اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تتجه الأنظار في السنوات الأخيرة نحو التراجع الملحوظ في خصوبة الرجال حول العالم، حيث تشير الأبحاث العلمية إلى انخفاض تركيز وجودة الحيوانات المنوية بنسبة مقلقة. في خضم هذا التراجع، يبرز مفهوم "القاتل الصامت" كتهديد غير مرئي يؤثر بشكل مباشر في صحة الجهاز التناسلي الذكري، دون أن تظهر أعراض واضحة في البداية. لكن ما هو هذا القاتل الصامت؟ وما هي تداعياته الحقيقية على قدرة الرجل على الإنجاب؟

يُطلق وصف "القاتل الصامت" على مجموعة من العوامل المتداخلة التي تؤثر سلبًا في جودة الحيوانات المنوية، في مقدمتها الإجهاد التأكسدي، الذي يحدث نتيجة اختلال التوازن بين الجذور الحرة ومضادات الأكسدة في الجسم. يؤدي هذا الاختلال إلى تلف الحمض النووي داخل الحيوانات المنوية، ما يقلل من قدرتها على الحركة ويزيد من احتمالية حدوث تشوهات. والمشكلة تكمن في أن هذا التلف غالبًا ما يحدث بصمت، دون أي علامات ظاهرة، ليُكتشف فقط عند فشل محاولات الإنجاب.

نمط الحياة العصري ساهم بشكل كبير في تفاقم هذه الظاهرة. فالتعرض المستمر للملوثات البيئية، والإفراط في تناول الأطعمة المصنعة، وقلة النوم، والتدخين، وتناول الكحول، كلها عوامل تسرّع من عملية الإجهاد التأكسدي في الجسم. كما أن الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية، وخصوصًا وضع أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الهواتف المحمولة بالقرب من الأعضاء التناسلية لفترات طويلة، قد يرفع من حرارة الخصيتين، مما يؤثر سلبًا في إنتاج الحيوانات المنوية.

من جهة أخرى، تؤدي العوامل النفسية دورًا خفيًا لا يقل أهمية. فالتوتر المزمن والضغوط اليومية تؤثر في توازن الهرمونات الذكرية، خاصة هرمون التستوستيرون، وهو المسؤول الأساسي عن إنتاج الحيوانات المنوية. وتُظهر بعض الدراسات أن القلق والاكتئاب قد ينعكسان مباشرة على نوعية السائل المنوي، ويقللان من فرص حدوث الحمل حتى في غياب أي عوائق عضوية.

تُضاف إلى ذلك بعض الأمراض المزمنة مثل السكري، والسمنة، وأمراض القلب، التي تسهم جميعها في تقليل القدرة الإنجابية للرجل. كما أن تعاطي بعض الأدوية، وخصوصًا تلك التي تؤثر في الهرمونات أو التي تُستخدم لعلاج الاكتئاب أو ضغط الدم، قد يكون لها تأثير جانبي غير مرغوب فيه ي الخصوبة.

أمام كل هذه العوامل، تُصبح الوقاية والتشخيص المبكر ضروريين. إذ يمكن من خلال تحليل السائل المنوي والتصوير بالموجات فوق الصوتية وبعض الفحوصات الهرمونية، الكشف عن أي خلل قد يؤثر في قدرة الرجل على الإنجاب. والأهم من ذلك هو تبنّي نمط حياة صحي يعتمد على التغذية المتوازنة، والنشاط البدني المنتظم، وتقليل التعرض للسموم، والإقلاع عن العادات الضارة.

في الختام، فإن القاتل الصامت للحيوانات المنوية لا يتمثل في عامل واحد، بل هو نتيجة تفاعل معقد بين البيئة ونمط الحياة والحالة النفسية والصحية للرجل. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى التوعية الدائمة بأهمية العناية بالصحة الإنجابية، ليس فقط لمن يواجهون مشاكل في الخصوبة، بل لكل رجل يرغب في الحفاظ على قدرته الإنجابية في ظل التحديات المتزايدة التي تفرضها الحياة الحديثة.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس