في لحظة إقليمية متشابكة، تتقاطع فيها الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية على امتداد المنطقة، برزت الوساطة الأميركية الجديدة التي يقودها المبعوث الخاص توم براك بين لبنان وسوريا كجزء من محاولة أميركية مدروسة لإعادة ضبط العلاقات الثنائية بين بلدين تجمعهما الجغرافيا وتفرّقهما السياسة، وتاريخ طويل من التداخل والاشتباك. وساطة تأتي في سياق أوسع تسعى فيه واشنطن إلى تخفيف منسوب التوتر الإقليمي، خصوصًا في ظل الغموض والضبابية المحيطة بمصير الورقة الاميركية حول الشان اللبناني، من جهة، والقلق من انفلات الوضع الأمني في سوريا، من جهة ثانية.
من جهة بيروت، تتباين المواقف حيال هذه الوساطة. فبين من يعتبرها فرصة لإعادة فتح قنوات مؤسساتية مع دمشق تحفظ السيادة وتخدم المصلحة اللبنانية، وبين من يتخوف من عودة سوريا إلى الداخل اللبناني تحت غطاء "تطبيع منظم" بهدف قلب المعادلة الداخلية، تبقى الدولة اللبنانية منقسمة وعاجزة عن بلورة موقف موحد، ما انعكس على الوساطات بين البلدين، بما فيها السعودية، التي بقيت حتى الساعة مقتصرة على الشؤون الامنية.
غير ان اهمية ما يجري، تاتي من ربطه بورقة الشروط الاميركية المفروضة على بيروت، وتحت أنظار دولية تراقب بحذر أي تقارب لبناني – سوري، وتربطه بمصير خطط "حصر السلاح"، وبموقع لبنان في خارطة النفوذ الإيراني، في مقابل سعي "سوريا أحمد الشرع" إلى استثمار الوساطة لإعادة تأهيل دورها الإقليمي، والظهور كشريك في استقرار المنطقة لا كعنصر تفجير، وتحسين موقعها ضمن استراتيجية واشنطن الإقليمية، واستعدادها من موقعها للدخول في تسوية واقعية مع بيروت تعيد تشكيل العلاقة الثنائية ضمن شروط المرحلة الجديدة.
على الاقل هذا ما خرج به الوفد الاميركي من انطباعات، بعيد الاجتماع الذي ضم كل من توم براك ووزير الخارجية السوري اسعد الشيباني، مطلع الاسبوع، في العاصمة الفرنسية، والذي تناول بجزء مهم منه العلاقات اللبنانية – السورية، والدور الذي يمكن ان تلعبه دمشق لتسهيل الخطط والمشاريع الاميركية فيما خص لبنان.
وفي هذا الاطار وصفت مصادر دبلوماسية ان اللقاء الاميركي – السوري بالايجابي، تحديدا في الملف اللبناني، حيث نجح براك في احداث خرق نوعي في الموقف السوري "غير المتحمس حاليا لتوسيع دائرة التشاور والتعاون مع لبنان لما هو ابعد من التنسيق العسكري والامني"، لتلافي أي خلافات حدودية، حيث نجحت الآلية التي وضعت في هذا الخصوص، في ضمان الهدوء على طول الحدود، رغم كل المعلومات والاخبار التي يتم تداولها.
فوفقا للمصادر لا تهدف الوساطة التي يقودها براك فقط إلى حل الخلافات الحدودية أو تسهيل ملف النازحين السوريين، بل تتجاوز ذلك إلى مقاربة أوسع تشمل: ضبط المعابر غير الشرعية، الحد من نفوذ "الجماعات المسلحة" عبر الحدود، تنظيم عودة التنسيق الأمني المشروط، من ضمن الجزء الوارد تفصيلا في ورقة براك.
وتتابع المصادر بان براك عرض على الجانب السوري تصورا، يقضي بزيارة وفد سوري رفيع الى بيروت يضم وزيري الداخلية والعدل، لبحث ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، والذي يعتبر من النقاط الاساسية العالقة بين الطرفين، مبديا استعداد واشنطن للعب وساطة في هذا الخصوص، وايجاد الحلول اللازمة لفكفكة عقده.
كما اثنى الموفد الاميركي على التعاون بين الاجهزة الامنية في البلدين، والذي ادى الى تفكيك الجيش اللبناني لاحد اكبر مصانع الكبتاغون في العالم، في منطقة الكنيسة، بناء لاعترافات احد الموقوفين لدى الامن العام السوري، الذي كشف معلومات مفصلة ودقيقة ساهمت بتحقيق اكثر من انجاز خلال الايام الاخيرة على صعيد مكافحة تجارة المخدرات، من ضمن التحالف الدولي القائم في هذا الخصوص.
ورات المصادر، ان كل الكلام الذي يجري الحديث عنه فيما خص الحدود الشرقية، غير دقيق وغير صحيح، اذ اكد الشيباني خلال لقائه وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلية رون ديرمر، بحضور براك، ان دمشق ليست في وارد فتح أي معركة مع لبنان حاليا، الا انها ملتزمة بضبط عمليات تهريب السلاح عبر الحدود، والاقتصاد غير النظامي، مشيرة الى ان العمل جار حاليا على تحضير جدول اعمال زيارة وزير الخارجية اسعد الشيباني الى بيروت، في وقت قريب والتي يتوقع ان تكون لها تداعيات ايجابية على كافة المستويات، خصوصا ان بعض المشاريع العربية هي ذات مصلحة لبنانية – سورية مشتركة، من الربط الكهربائي مع الاردن، الى استجرار النفط من العراق الى طرابلس.
وختمت المصادر بانه في حال توفرت الإرادة السياسية لدى الأطراف المعنية، يمكن أن تمهّد هذه الوساطة إلى تحول حقيقي في العلاقات اللبنانية–السورية، يُنهي سنوات من التوتر والتوظيف المتبادل، ويفتح الباب أمام علاقة أكثر توازنًا واستقرارًا. أما إذا غلبت الحسابات الآنية والانقسامات الداخلية، فستبقى الوساطة مجرد جولة جديدة في سجل طويل من الفرص الضائعة بين بلدين لا مفرّ لهما من التعامل مع بعضهما، مهما طال زمن القطيعة أو التصعيد.
عليه تمثل الوساطة الأميركية محاولة سياسية وأمنية دقيقة لإعادة تشكيل العلاقة بين البلدين ضمن توازنات إقليمية متغيرة ومصالح دولية متقاطعة، كجزء من استراتيجية أوسع تتبعها واشنطن في الشرق الأوسط، هدفها إدارة الأزمات لا بالضرورة حلّها، وتثبيت نقاط التهدئة على خطوط التماس الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها الجبهة اللبنانية – السورية، حيث يتحرك براك ضمن هامش دقيق، بين ضرورة منع انفجار أمني محتمل مع وفي لبنان، والحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة مع نظام سوري لم يُعاد تأهيله دوليًا بعد، لكنه بات واقعًا سياسيًا يصعب تجاهله، وسط إدراكه أن استقرار لبنان لا يمكن فصله عن موقع سوريا الجغرافي والسياسي، خاصة في ظل الملفات المتشابكة العالقة.
يتم قراءة الآن
-
صفا في بعبدا ورحال في عين التينة... طبخة بين «الاستاذ» و«العماد»؟ لقاءات براك ــ أورتاغوس الاسرائيلية «سلبية» والجواب الرسمي السبت السلاح الفلسطيني الى الواجهة: ضغط أم تهدئة أم توريط للدولة؟
-
سلام نتنياهو: لبنان مستوطنة "إسرائيليّة"
-
«إسرائيل» تفرض واقعها جنوب لبنان... لا تعهدات ولا ديبلوماسية توقفها قلق من مرافقة السناتور غراهام المتشدد «اسرائيليا» لبرّاك واورتاغوس الى بيروت
-
رقصة الغراب حول جثة نتنياهو
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:37
الدوري الألماني لكرة القدم: فوز كاسح لبايرن ميونيخ على لايبزيغ (6-0) في افتتاح الموسم الجديد.
-
23:02
وزير خارجية بريطانيا: تحدثت والشركاء الأوروبيين مع وزير خارجية إيران لتجديد تأكيد مخاوفنا بشأن البرنامج، وعرضنا على إيران حلا دبلوماسيا يتضمن تمديد تخفيف العقوبات لكن الوقت ضيق.
-
23:02
بلومبرغ: وزير خارجية هولندا المستقيل يقول إنه لم يحقق توافقا بشأن إجراءات ذات معنى ردا على ممارسات "إسرائيل".
-
23:01
الرئيس الأميركي دونالد ترامب: لدى حماس الآن 20 رهينة لكن العدد في الواقع قد لا يكون كذلك لأن اثنين منهم ربما لم يعودا موجودين.
-
22:34
هيئة البث "الإسرائيلية": الجيش بدأ تنفيذ خطة احتلال غزة ووسع من نطاق عملياته في جباليا والزيتون.
-
22:34
الخارجية الإماراتية: الممارسات "الإسرائيلية" تمثل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.
