اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

طوني حسواني، ليس مجرد رجل أعمال لبناني، بل هو قصة نجاح تتجاوز حدود الإرث العائلي، لتصبح علامة فريدة في عالم الفن والإنتاج الترفيهي.

منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ينسج طوني بخبرته الواسعة وشغفه العميق، جسوراً بين التراث الفني والابتكار التكنولوجي، حاملاً رؤى جديدة تُعيد تعريف تجربة الجمهور، وتخلق أفقاً واسعاً للفنون في لبنان والعالم العربي.

من خلال تأسيسه لشركات رائدة مثل Solicet وEMM Williams Production، لم يقتصر دوره على تنظيم العروض الفنية الضخمة فحسب، بل كان رائداً في تقديم فعاليات استثنائية جمعت بين الإبداع والاحترافية، من عروض "Notre Dame de Paris" إلى تعاونه مع نجوم عالميين كبار كسيلين ديون وشاكيرا، وصولاً إلى دمج التكنولوجيا الحديثة في عالم الإنتاج الفني عبر قيادته لشركة International Multimedia Movies and Experiences Inc.

طوني حسواني يمثل جسراً حقيقياً بين الماضي والحاضر، حيث يحمل في قلبه حب الفن العميق، الذي ورثه عن والده الراحل وليم حسواني، ويضيف إليه نبض العصر الحديث، ليثري الساحة الفنية بمشاريع تجمع بين الأصالة والابتكار. هو رجل يعشق أن يصنع التجارب التي تلامس القلوب وتلهم العقول، ليصبح اسمه مرادفاً للفن الراقي والريادة الحقيقية في صناعة الترفيه. وهنا نص المقابلة:

*ما الذي دفعك لدخول مجال الإنتاج الفني؟

- وُلدتُ ونشأت في بيتٍ موسيقي. كان والدي يعزف على العود ويغني لنا كل ليلة. والدٌي كان مدير مدرستنا صباحا، وممثلًا على المسرح ليلا. نشأتُ في هذا الجوّ الثقافي. كثيرا ما كان يأخذني معه إلى كواليس المسرح، وإلى الاستوديوهات وغيرها... لذا، الثقافة والفن في دمي. لكنني لم أكن أعلم يوما أنني سأصبح منتجا. كنتُ أرغب في أن أصبح رجل أعمال، مختصا في التسويق... وفي النهاية، التسويق هو ما أحب وما أبرع فيه عندما أبتكر عروضا جديدة وهوية مميزة وأقودها نحو النجاح.

لاحقا، أصبحت رياضي تزلج وبدأت بتنظيم الفعاليات الرياضية. وبفضل سمعة والدي، تم تكليفي بتنظيم مهرجان حقق نجاحا كبيرا، واستمر في النمو في المجال الثقافي والإبداعي والتسويقي.

*كيف اثرت نشأتك في لبنان وانت ابن الفنان والشاعر العظيم ويليام حسواني على خياراتك المهنية لاحقا في كندا؟

- أنا أصغر ولد في العائلة ولديّ ثلاث شقيقات، جميعهنّ في المجال الطبي. بالنسبة لوالدي، كان عليّ أن أصبح إما طبيبا أو مهندسا... ولا خيار ثالث ! أردت أن أفعل ما أحب، وهو التسويق. وعندما بدأت مسيرتي المهنية، كنت أبذل جهدا مضاعفا في الترويج للفعاليات التي أنظمها، فقط ليصل صداها إلى والدي، ولأثبت له أنني قادر على النجاح في مجالي. كانت مسؤولية كبيرة، ولا تزال كذلك حتى بعد وفاته.

شركتي لم تُبْنَ على استثمار مالي، بل تأسست على اسم والدي، الذي كان ولا يزال رأسمالي الأساسي. كان أبًا، وصديقًا عظيمًا، وفنانًا رائعًا، وأستاذًا مُلهِمًا. حتى عندما أتيت إلى كندا، سبقتني سمعته. شعرت أنني لست وحدي، فكل اللبنانيين هنا هم إخوتي وأخواتي بفضل المحبة التي يحملونها لوالدي. ومن هذا المنطلق، عملي كان استكمالًا لمسيرته، حتى وإن كنت خلف الكواليس. بالنسبة للشركات الكبرى التي أتعامل معها، لم أكن مجرد منتج جديد، بل منتج متجذّر يتابع خطى والده، وهذا يمنحني مصداقية هائلة.

*حدثنا عن أول مشروع فني اخذك الى النجاح؟

- لم يكن هناك حدث معيّن أطلقني نحو النجاح، بل كان الدافع الجدي للحلم والإنجاز هو الأساس. كما أن الحياة قادتني للقاء الأشخاص المناسبين في الأوقات المناسبة. عندما أتيت إلى كندا، كان في ذهني اسم سيلين ديون وسيرك دو سوليه. جئت ومعي فقط بعض المال يكفيني للعيش لبضعة أشهر، لكنني كنت أحمل حلمًا كبيرًا وفكرة بناء نفسي من الصفر، دون أي مساعدة. عشتُ أيامًا صعبة وأيامًا جميلة، لكنني بقيت كما أنا، ولم يلاحظ الفرق سوى أصحاب القلوب الطيبة. لم أكن أنتظر الحظ، بل كنت أعمل على صناعته.

كل حدث نظمته كان حجر أساس في النجاح، الذي حققته وفي النجاحات القادمة. ومع ذلك، كانت محطات مثل سيلين ديون في دبي، وشاكيرا في لبنان، وسيرك دو سوليه بشكل خاص، نقاط تحول رئيسية في مسيرتي. وبما أنني أعيش في مدينة مونتريال، موطن سيرك دو سوليه، نشأت علاقة قريبة سمحت لي بانتهاز الفرصة عندما حانت، وقمت بالترويج لمعظم عروضهم في مدن عديدة في أميركا الجنوبية على مدى سنوات طويلة.

من بلدي الحبيب لبنان إلى القارة العملاقة أميركا الجنوبية، أصبحت أحد أهم شركاء سيرك دو سوليه، وفتحت لي هذه العلاقة آفاقًا واسعة لبناء شبكة عملاء عالمية في مختلف أنحاء العالم.

هذا العام أحتفل بمرور 30 سنة في مجال الترفيه، وعندما أنظر إلى الوراء أشعر أن الوقت مرّ بسرعة كبيرة، وما زال أمامنا الكثير لنحققه. لقد أصبح العمل سباقًا مع الزمن لنحقق أقصى ما يمكن في هذه النعمة الجميلة التي يمنحنا الله إياها كل يوم: الحياة.

*ما هو أقرب عرض نظمته كان الأقرب الى قلبك ولماذا؟

- من الصعب جدًا الإجابة، فكل عرض بالنسبة لي يحمل مكانة خاصة في قلبي، كأنهم أبنائي... أحبهم جميعًا. من بين العروض التي أنشأتها، أحب عرض Cavalero، وهو عرض خيول شارك فيه 55 حصانًا و40 فنانًا. ومن الحفلات الموسيقية الحيّة، يبقى حفل شاكيرا في لبنان، الذي أقمناه في بيروت، من ابرز الحفلات التي حققت نجاحا مذهلا وعاطفيا للغاية.

أما من بين عروض سيرك دو سوليه، فقد أحببت عرض Corteo الاكثر ، والذي كان أول عرض لي في كيتو عاصمة الإكوادور، وكذلك عرض Amaluna الذي نظمته في معظم بلدان أميركا الجنوبية.

وبالتأكيد، لا يمكنني أن أنسى القصر في فرنسا Château- d’Ermenonville، والذي سمح لي بتحقيق حلم الزوار بأن يعيشوا تجربة ساحرة، وبأن أعرّف هذا المكان الرائع إلى العالم من خلال الفعاليات الثقافية والذوقية التي نظّمتها هناك.

*كيف ترى دور الفن في تعزيز الهوية اللبنانية في المغترب؟

- بالنسبة لي، أرى أن الفن هو الجسر الأقوى الذي يربط المغترب اللبناني بجذوره. نحن في الغربة نعيش بين ثقافات متعددة، ووسط هذا التنوع، يبقى الفن هو الذاكرة الحيّة، هو اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمة، والتي تعيد إلينا رائحة البيت ودفء الناس. من خلال الفن، نستطيع أن نروي قصتنا كلبنانيين، أن نُظهر غنى ثقافتنا، جمال موسيقانا، عمق تراثنا، وتفرّدنا الإبداعي. الفن ليس مجرد عرض أو موسيقى أو صورة؛ هو وسيلة لنُعرّف العالم من نحن، وفي الوقت نفسه وسيلة لنُذكّر أنفسنا بهويتنا كل يوم.

كما اننا كلبنانيين معروفون باننا من أفضل التجّار منذ أيام أجدادنا الفينيقيين وحتى اليوم. نحن روّاد في الابتكار، في بناء العلاقات، في انفتاحنا وكرمنا. نسعى دائمًا لترك بصمة مميّزة في كل ما نقوم به. نحن شعب لا يرضى بالمستوى العادي أو الجيّد، بل نسعى دائمًا إلى التميّز. فهذا جزء من طبيعتنا. ومع ذلك، يجب ألّا نُفرغ الثقافة من مضمونها لجعلها أكثر جاذبية؛ بل علينا دائمًا أن نحافظ على جذورنا، وأن نبقيها نقية وبسيطة نابعة من القلب.

*ما هو المشروع الجديد الذي تعمل عليه حالياً وتنوي تقديمه في المستقبل؟

- أستعد لإطلاق نمط جديد من العروض تحت اسم Magic Walk™، حيث يمرّ الزوّار أولًا في مساحة غامرة يتفاعلون فيها مع القصة ويصبحون جزءًا منها، ثم ينتهي العرض بأداء أكروباتي / سيرك مميّز.

ضمن Magic Walk™، نعمل على تقديم عدة عروض، لكل منها طابعه الخاص. بعضها سيعتمد على علامات تجارية معروفة وحقوق ملكية فكرية (IPs)، والبعض الآخر سنقوم بابتكاره بأنفسنا. معظم عروضنا تحتفي بالحب، والفرح، وتُعلّمنا كيف نعيش بتناغم ونحافظ على كوكبنا. كما أنني أسست مؤسسة حسواني، التي ستحصل على دولار واحد من ثمن كل تذكرة تُباع في عروض Magic Walk وتهدف المؤسسة إلى محاربة الفقر من خلال خلق فرص في المجال الثقافي.

*هل تسعى من خلال أعمالك الفنية الى بناء جسر ثقافي بين الشرق والغرب؟

- وضعي مختلف لأن العروض التي أقدّمها تجول حول العالم وتستهدف جمهورًا عالميًا. أنا معروف كمنتج عروض سيرك وأكروبات. غالبًا ما نبتكر عروضًا دون استخدام اللغة، أو نستخدم بعض الإنجليزية كونها لغة عالمية. كما أنني لست منتجًا لعروض لبنانية (على الأقل حتى الآن)، لأن هذا ببساطة ليس مجالي. قدّمت عرض هيبا توّاجي في مونتريال فقط بسبب العلاقة الأخوية التي تربطني بأسامة الرحباني، وأعتبر هذا العرض أقرب إلى التزام لمواصلة مسيرة آبائنا.

أن تكون منتجًا يشبه إلى حدٍّ ما أن تكون طبيبًا، فلكل منتج تخصّصه. تخصّصي هو العروض العائلية العالمية (وخاصةً تلك المرتبطة بعلامات كبرى والسيرك)، وهي موجهة لجمهور عالمي... ولهذا أحاول دائمًا أن أبتعد عن استخدام أي لغة في العروض. هناك من يختصّ في الإنتاج اللبناني أو في التعاون مع فنانين لبنانيين، وهناك من يعمل فقط على الحفلات الموسيقية، وآخرون على حفلات الزفاف والمناسبات الخاصة... إنه مجال واسع جدًا، وكلما تقدمنا أكثر، أصبحت التخصصات أضيق كي نتمكن من التركيز وتحقيق النجاح.

هدفي الرئيسي هو جمع الناس من مختلف أنحاء العالم من خلال عروض تقدّم لهم لحظات جميلة. أطمح لرؤيتهم سعداء، يصفقون، يفرحون، ويغادرون ومعهم ذكرى لا تُنسى. أسمع أحيانًا قصصًا عن أشخاص تعرّفوا على بعضهم في إحدى عروضي وتزوجوا، ويرسلون لي صور أطفالهم.

أعتقد أن العالم أصبح كيانًا عالميًا مترابطًا، وبالتالي فإن الرسالة لم تعد بين شرق وغرب، بل أصبحت عن ربط الناس من كل أنحاء الأرض ببعضهم البعض وإسعادهم، وهذه برأيي من أهم أسرار الحياة.

*انت شخص يعتز باصوله اللبنانية والفينيقية... هل تحضر لمشروع حول الهوية اللبنانية او الفينيقية؟

- نعم! إنه أحد أحلامي التي كنت أعمل عليها منذ عام 2017. بدأت بالكتابة عن الحضارة الفينيقية، وهو موضوع لم يتم التطرّق إليه سابقًا في عالم السينما. شاهدنا أفلامًا عن الرومان، الفايكينغ، الإغريق... لكن لم نشاهد شيئًا عن الفينيقيين، رغم أنها حضارة أكثر إثارة للاهتمام. إنها حضارتنا، ويجب أن نفتخر بها، فهي جذورنا.

ولكي أتمكّن من تحقيق النجاح، لم أرغب أن يكون الفيلم (الذي لا يزال قيد التحضير) مجرد فيلم آخر، بل أعمل على بناء سلسلة (Franchise) تمزج بين التاريخ والخيال، وتخلق توجّهًا جديدًا يلامس قلب وعقل الجمهور في مختلف أنحاء العالم.

ومن هذه السلسلة، لن نكتفي بإنتاج الأفلام، بل سنقدّم أيضًا عروضًا حيّة، وألعاب فيديو، ومنتجات تجارية (Merchandising) والمزيد.

* ما هي النصيحة التي تقولها للشباب اللبناني الراغب بدخول مجال الإنتاج الفني؟

- أنا أعيش لأحقّق أحلامي، وعندما أُحقق آخر حلم، أبدأ فورًا بحلم جديد.

رسالتي للشباب هي أن يجرؤوا، وألّا يرضوا بالمألوف.

كونوا جادّين، وكونوا سفراء للنجاح والإبداع في كل ما تفعلونه، وكونوا صادقين مع أنفسكم أولًا، ثم مع الآخرين ومع أحلامكم.

الشهرة والثروة ستأتي لاحقًا، لكن اجعلوا هدفكم الأول أن تصنعوا فرقًا وتتركوا أثرًا في كل عمل تقومون به.

وأخيرا أقول: عندما تصلون إلى الشهرة، حافظوا على التواضع كي تظلّوا في صعود مستمر. 

الأكثر قراءة

قبل المخيمات: العيون العربية على سلاح حزب الله هل يُشعل نتنياهو المنطقة لعرقلة الاتفاق الأميركي ــ الإيراني و«الدولة الفلسطينية»؟