اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


الإنهاك الحراري هو حالة مرضية تنجم عن التعرض المطول أو المفرط لدرجات حرارة مرتفعة، وغالبًا ما يترافق مع فقدان الجسم لكميات كبيرة من السوائل والأملاح عبر التعرّق. ويُعدّ من أبرز أشكال الإجهاد الحراري التي قد تؤدي، إن لم تُعالج بسرعة، إلى ضربة شمس خطرة. يحدث هذا النوع من الإنهاك عندما تفشل آليات التبريد الطبيعية في الجسم، خاصة التعرّق، في الحفاظ على درجة حرارة الجسم ضمن النطاق الآمن، مما يؤدي إلى اختلال التوازن الداخلي وظهور مجموعة من الأعراض الجسدية والعصبية.

تظهر أعراض الإنهاك الحراري تدريجيًا في الغالب، وقد تتفاقم بسرعة إذا لم يُعالج الأمر بشكل مناسب. في بدايتها، يشعر المريض بضعف شديد في الجسم يصاحبه دوار وصداع نابض، وقد يترافق ذلك مع شعور بالغثيان أو حتى القيء في بعض الأحيان. كما تتشنج عضلات الجسم، خاصة في الأطراف، نتيجة لفقدان الأملاح الضرورية من خلال التعرّق الغزير. يلاحظ المحيطون بالمريض شحوبًا واضحًا في بشرته وبرودة ملحوظة في يديه وقدميه، ما يُعدّ مؤشراً على ضعف الدورة الدموية. كذلك، يتسارع نبض القلب والتنفس كمحاولة من الجسم لتعويض النقص في التروية الدموية والأوكسجين.

مع استمرار الحالة، تبدأ الأعراض بالتأثير في الوظائف العصبية، فيفقد الشخص قدرته على التركيز، ويشعر بارتباك ذهني أو تشتّت في الانتباه، وربما تظهر عليه علامات الهياج أو النعاس المفاجئ. وتُعدّ هذه المرحلة من أخطر مراحل الإنهاك الحراري، لأنها قد تمهد الطريق للإصابة بضربة شمس، وهي حالة طارئة تهدد حياة المريض، وتستلزم تدخلاً طبيًا عاجلًا.

هذا وتتعدد الفئات المعرّضة أكثر من غيرها للإصابة بالإنهاك الحراري، أبرزها كبار السن الذين يعانون من ضعف في آليات التكيّف الحراري داخل أجسامهم، والأطفال الذين لم تكتمل لديهم بعد القدرة على تنظيم حرارة الجسم. كما تزداد خطورة التعرض لدى الرياضيين والأشخاص الذين يعملون في بيئات مكشوفة كعمال البناء والمزارعين، خصوصًا في المناطق الحارة والرطبة. أما المرضى المزمنون، كالمصابين بأمراض القلب أو السكري أو الكلى، فإن ضعف أجسامهم في الحفاظ على توازن السوائل والأملاح يجعلهم عرضة بشكل مضاعف، خاصة إذا كانوا يتناولون أدوية مدرّة للبول أو تؤثر في ضغط الدم.

وتتطلب الوقاية من هذه الحالة التزامًا حقيقيًا بسلوكيات واعية تساهم في حماية الجسم من الانهاك، بدءًا بشرب كميات كافية من الماء حتى في غياب العطش، ومرورًا بتجنّب النشاط البدني في ساعات الذروة، وانتهاءً باختيار أماكن باردة للراحة عند الشعور بالتعب. يُوصى بارتداء ملابس خفيفة ذات ألوان فاتحة تعكس أشعة الشمس، بالإضافة إلى تناول وجبات خفيفة غنية بالسوائل مثل الفواكه والخضراوات. كما يُعدّ وضع خطط عمل مرنة، خاصة للعاملين في أماكن مفتوحة، خطوة مهمة لتقليل مدة التعرض للحرارة المرتفعة.

ويبقى الإنهاك الحراري، رغم خطورته، من المشكلات الصحية التي يمكن تجنبها إلى حد كبير من خلال رفع الوعي العام والتثقيف حول مخاطره وطرق التعامل معه. ومع تكرار موجات الحر وازدياد حدتها بسبب التغير المناخي، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز برامج الوقاية المجتمعية، وتوفير الرعاية الصحية الوقائية في المناطق المعرضة للخطر، من أجل تجنب كارثة صحية صيفية قد تهدد الأرواح..

الأكثر قراءة

متى المفاوضات بين أميركا وحزب الله؟