اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



اعتقدنا ان النكسة حدث وأن الخسارة صفقة، ولم نكن نعلم ان النكسة زمن، وأن الخسارة نهج ارتضيناه منذ ارتضينا ان نكون خردوات موزعة في أسواق العثمنة والفرنجة والسجاد العجمي.

اعتقدنا اننا انتكسنا حين خسرنا معركة، ولم نكن ندري اننا انتكسنا حين قبلنا السرسقة التي أصبحت بحيرة ونقطة الماء التي أصبحت نهرا، وعجزنا عن رسم الغيمة التي تهطل من سمائنا كنقطة الماء التي تحفر في الصخر ساقية.

لم نكن ندري أننا نُكبنا قبل حرب النكبة، أننا تشردنا قبل ان تقتلنا مجزرة اليهود الصهاينة، أن الخيمة المشغولة من صوف الخراف انتصرت على الطين والطوب والقرميد، وأن قصور الخلافة أقوى من قصور الشعب.

لم نكن نعلم ان الجلباب يستر أكثر من البنطال، أن النقاب أجمل من الوجه الحسن، أن اللون الأسود أفضل الألوان، أننا نحب السماء أكثر من التراب، أن خمر النخيل يسكرنا أكثر من خمر الأعناب، وأننا لم نؤمن بالله لكننا عبدناه طمعا في جنة، وتكبير ثروة وقضاء حاجة ومخافة من نار، لذلك تغلّبت على نفوسنا مشاعر العبادة وغابت عنها مشاعر الايمان، وتغلّب فعل النص على فعل العقل.

لم نكن نعلم أننا نقرأ التاريخ لنتعلم كيف نكره وكيف نخون، كيف نطعن بالظهر، من يوضاس كيف نخون المسيح، من ابي لهب كيف نقاتل النبي محمد، نتعلم من الأمين كيف نقتل المأمون من عمرو بن العاصي، فن الخداع من الحجاج كيف نقتل ابن المقفع، ومن بلاط المماليك كيف نمارس الغدر.

نحن يا أصدقائي لم نجد المحبة في رسالة السيد المسيح، ولا العدل في رسالة الرسول محمد، قرأنا زينون الرواقي ولم نؤمن بالقدوة والأخلاق، أحببنا كافور من قصيدة المتنبي، أحببنا سجون المعري الثلاثة، فكنا سجناء التتريك والفرنجة والسجاد العجمي.

أعجبتنا رواية اهل الكهف، فنمنا في الكهوف الثلاثة على أمل أن نستيقظ في الزمن التالي.

سمعت ديكا ينادي: لماذا نهدم كل الأثار العظيمة وفي طليعتها برج بابل وقلعة بعلبك والمسجد الأقصى والصخرة؟ لماذا لا نهدم دمشق القديمة وقلعة حلب الكبيرة وسور أريحا ومسرح جرش، ونخرّب آثار جبيل التي تخبرنا عن الابجدية؟ لماذا لا نمزق الكتب ونحرق الأوراق ونكسر الرّيش والاقلام، ونُغرق المراكب لنمنع السفر، ونغلق المطار لنمنع الرحيل ونعود دون تاريخ، ربما نستيقظ ونخرج من الكهوف الثلاثة.

فشلت كل رسائل الحب العذري، مات جميل ولم يتزوج بثينة، لم تنجب رسائل الحب الإباحية نسلا طيبا، ولم يستطع "هل يخفى القمر" إنارة العتمة، ضعنا بين العذرية والاباحية، ولأن نزار قباني كتب قصيدتي "ديك في حينا" و "قارئة الفنجان" مات وحيدا.

في قواميسنا تخمة رسائل حب، لكننا فشلنا في القضاء على الكراهية. لم تستطع المحبة احتلال مساحات الكراهية لأنها كما قال جبران: "المحبة مكتفية بالمحبة ولا تملك شيئا ولا تريد ان يملكها أحد".

آه لو كانت المحبة تعيد لنا من مات في المجزرة، لو كانت تصون قلوب أطفالنا من خناجر فصائل الإرهاب، لو كانت مصدر الحلال والحرام.

ايتها الامة التي رشقناك بأكوام من رسائل الحب، نعتذر منك لأن كل رسائلنا لم تمنع العدو من احتلال ارضنا، ولم تمنع عنا خناجر ذوي القُربى. مع هذا سنبقى نكتب رسائل الحب في زمن النكسة والنكبة، وسنبقى نؤمن ان لا محبة فاعلة دون قوة تغير وجه التاريخ.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس