اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

الوطن ليس مجرد بقعة جغرافية نعيش فيها، بل هو الذاكرة واللغة والعائلة والطفولة والتراب الذي يشهد على دموعنا وأفراحنا. هل يكفي أن نقول أننا نحب الوطن، أم أن الحب الحقيقي يظهر في المواقف والأفعال لا في الشعارات؟

حب الوطن لا يعني أن نرفع علمه في المناسبات فقط، بل أن نحمله في قلوبنا كل يوم، في التفاصيل الصغيرة، في السلوك، في طريقة تعاملنا مع بعض، في احترامنا لقوانينه، في محافظتنا على خيراته. الحب الحقيقي يظهر في التضحية التي يبذلها كل جندي في ساحات الوغى، في العطاء الذي تقدمه بناة الأجيال على مذابح الجهل وفي مهنية وأمانة كل موظف شريف في غابات الغش والهدر والفساد.

حب الوطن يبدأ في أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع من نتعامل ومع من ننوي وإياهم بناء هذا الوطن. أن نكون مخلصين لأهدافنا وأن تكون أهدافنا صادقة لمصلحة الوطن. إذا الصدق مع النفس هو أول الطريق. نحب الوطن حين لا نكذب عليه، حين لا نسرقه، حين لا نبيع صوته في صندوق الاقتراع، ولا نرضى أن يحكم باسم الطائفة أو المصلحة. الوطن لا يكبر إلا بأهله، وأهله لا يتقدمون إلا بالصدق.

كذلك حب الوطن يبدأ حين نربي أولادنا على القيم وأن نزرع فيهم بذور المحبة وأن لا نغرس فيهم الحقد، ولا نعلّمهم أن الآخر هو عدو بمجرد انه مختلف. يجب أن نزرع فيهم  روح الانتماء الى الوطن وخدمته.

نحب الوطن حين نصنع منه بيئة آمنة للجيل الجديد كي يتقن التفكير الايجابي المنفتح على الآخر مهما اختلف عنه  بعيدا عن الكراهية والخوف والإرتهان.

نحب الوطن حين نعمل بضمير ومخافة الله كذلك الموظف في وظيفته، المعلم في مدرسته، الطبيب في عيادته، والعامل في ورشته... كل هؤلاء يحبون الوطن حين يؤدون أماناتهم كما يجب، دون تهاون، دون رشوة، دون استغلال.

نحب الوطن حين نحترم القانون إذ لا يجوز أن نطالب بحقوقنا ونحن نضرب بالقانون عرض الحائط. حب الوطن يعني أن نمارس حقوقنا ونلتزم بواجباتنا. نقف عند إشارة السير، لا نرمي النفايات في الشارع، نرفض الواسطة، نحاسب الفاسد بدل أن نغطيه لأنه من جماعتنا...

إذا حب الوطن ليس شعارا نردده في الأغاني والخطب، بل مسؤولية نعيشها كل يوم. نحب الوطن بصدق حين نحب بعضنا، نحترم اختلافنا، نطلب الحق، ونؤدي الواجب. حب الوطن الصادق لا يحتاج إلى ضجيج بل إلى أفعال صامتة، تشبه صوت المطر حين يغسل الأرض.

اختم لأقول أن حب الوطن ليس وراثة، بل اختيار و ليس ادعاء، بل سلوك. حب الوطن هو أن تعيش كأنك مسؤول عنه  فهو مرآتنا، حين ننظر في مرآة الوطن، نرى أنفسنا، إن أحببناه، أحببنا ما فينا من كرامة وحرية وكرم وشجاعة وإن خذلناه، خذلنا انفسنا وخذلنا الله.

 

الأكثر قراءة

هل تغزو الفصائل السوريّة البقاع؟