولاد ان هناك وقتاً للعب والصراخ، ووقتاً آخر للاهل يخلدون فيه الى الهدوء والراحة.

وبهذه الطريقة يتكيف الاولاد مع انماط الحياة والمجتمع بشكل مصغر ومنتظم. ان الولد يمتص كل عادات أهله وتصرفاتهم بطريقة لا واعية كالاسفنجة التي لا تشبع ولا ترتوي. وهي تمتص فقط حتى يتحول شكلها بحسب محتواها. والولد هكذا، فان حسن تعليمه وتشبيعه بالاصول والصواب، قوم نفسه، وتحصن ضد كل "عيوب" المجتمع، وان اسيء تعليمه وتهذيبه أضاف الى "العيوب" عيباً آخر.

الأكثر قراءة

الكوميديا الإستخباراتيّة لتقويض المفاوضات