اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

رسالة الى صديقي الذي سألني عن بوسطة عين الرمانة.

تحمل الذاكرة في بلادنا الشرارات التي تحول حطب المواقد الى جمر تحوله الريح الى نار ساعة يحين زمن النار.

نحن نبني في السياسة والثقافة والاجتماع على الشُهب والنيازك وما تحمله من علامات فارقة حدثتنا عنها الخرافات وبعض التعاليم التي لا صلة لها بالعلم ولا بالدين، ودخلت الينا بغاية تثبيتنا في الأزمنة البائدة وبعامل الاسترخاء الدماغي الذي أصابنا عندما بقينا في براد الخلافة العثمانية ما يقارب اربعمئة عام.

نصف قرن مضت على بوسطة عين الرمانة التي كانت شرارة حرب جديدة في لبنان يعتقد بعضنا انها البداية ويتساءل كيف بدأت وانتهت وهل تعود؟

نحن يا سادة في حالة حروب متقطعة تبدأ الواحدة بشرارة، بنيزك وتنتهي بدلو من الماء أو كمشة من تراب دون ان يتغير شكل الموقد، ويحافظ الحطب على اشكاله واحجامه ومواقعه في الموقد وقابليتة للاشتعال لحظة يقرر الأجنبي

نحن ما زلنا حطبا في مواقد تنتظر النار.

لم تبدء الحرب في لبنان الكبير ببوسطة عين الرمانة ولا بأي حدث كان مخلا لنشوب الحرب، بدأت الحرب لحظة بدأ تكاذب أمراء الطوائف ومرجعياتها لحظة بكى بشارة الخوري حين سمع رياض الصلح يدافع عن حق الموارنة في رئاسة الجمهورية، لحظة وافق اللبنانيون على الميثاق والصيغة، لحظة انشاء لبنان الكبير، ولحظة تطبيق اتفاقية سايكس بيكو.

لم تكن بوسطة عين الرمانة سوى حبة في سبحة الحروب التي شهدها وما زال يشهدها لبنان، ولا يمكن ان تكون مقدمات هذه الحرب البوسطة بل مقدمات هذه الحرب هي تركيبة الكيان الجاهزة للانفجار والتي لا تحتاج سوى الى أصغر عود ثقاب حتى يشتعل الكيان بكل موجوداته البشرية والطبيعية.

نصف قرن مضى على البوسطة ولم يتخمر التفكير في لبنان لينتج حلولا جذرية، لأننا ننظر الى ما حدث بنصف عقل وليس بعقل كامل ،فالنصف المهتم بالظواهر التي تنتجها الخلافات العميقة يستهلك استهلاكا كاملا اما النصف الثاني الذي مهمته دراسة الأسباب العميقة وانشاء مخارج الإنقاذ فما زال مختوما بخواتم رب العالمين.

لم تكن بوسطة عين الرمانة الأولى ولا الأخيرة، ولكن كم نخاف ان ينتهي زمن البوسطة وندخل في زمن تفجير معارض الباصات الكبيرة لأنه اذا لم نهتد الى مخارج الإنقاذ فنحن على مشارف الخراب الكبير.

في لبنان لا تتوقف الحرب، بل يوقّع الأطراف هدنة، ويمنح متعهدو الحرب أمراء الحرب استراحة المحارب ويستمرون بتزويدهم بأوكسيجين الخلافات ويبنون لهم جدران الفصل ومتاريس الحماية والصمود كي يضمنوا استعداد الأدوات الدائم لتنفيذ المهمات المطلوبه وضمان تبعيتهم لأولياء الامر.

لم يكن عبثا موقف الانتداب، وموقف الدولة اللبنانية من الزعيم أنطون سعادة لأنه لم يكن صراعا على السلطة ولا خلافا على السياسة بين منتدب وفيلسوف ثائر، بل كان خلافا على خريطة البلاد والعالم العربي، خلافا في العقيدة والمبادئ والنظرة الى الحياة والكون والفن، خلافا على الهوية ومعنى الانتماء.

خافوا سادة الانتداب والقوى الكبيرة أنطون سعادة فركبوا بغل الطائفية والمذهبية والنزعات الفردية والميل الى الخيانة ليتخلصوا من الزعيم الذي رسم خريطة البلاد ودورها في المنطقة والعالم.

الثالث عشر من نيسان ليس ذكرى تُستعاد، ولا مناسبة ندرسها لنأخذ العبرة، الثالث عشر من نيسان محطة تذكرنا بأننا نراكم أخطاءنا عمدا وليس صدفة ولا غصبا، تذكرنا كم نحن بحاجة لنعود الى أنطون سعادة، لتضميد جراح حزبه التي حولته الى تنظيمات تشبه تنظيمات الطوائف والمذاهب، كم نحن بحاجة الى عمل جراحي بعد ان فشلت كل الادوية وكل المُسكنات في شفائه من البلايا التي أصابته.

ليكن الثالث عشر من نيسان محطة تذكِّرنا بأن أنطون سعادة فيلسوف وقائد قدوة أنشأ حزبا لينهض بالأمة ويرسم للعالم زمن الحق والخير والجمال.



الأكثر قراءة

الفاتيكان يكشف سبب وفاة البابا فرنسيس