يُظهر استخدام أقراص منع الحمل وجهًا آخر من المخاطر الصحية التي قد لا تكون واضحة للوهلة الأولى. من بين هذه المخاطر، تبرز الجلطات الدموية الوريدية كأحد أخطر المضاعفات، إذ يمكن أن تؤدي إلى حالات طارئة تهدّد الحياة مثل الانصمام الرئوي أو السكتة الدماغية. ويحدث ذلك نتيجة التأثير الهرموني للأقراص، ولا سيما تلك التي تحتوي على الإستروجين، الذي يرفع من لزوجة الدم ويزيد من احتمالية تشكّل الخثرات في الأوردة العميقة. وعند انتقال هذه الخثرات إلى الرئتين أو الدماغ، قد تكون العواقب قاتلة ما لم يتم التدخل الطبي السريع.
وتتضاعف احتمالات الإصابة بالجلطات لدى النساء اللواتي يدخنّ، أو يعانين من السمنة، أو تجاوزن سن الخامسة والثلاثين، أو لديهن تاريخ عائلي مع اضطرابات التجلط. فهذه العوامل تُفاقم التأثير السلبي للهرمونات وتُضعف كفاءة الجهاز الدوري. التدخين، على وجه الخصوص، يسرّع من تلف الأوعية الدموية، في حين تزيد السمنة من الضغط على القلب وتؤثر سلبًا على الدورة الدموية، مما يعزّز خطر التجلّط لدى مستخدمات هذه الأقراص.
وفي موازاة ذلك، تستمر العلاقة بين أقراص منع الحمل وبعض أنواع السرطان في إثارة الجدل ضمن الأوساط العلمية، حيث لم تُحسم بعد بشكل قاطع. غير أن عدداً من الدراسات أشار إلى وجود رابط محتمل بين الاستخدام المطوّل لهذه الأقراص وارتفاع خطر الإصابة بسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم. وتزداد هذه المخاطر بشكل خاص لدى النساء اللواتي يحملن طفرات جينية مثل BRCA1 وBRCA2، وهي طفرات معروفة بجعل خلايا الجسم أكثر عرضة للتحولات الخبيثة عند التعرض المستمر للتغيرات الهرمونية، كما هو الحال مع الهرمونات الاصطناعية في أقراص منع الحمل. فالاستخدام الطويل لهذه الأقراص قد يؤدي إلى تحفيز انقسام الخلايا بطريقة غير طبيعية، خاصة في الأنسجة الحساسة للهرمونات، ما يعزز احتمالية نشوء الأورام.
ولا تقتصر الأضرار المحتملة على الجلطات أو السرطان فحسب، بل تمتد لتشمل أعراضاً مزعجة ومزمنة تؤثر على نوعية حياة المرأة. من أبرز هذه الأعراض الصداع النصفي الناتج عن التغييرات الهرمونية الحادة، إضافة إلى تقلبات المزاج والاكتئاب، وهي أعراض شائعة تُبلغ عنها نسبة كبيرة من النساء اللواتي يتناولن هذه الأقراص، خاصة أولئك اللواتي لديهن تاريخ من الاضطرابات النفسية. كما أن بعض النساء قد يعانين من زيادة في الوزن أو احتباس السوائل أو تغيرات في الرغبة الجنسية، وهي آثار جانبية لا يمكن إغفالها في التقييم العام لفوائد ومخاطر هذه الوسيلة.
كما قد تؤدي أقراص منع الحمل إلى مشكلات في الكبد على المدى الطويل، خاصة عند استخدامها لفترات طويلة دون انقطاع، حيث تشير بعض التقارير الطبية إلى احتمال تكوّن أورام حميدة في الكبد، أو اضطرابات في وظائفه نتيجة التحميل الهرموني المستمر. أضف إلى ذلك أن بعض الأنواع قد تؤثر على ضغط الدم، وتزيد من احتمالية ارتفاعه، مما يضع عبئًا إضافيًا على القلب والأوعية الدموية.
لهذا، فإن اللجوء إلى أقراص منع الحمل يجب أن يُبنى على وعي صحي ومسؤولية مشتركة بين المرأة والطبيب. من الضروري أن يتم التقييم بناءً على معايير واضحة، كالعمر، والتاريخ المرضي، والاستعداد الجيني، ونمط الحياة اليومي، دون الاستهانة بأي مؤشر قد يبدو بسيطًا. ليست كل النساء مناسب لهن هذا الخيار، وقد تكون هناك بدائل أكثر أمانًا وفعالية بحسب الحالة.
في النهاية، لا يكمن الخطر في الأقراص بحد ذاتها، بل في التعامل معها كحلّ سهل ومتاح دون متابعة أو وعي. وحده القرار المبني على المعرفة والمشورة الطبية الدقيقة يمكن أن يحمي المرأة من الدخول في دوامة من المضاعفات الجسدية والنفسية التي كان من الممكن تجنّبها.
يتم قراءة الآن
-
خرق الجمل «يهز» مُناصفة بيروت...ورسائل سياسيّة من البقاع «الثنائي» «والقوات» أكبر الرابحين... والمجتمع المدني أول الخاسرين القاهرة القلقة من التطوّرات الإقليميّة تدعم «حكمة» الرئيس عون
-
ملوك الطوائف... ملوك البلديّات
-
إعترافات عميل لبناني لـ "إسرائيل"... هذه قصّة تجنيد محمد صالح
-
مَن حصر تمثيل الدروز بموفق ظريف في حفل تنصيب البابا؟ مصادر درزيّة: موقف عون للتاريخ وإدانة للاهثين وراء التواصل معه مواقف جنبلاط الرافضة للتطبيع وحدها تحمي الدروز ووجودهم
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:38
وسائل إعلام إسرائيلية: البرلمان الإسباني صوت بأغلبية ساحقة لصالح قانون يحظر بيع السلاح لإسرائيل
-
22:56
رئيس الوزراء العراقي للرئيس عون: نرفض الانتهاكات التي تتعرض لها الأراضي اللبنانية وندعم أمنه وسيادته
-
21:59
القناة 12 الاسرائيلية: خلاف بين كبار مسؤولي الدفاع ونتنياهو بشأن صفقة الرهائن
-
21:16
مصدر حكومي سوري: اللقاءات مع فورد كانت جزءًا من سلسلة اجتماعات مع مئات الوفود الزائرة وخُصصت لعرض وشرح تجربة إدلب
-
20:59
مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: قرار رفع العقوبات عن سوريا مشروط ويمكن التراجع عنه
-
20:58
ألمانيا: مستعدون للعمل مع الحكومة السورية والمجتمع السوري لتحقيق تطلعات الشعب السوري
