اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب



محمد صالح، أحد العناصر السابقين في حزب الله، أُوقف بالصدفة لتبدأ رحلة كشف واحدة من أخطر ملفات التجنيد، التي تورّط فيها أحد أبناء البيئة الحزبية. تتشابك الخيوط وتتعمّق الأسئلة: من جنده؟ ما المهام التي كُلّف بها؟ وما هي طبيعة المعلومات التي سرّبها؟ وهل كان فعلاً عميلاً مزدوجاً؟ هذا التحقيق يكشف التفاصيل الكاملة.

من هو محمد صالح؟ وما الذي أوصله إلى التوقيف؟ محمد صالح هو شاب لبناني كان قد انضم إلى صفوف حزب الله سابقاً، ثم خرج من الحزب لأسباب تتعلق بعمله في مجال البورصة. فُصل من الحزب قبل "طوفان الأقصى"، وكان يملك حسابات في شركة تدعى "CFI" ويتعامل بانتظام مع محل تحويل أموال يُعرف بـ "ويش" في منطقة الغبيري.

بحكم العلاقة الطويلة، وثق صاحب المحل بمحمد، وكان يحوّل له مبالغ مالية تتراوح بين 5 إلى 10 آلاف دولار. إلا أن طلب محمد تحويل مبلغ 20 ألف دولار دون أن يعيده، وانقطاعه عن التواصل أثار الشكوك. عندها، قرر صاحب المحل تتبعه، فعرف مكان سكنه، وواجهه في مقهى قرب منزله بعبارة: "بدك تخلقلي المصاري اليوم قبل الساعة 12 بالليل".

بداية الاشتباه والصدمة...

بريد إلكتروني يفضح كل شيء

محمد بدأ بالاتصال بشخصيات عراقية محاولاً تأمين المبلغ، كما أرسل رسائل إلكترونية إلى أصدقائه يطلب المساعدة، لكن دون جدوى، ما دفع صاحب المحل إلى اصطحابه إلى متجره، حيث حضر صديقه وبدأ بتفحّص هاتف محمد، وهناك كانت الصدمة.

دخلا إلى بريده الإلكتروني بالصدفة، فظهرت رسائل من شخص يدعى "لويس"، تتضمّن طلبات غريبة تتعلق بجمع معلومات أمنية. الطلبات شملت متابعة أشخاص محددين، تقديم تقارير عن "المنشآت التابعة للمنظمة"، أنواع الدراجات النارية المستخدمة، وأسماء شخصيات من بيئة الحزب. عندها، تم إبلاغ حزب الله على الفور.

حضر ممثل عن الحزب، وأقرّ محمد أمامه أنه تم تجنيده خلال وجوده في العراق، وأنه عند عودته إلى لبنان، قدّم طلب إعادة انتساب إلى الحزب. في هذه اللحظة، كان وكيل صاحب محل "ويش" المحامي قاسم الضيقة حاضراً، فذهب إلى مخفر حارة حريك وأبلغهم بالمستجدات. أرسل آمر الفصيلة عناصر لتوقيف محمد بناءً على إشارة القضاء.

هكذا بدأ التواصل مع "الموساد"!

في التحقيق الأولي، اعترف محمد صالح أن تواصله مع "الموساد" بدأ في تشرين الأول 2024، حين تفاعل مع منشور دعائي على "فيسبوك" بعنوان: "هل كنت منتسباً سابقاً لحزب الله"؟ بعد تواصله مع الصفحة، ردّ عليه "الإسرائيلي" بابتسامة ساخرة، وطلب منه إرسال رقم رمزي إلى الحساب الرسمي للجيش "الإسرائيلي". محمد أرسل رمزاً مكوناً من أربعة أرقام يمثل سنة ميلاد والده.

منذ ذلك الوقت، بدأ تواصله مع مشغلين "إسرائيليين" يحملون أسماء مستعارة مثل "محسن"، "أبو داوود"، و"علي"، طلبوا منه معلومات عن تشكيلات سابقة في الفوج 4100، حيث سبق لمحمد أن خدم ضمن هذه الوحدة، وشارك في مهام بسوريا (منطقة حلب). تم تكليفه بمحاولة العودة إلى الحزب للعمل في وحدة "العديد المركزي"، بعد أن تم تجميده.

تسلسل انتسابه الحزبي...

وعلاقاته الداخلية

خلال وجوده في الحزب، تم نقل محمد إلى وحدة 1100 (الأمن الوقائي) لتأهيله، ثم أعيد إلى وحدة 4100، حيث عمل في ملف "أمن الأفراد".

"الإيميلات" التي اكتُشفت على هاتفه كانت جميعها من بريد "لويس"، وتضمّنت رسائل من محمد يطلب فيها المال مقابل تنفيذ المهام، ويكتب لهم: "اعطوني مصاري وخدوا مني اللي بدكم ياه". محمد يُعدّ من أكثر اللبنانيين الذين تقاضوا مبلغاً كبيراً مقابل التجنيد.

أحدى هذه الرسائل تضمّنت استغاثة من محمد لمشغله، يقول فيها إنه محتجز لدى صاحب محل "الويش"، ويطلب مبلغاً فورياً. وظهرت اتفاقية بينهم على التواصل مرة أسبوعياً عبر "إيميل" أو اتصال.

المهام الموكلة له...

معلومات تفصيلية خطيرة

في أحد "الإيميلات"، طُلب من محمد تزويد "الموساد" بمعلومات عن أنواع الدراجات النارية التي يستخدمها الحزب، خط سيرها، ووظائفها اللوجستية والعسكرية، وخاصة في سيناريوهات الحرب. أجاب محمد برسالة تفصيلية تتضمن لائحة بالدراجات، استخداماتها، خطوط الإمداد، والمهام التكتيكية كالدخول إلى الجليل بعد فتح ثغرات في الجدار الحدودي.

سألوه أيضاً عن كيفية شراء هذه الدراجات ومن يشرف على الشراء، فأجاب أن الطلبات تأتي من الوحدات إلى وحدة الشراء، وإذا امتلك العنصر دراجة خاصة يمكن استخدامها، بشرط الحصول على "صالحية قانونية" من وحدة الأمن الوقائي.

التواصل مع الحزب ومحاولة العودة إليه

في رسالة مؤرخة في 16 آذار 2025، كتب محمد لمشغليه أنه حاول التواصل مع والده لإعادة انتسابه إلى الحزب، لكن والده أبلغه أنه حالياً لا يوجد ، وأن الحزب يفضل المنتسبين المقاتلين غير المتعاقدين. كما أبلغهم بقرار صادر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، يقضي بعدم تنسيب الشاب الوحيد لعائلته حتى بموافقة الأهل.

ورغم ذلك، أصرّ محمد في رسالته أنه سيحاول تجاوز هذا القرار بأي طريقة للعودة.

استبيانات نفسية... ومعلومات شخصية

في إحدى الرسائل، أرسل له "الموساد" استمارة تحتوي على أكثر من 300 سؤال شخصي ونفسي، مع صور غريبة يُطلب منه شرحها، لتحليل شخصيته بالكامل. ثم أرسلوا له استبياناً عن علاقاته العائلية، مع أسئلة دقيقة عن والده، والدته، زوجته وسبب طلاقه.

طرق استلام المال... وقيمة المبالغ

"الإيميلات" المؤرخة بين 17 شباط 2025 وتاريخ توقيفه، تكشف أن محمد استلم أكثر من 23 ألف دولار، بعضها عبر "البريد الميت"، وبعضها من العراق أو في لبنان. إحدى المرات، استلم مبلغاً من داخل علبة هدية بمحل ملابس في الأشرفية، وفي مرة أخرى كان المال مخبأً داخل قفل دراجة نارية مربوط على عامود بشارع الحمرا.

تبريراته... والادعاء عليه

محمد أخبر المحققين أنه عاد إلى لبنان في كانون الأول 2024، بعد فراره إلى العراق بسبب ديون متراكمة. بقي في لبنان 14 يوماً، ثم سافر، وعاد في شباط 2025 قبل تشييع السيد حسن نصرالله. ادّعى أنه هو من بادر بإبلاغ الحزب لاحقاً، وأنه تحول إلى "عميل مزدوج" بتكليف حزبي.

لكن عند مواجهته من قبل المحامي قاسم الضيقة وإبلاغه بأنه سيُسلّم إلى الجيش، طلب أن يُسلّم إلى فرع المعلومات، مبرّراً أن قصته تشبه قصة "حسن عطية"، وهو عميل مزدوج سابق.

الادعاء الرسمي... وتداعيات العائلة

ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على محمد صالح، بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، والتدخل في قتل لبنانيين مقابل المال. ذكر الادعاء أن صالح قدّم إحداثيات لمراكز حزبية تعرّضت لاحقاً لغارات "إسرائيلية"، أدت إلى استشهاد لبنانيين بينهم مسؤولون في حزب الله.

بالمقابل، والد محمد هو من الرعيل الأول في الحزب، معروف بتقواه وجهاده، ما يُحتّم التأكيد أن "الخائن لا يمثل إلا نفسه"، ولا يجوز تعميم التهمة على العائلة.

تصحيحات حول ما تم تداوله

انتشرت أخبار غير صحيحة، منها أن محمد له أخ شهيد، والصحيح أن الشهيد هو شقيق طليقته. كما قيل إنه كان منشداً في الحزب، بينما هو لم ينشد سوى أنشودة واحدة نُشرت على وسائل التواصل. لكنه كان مقرّباً من أبناء عدد من القياديين، ومنهم القيادي حسن بدير الذي اغتيل بغارة جوية مؤخراً في حي ماضي، ما فتح باب الشكوك حول علاقة محمد بتسريب معلومات، وإن لم يُثبت ذلك بعد.

ملف محمد صالح لا يزال مفتوحاً، والحقيقة الكاملة لم تتضح بعد. لكن الثابت أن هذه القضية تسلّط الضوء على هشاشة التجنيد الإلكتروني.

الأكثر قراءة

خرق الجمل «يهز» مُناصفة بيروت...ورسائل سياسيّة من البقاع «الثنائي» «والقوات» أكبر الرابحين... والمجتمع المدني أول الخاسرين القاهرة القلقة من التطوّرات الإقليميّة تدعم «حكمة» الرئيس عون