اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعدّ النوم العميق والهادئ ركيزة أساسية للصحة الجسدية والنفسية، إذ يساعد الجسم على استعادة نشاطه وتجديد خلاياه، كما يعزز التركيز، المناعة، والتوازن الهرموني. وفي حين أن الكثيرين يعانون من اضطرابات النوم لأسباب مختلفة، فإن النظام الغذائي قد يكون أحد العوامل المؤثرة الرئيسية التي يغفل عنها الكثيرون. فبعض الأطعمة يمكن أن تدعم إفراز هرمونات مهدئة ومحفّزة للنوم، بينما تساهم أخرى في تحفيز الجهاز العصبي أو التسبب في اضطرابات هضمية تؤثر سلبًا على جودة النوم.

إن تناول وجبة خفيفة تحتوي على الكربوهيدرات المعقدة والبروتينات الخفيفة قبل النوم يمكن أن يعزز إنتاج السيروتونين والميلاتونين، وهما هرمونان يؤديان دورًا رئيسيًا في تنظيم النوم. على سبيل المثال، يُعد الموز خيارًا مثاليًا لما يحتويه من مغنيسيوم وبوتاسيوم، وهما عنصران يساهمان في استرخاء العضلات. كما أن الحليب الدافئ يحتوي على حمض التربتوفان الأميني الذي يعزز إنتاج السيروتونين في الدماغ. كذلك، يمكن للأطعمة مثل الشوفان واللوز والكرز أن تكون جزءًا من وجبة مسائية صحية تساعد على تهدئة الجسم والعقل قبل النوم.

من جهة أخرى، لا تقلّ أهمية تجنّب بعض الأطعمة والمشروبات قبل النوم عن أهمية اختيار الأطعمة المناسبة. إذ يمكن لبعض الخيارات الغذائية أن تعيق الدخول في مرحلة النوم العميق، أو تؤدي إلى تقطع في النوم دون وعي، وهو ما ينعكس سلبًا على طاقة الجسم وصحته النفسية في اليوم التالي. ويأتي الكافيين في طليعة هذه المواد المنبهة، فهو يوجد ليس فقط في القهوة، بل أيضًا في الشاي الأسود والأخضر، والمشروبات الغازية، ومشروبات الطاقة، وحتى في بعض أنواع الشوكولاتة. تأثير الكافيين قد يمتد إلى أكثر من 6 ساعات بعد تناوله، مما يؤخر الشعور بالنعاس ويؤدي إلى أرق مزمن عند بعض الأشخاص، خصوصًا أولئك الحساسين لتأثيره.

كما تشكل الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة أو الأطعمة المقلية عبئًا إضافيًا على المعدة في الليل، حيث تستغرق وقتًا أطول للهضم، وقد تؤدي إلى اضطرابات في المعدة والشعور بالثقل أو الانتفاخ، ما يجعل النوم أقل راحة. أما التوابل الحارة، كالفلفل والزنجبيل بكميات كبيرة، فقد تسبب حرقة في المعدة أو ما يُعرف بارتجاع الحمض، وهي حالة تؤدي إلى استيقاظ مفاجئ أو شعور بعدم الارتياح أثناء الاستلقاء.

ولا يقل السكر الصناعي خطورة في هذا السياق، إذ تؤدي الأطعمة والمشروبات عالية المحتوى من السكر، مثل الحلوى والمخبوزات الجاهزة والمشروبات الغازية، إلى تقلبات سريعة في مستويات الغلوكوز في الدم، وهو ما قد يحفّز الجسم على إفراز هرمونات مثل الأدرينالين، فتزيد من حالة اليقظة والتوتر، وتمنع الوصول إلى النوم العميق المستقر.

أما المشروبات الكحولية، فعلى الرغم من أنها قد تُشعر الإنسان بالنعاس في البداية، إلا أن تأثيرها يخدع الجسم. فهي تؤثر سلبًا في مراحل النوم، وتحديدًا مرحلة "REM" أو النوم الحالم، والتي تُعد أساسية للشعور بالانتعاش في اليوم التالي. كما تؤدي الكحوليات إلى الاستيقاظ المتكرر خلال الليل، إضافة إلى تأثيرها المدرّ للبول، مما يزيد من عدد مرات الذهاب إلى الحمام ويقطع تسلسل النوم.

من الناحية العملية، يُعد توقيت الوجبات عنصرًا حاسمًا في دعم نوم صحي. فالعشاء الثقيل أو المتأخر قد يرهق المعدة ويؤثر في الجهاز الهضمي، بينما تناول وجبة خفيفة قبل النوم بساعتين إلى ثلاث ساعات يسمح للجسم بالهضم الكامل قبل الاستلقاء. كذلك، فإن الحفاظ على روتين غذائي يومي، من حيث توقيت الوجبات وتوازنها، يساعد في ضبط الساعة البيولوجية للجسم، وهو ما ينعكس بدوره على انتظام دورة النوم والاستيقاظ.

في المحصلة، يبدو واضحًا أن العلاقة بين الغذاء والنوم هي علاقة تكاملية دقيقة تتطلب وعيًا بالتفاصيل. فالغذاء ليس مجرد وسيلة للشبع، بل يمكن اعتباره محفزًا بيولوجيًا يؤثر في كل شيء من نشاط الدماغ إلى استرخاء العضلات. إن تبنّي نمط غذائي صحي يراعي توقيت الوجبات ومحتواها، وتجنّب المحفزات والمنبهات في الفترة المسائية، هو أحد المفاتيح الفعالة للتخلّص من الأرق وتحقيق نوم هادئ ومتواصل. ومن خلال تغييرات بسيطة ولكن مدروسة في النظام الغذائي، يمكن لكل شخص أن يخلق بيئة داخلية أكثر اتزانًا تساعده على الاسترخاء والنوم بجودة أفضل. 

الأكثر قراءة

هل تنفجر المخيمات قبل وصول محمود عباس ؟ <الدفاع الأعلى> يحذر حماس...و<الحركة> تعلن ان الرد من القيادة الشرع يرضخ لمطالب الدروز...وجنبلاط يبحث عن مظلة أمان للطائفة