اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


 

رغم أن الأضواء غالبًا ما تُسلَّط على فيتامينات مثل "د" و"سي" و"ب12"، إلا أن فيتامين "ك" لا يحظى بالاهتمام الكافي، رغم كونه عنصرًا حيويًا لا غنى عنه لصحة الإنسان. يؤدي هذا الفيتامين دورًا جوهريًا في تخثر الدم، ويُعتبر المسؤول الأول عن تفعيل البروتينات التي تمنع النزيف وتساهم في التئام الجروح. كما أن له تأثيرات عميقة في صحة العظام والقلب، ما يجعل نقصه أمرًا لا يمكن تجاهله.

يوجد فيتامين "ك" بنوعين رئيسيين: فيتامين "ك1"، الموجود في الخضروات الورقية الخضراء مثل السبانخ والبروكلي والكرنب، وفيتامين "ك2"، الذي يتوافر في بعض الأطعمة المخمّرة والمنتجات الحيوانية مثل الكبد وصفار البيض. كلا النوعين يؤديان وظائف حيوية داخل الجسم، ولكن "ك2" يتميز بدورٍ إضافي في تعزيز صحة القلب والعظام.

إن تداعيات نقص فيتامين "ك" تظهر بشكل تدريجي وقد تكون خطيرة إذا لم تُعالَج. من أبرز أعراض هذا النقص سهولة النزف أو استمرار النزيف لفترات أطول عند الجروح، إضافة إلى ظهور كدمات متكررة، ونزيف في الأنف أو اللثة، وفي حالات متقدمة قد يؤدي النقص إلى ترقق العظام، ما يزيد خطر الإصابة بالكسور، لا سيما لدى كبار السن. كما يُعتقد أن انخفاض مستويات "ك2" تحديدًا قد يرتبط بزيادة ترسّب الكالسيوم في الشرايين، ما يرفع من احتمالات الإصابة بتصلب الشرايين ومشاكل القلب.

الفئات الأكثر تضررًا من نقص فيتامين "ك" تشمل الرضّع حديثي الولادة، إذ يولد الطفل بمخزون منخفض جدًا من هذا الفيتامين، وهو ما يفسر إعطاءه حقنة فيتامين "ك" مباشرة بعد الولادة في العديد من المستشفيات حول العالم للوقاية من نزيف داخلي خطر قد يكون مميتًا. كذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في امتصاص الدهون — مثل مرضى التليف الكبدي، أو المصابين باضطرابات الجهاز الهضمي كداء كرون أو التليف الكيسي — يكونون أكثر عرضة لنقص هذا الفيتامين. ويضاف إلى ذلك كبار السن، والأشخاص الذين يتناولون أدوية مضادة للتخثر (مثل الوارفرين) أو المضادات الحيوية لفترات طويلة، حيث تؤثر هذه الأدوية في امتصاص فيتامين "ك" أو إنتاجه من قبل البكتيريا النافعة في الأمعاء.

ولتفادي هذا النقص وتداعياته الخطيرة، يُنصح باتباع نظام غذائي متوازن وغني بالمصادر الطبيعية لفيتامين "ك"، لا سيما الخضروات الورقية الداكنة مثل السبانخ، الكرنب، السلق، والبروكلي، والتي تُعد من أغنى المصادر بفيتامين "ك1". كما يُوصى بتناول الأطعمة الغنية بفيتامين "ك2"، مثل الكبد الحيواني، صفار البيض، الجبن المعتّق، وبعض الأطعمة المخمرة كالناتو الياباني، لما لها من فوائد إضافية تتعلق بصحة القلب والعظام. ولا يُغفل هنا دور البكتيريا النافعة في الأمعاء، والتي تسهم في إنتاج فيتامين "ك2"، ما يعزز أهمية الحفاظ على توازن ميكروبيوم الأمعاء عبر تقليل استخدام المضادات الحيوية بدون ضرورة، وزيادة استهلاك الأطعمة الغنية بالبروبيوتيك.

وفي حال وجود عوامل خطر تؤثر في امتصاص هذا الفيتامين أو تسرّع من استنزافه، مثل تناول أدوية مضادة للتخثر، أو المعاناة من أمراض مزمنة في الجهاز الهضمي، فقد يكون من الضروري اللجوء إلى مكملات غذائية تحتوي على فيتامين "ك"، وذلك فقط تحت إشراف طبي، لتفادي التداخلات الدوائية المحتملة أو الجرعات الزائدة، خصوصًا مع أدوية تسييل الدم. من هنا، تبرز أهمية إجراء فحوصات دورية لتقييم مستوى هذا الفيتامين، خاصة لدى الفئات الأكثر عرضة للنقص، لضمان التدخل الوقائي أو العلاجي في الوقت المناسب.

في الختام، يتّضح أن فيتامين "ك" لا يقل أهمية عن غيره من العناصر الغذائية الحيوية، بل إنه يشكّل أحد المفاتيح الأساسية للحفاظ على توازن الجسم وسلامة وظائفه الحيوية، من تخثر الدم إلى قوة العظام وصحة الشرايين. تجاهل أهميته أو الاستهانة بنقصه قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطرة، قد تبدأ بنزيف بسيط وتنتهي بترقق العظام أو اضطرابات قلبية صامتة. من هنا، تصبح التوعية المجتمعية بأهمية هذا الفيتامين، ودمجه بوعي في أنظمتنا الغذائية اليومية، خطوة ضرورية نحو بناء نمط حياة أكثر توازنًا وصحة على المدى البعيد.

الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس