اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

إثناء الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة الأميركية تخوض حربين، حربًا مع الحلفاء ضد ألمانيا النازية، وحربًا ثانية ضد الأمبراطورية اليابانية، في ما سمي حرب المحيط الأطلسي.

في جتماع يالطا في شباط 1945، التقى كل من الرئيس الأميركي فرنكلن روزفلت وزعيم الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين ورئيس وزراء بريطانيا وينستن تشرشل، وكان الهدف تقاسم القارة الأوروبية بعد أن كان النظام النازي على شفير الهزيمة.

كان رئيس وزراء بريطانيا تشرشل يعارض أن يحتل الاتحاد السوفياتي أجزاء كبيرة من أوروبا، خوفًا من انتشار الفكر الشيوعي إلى باقي القارة. لكن كان للرئيس الأميركي حسابات مختلفة، فوعد ستالين بالسماح له بالسيطرة على شرق أوروبا، مقابل أن يرسل له جيشه لمحاربة اليابان، ومساعدة الولايات المتحدة في القضاء على الأمبراطورية اليابانية.

عندما ألقى الجيش الأميركي القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاكي، لم يكن الجيش الياباني قد قرر الاستسلام بعد، لكن عندما عرف الأمبراطور الياباني آنذاك هيروهيتو وقيادة الجيش الياباني، أن الاتحاد السوفياتي وفى بوعده لروزفلت وبدأ هجوم واسع على شمال اليابان بأكثر من نصف مليون جندي، قرر حينذاك الاستسلام للأميركيين في 15 آب 1945 وتكون بذلك انتهت الحرب العالمية الثانية نهائيا، واستقر العالم على نظام ثنائي القطب بين الاتحاد السوفياتي وحلفائه من جهة، والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من جهة ثانية، مع ما نتج منه من حرب باردة وحروب بالوكالة متفرقة.

في العام 1989 سقط جدار برلين، وفي 1990 انهار الاتحاد السوفياتي، وأصبح العالم أحادي القطب بزعامة واشنطن. لكن من الواضح أن العالم يتجه الآن إلى عالم متعدد الأقطاب. فمنذ حوالى 30 سنة، بدأت الصين بالنهوض اقتصاديًا وعسكريًا، حتى أصبحت ثاني اقتصاد في العالم، وتفوقت في كثير من المجالات التكنولوجية على الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية. وبدأت منذ حوالى عشر سنوات بتصنيع طائرات حربية متطورة جدًا، وأصبح لديها 3 حاملات طائرات وجيش مؤلف من أكثر من مليوني عنصر، وبالطبع أكثر من 1000 رأس نووي، وحظيت بلقب مصنع العالم. ويتوقع الرئيس الصيني شي جي بينغ أن تصبح الصين الاقتصاد الأول في العالم في غضون 15 سنة.

أما روسيا وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي فقد أعادها الرئيس بوتين بضع سنوات كاحدى الدول العظمى في العالم مع الولايات المتحدة والصين. وروسيا هي ثاني أقوى قوة عسكرية في العالم، مع جيش يصل عديده إلى مليون ونصف مليون جندي، وسلاح متطور جدًا كسوخوي 35 ودبابات وصواريخ متطورة جدًا ... كما أن روسيا تضم أكبر احطياطي غاز في العالم، وثالث احطياطي نفط في العالم، وتمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم جوا وبرًا وبحرًا مع أكثر من 5000 رأس نووي.

الولايات المتحدة الأميركية ما زالت أقوى دولة في العالم اقتصاديا وماليًا وعسكريا، لكن واشنطن تعاني من مشاكل اقتصادية ومالية كبيرة، كالتضخم والعجز الهائل في الموازنة، كما تعاني من مشاكل داخلية كثيرة منذ وصول الرئيس ترمب إلى سدة الرئاسة ومعه الميلياردير إيلون مسك، وأكبر دليل على هذه الخلافات الداخلية المشاكل التي تحصل بين ترامب وبعض الجامعات، كجامعة "هارفرد" التي تأسست منذ أكثر من 200 عام، وهي تخرّج أهم المحامين والقضاة حتى ان الامور وصلت إلى دعاوى أمام المحاكم بين "هارفرد" وترامب.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وبعد سياسة الذل التي يمارسها ترامب ونائبه جي دي فانس تجاهها، قررت أوروبا الاتحاد أكثر خاصة في مجال الدفاع والسياسة والاقتصاد، لكن دون إغضاب واشنطن. فقد قرر الاتحاد الأوروبي رصد 800 مليار يورو لدعم السياسة الدفاعية الأؤروبية، وقررت ألمانيا رصد مبلغ 500 مليار يورو لإعادة بناء ودعم الجيش الألماني. كذلك الأمر تتسلح بولندا بمئات المليارات من اليورو خوفا من اجتياح روسي. أما فرنسا فقررت بناء 4 غواصات نووية جديدة، زيادة على ال 4 غواصات النووية الموجودة في الخدمة حاليا، وكل غواصة يمكنها أن تطلق 35 صاروخا نوويا أينما كان في العالم، وقوة كل صاروخ هي 20 مرة قوة هيروشيما.

كل هذه التدابير تتخذها أوروبا خوفا من قرار قد يتخذه بوتين باجتياحها، بدأ بأوكرانيا ودول البلطيك، وتلميح ترامب وإدارته بالتخلي عن حلف شمال الأطلسي، ورفضهم الدفاع عن أوكرانيا.

هذا يعني أن العالم أصبح متعدد الأقطاب، ولا يستطيع أي من الأقطاب السيطرة على قطب آخر، فرغم كل العقوبات الاقتصادية والمالية التي مارستها واشنطن وبروكسل على روسيا لمدة ثلاث سنوات، لم يستطيعا منع بوتين من إكمال حربه.

كما على العالم الانتهاء من حق النقض للدول الخمس في مجلس الأمن، وهذه رواية حصلت فعل في العام 2003 حين أراد جورج بوش الابن غزو العراق، فتم التصويت في مجلس الأمن، فرفعت فرنسا إحدى الدول الخمس حق النقض، وفي الليلة نفسها عقد جورج بوش الابن مؤتمرا صحفيا وقال حرفيا "لا آبه للنقد الفرنسي في مجلس الأمن، أنا سأغزو العراق، ومن يريد أن يلحقني فليأت". وكما العادة كان أول اللاحقين رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير.

من هنا، يطالب الكثيرون بإلغاء حق النقض للخمس دول العظمى، لأنها تفعل فقط مصالحها وليس مصلحة الإنسانية، ولولا حق النقض الأميركي لما كانت "إسرائيل" قامت و ما زالت تقوم بمجازر ضد الإنسانية في غزة.

مع عالم متعدد الأقطاب، هنالك حسنات وسيئات، فالحسنات هي بالطبع الا تفرض دولة واحدة على العالم، أما السيئات فألا يخلق ذلك حروبا باردة متعددة تدفع ثمنها الدول الصغرى.

وفي عالم متعدد الأقطاب يريد كل قطب منطقة نفوذه، فترامب يريد جزيرة غرنلند وكان يريد كندا. و بوتين يريد أوكرانيا وربما استعادة السيطرة على بعض دول أوروبا الشرقية. والصين تريد استعادة جزيرة تيوان. وكوريا الجنوبية تدفع لواشنطن ملياري دولار سنويا لحمايتها من اجتياح صيني. واليابان يدفع 3 مليار دولار سنويا لواشنطن لحمايته أيضا من اجتياح صيني.

كما أنه في عالم متعدد الأقطاب ترسم خرائط جديدة للعالم، وتبنى تحالفات كانت تبدو بعيدة جدا ويفترق حلفاء، وتبقى الكلمتان المقدستان " البقاء والسيطرة ".

هكذا هي الحال عند كل أمبراطورية عبر تاريخ البشرية، درسناها و قرأنا عنها، كلهم لديهم مرض التوسع واحتلال أمبراطوريات أخرى. 

الأكثر قراءة

لا «كيمياء» بين بري وسلام «وخلاف على الهوية» مع حزب الله ضغوط «اسرائيلية» لسحب الطوارئ واجتماع بين صفا والامم المتحدة