لا مجال لأي زعيم مسيحي للاستئثار القبلي بالطائفة. ثمة نخبة تستوطن (وتتوهج) داخل البنية السوسيولوجية للطائفة، وان تأثرت بالرياح الصفراء التي تهب بين الحين والآخر على المنطقة، لتتحول الى أعاصير في الآونة الأخيرة. اتفاق الطائف لم يوجد فقط لتكريس التوازن بين الصلاحيات، أو لوضع قواعد الاشتباك بين الطوائف، وانما لاقامة جمهورية خالية من الطائفية، كي لا نبقى في الصورة التي رسمها لنا الروائي الأميركي دوغلاس كنيدي "هنا لا تعلم اذا كنت في الجنة أم في جهنم" !
أبلغ من وصف المشهد كان المطران الجليل جورج خضر، بتلك الرؤية الفذة للحالة اللبنانية "لبنان واقع ركام لا واقع جماعة"، و"كُتب على لبنان ألاّ يعيش وألاّ يموت"، لكأنه يوحي بما شاهده دانتي في الجحيم (الكوميديا الالهية)، "رأيت أناساً لا يعيشون ولا يموتون". هل هذه حالنا حقاً؟ بوجود تلك الطوائفية العمياء حالنا وأكثر...
اذ أخذ لبنان ومنذ أيام الانتداب بالنموذج الغربي، تشكل حزبان "الكتلة الدستورية" والاسم الفعلي لها "حزب الاتحاد الدستوري" برئاسة بشارة الخوري (1934)، و"الكتلة الوطنية" برئاسة اميل ادة (1936 )، بادر الصيدلي بيار الجميل، ربما مستوحياً التركيبة الكيميائية للبلد، باختراق تلك الثنائية وانشاء حزب "الكتائب" (1936 )، ليكون الجناح العسكري للطائفة، متأثراً بالـ"فالانج ايسبولا" التي اسسها الجنرال فرنسيسكو فرانكو في اسبانيا. المثير هنا أنه مثلما كان "الكوديو" نجم الحرب الأهلية في بلاده، كان "الشيخ" نجم الحرب الأهلية في لبنان.
البيروتي عدنان الحكيم أسس حزب "النجادة"، ليكون حزب المسلمين في مواجهة حزب المسيحيين. اذ تمكن من استقطاب العديد من الشبان السنّة والشيعة، لم يستطع فرض وجوده في الساحة السياسية. كل ما حققه مقعد نيابي في الانتخابات التي أعقبت "ثورة 1958"، واطلاق صحيفة "صوت العروبة " بعدما كانت كلمة "عروبة" محظورة ومحرّمة في القاموس اللبناني. كما أن الجنوبي ـ البيروتي رشيد بيضون، مؤسس الكلية العاملية، بالكاريزما اللافتة (الشاربان والطربوش)، أسس حزب "الطلائع"، كحزب شيعي لم يجد له مكاناً لا داخل اللعبة السياسية ولا داخل اللعبة الطائفية.
ثمة قادة مسيحيون ذهبوا بعيداً في تشويه الدور المسيحي في لبنان، والذي كان يفترض أن يحد من جموح الحصانين السني والشيعي، لا سيما بعد قيام "الثورة" الاسلامية في ايران، بديناميكية ايديولوجية راديكالية عابرة للحدود، ما أثار ردات فعل متوجسة على الضفة الأخرى من الخليج، لتستشري ثقافة نبش القبور. الأحرى نبش الحفر المظلمة في التاريخ.
أمواج متلاطمة في المنطقة. كل ما حصل من اشتباكات جيوسياسية، وبذلك الخيال العبثي (وحتى المرضي)، كان يصب في مصلحة أميركا وفي مصلحة "اسرائيل"، (كما لو أننا مبرمجون على التوقيت الأميركي وعلى التوقيت "الاسرائيلي")، وحيث الحوذي الأميركي يتعامل مع دول المنطقة، كما كان الكاوبوي يتعامل مع الأحصنة الهرمة، أو مع الحانات الخشبية. كلنا في قبضة دونالد ترامب، سواء اختلف أو اتفق مع بنيامين نتنيياهو، فهو من القائلين مثلما يفترض بالكرة الأرضية أن تدور حول أميركا، يفترض بالشرق الأوسط أن يدور حول "اسرائيل"، وهو يدور على كل حال...
هنا الارتدادات الدراماتيكية على لبنان. اذ نحن داخل تلك اللحظة الزلزالية، نرى أن الصراع المسيحي ـ المسيحي الذي كان يقتضي أن يكون القاطرة الديموقراطية للجمهورية، أخذ البعد القبلي والشخصي. من يأكل من؟ في انحسار لافت لتأثير حزب "الكتائب" على القاعدة، وبعد نحو تسعة عقود من انشائه.
قطبا الصراع الآن هما سمير جعجع، الذي يعتبر أنصاره أن ماضيه وكذلك حاضره، ماضي وحاضر القديسين، من الخندق الى الزنزانة ثم الى الصومعة. وجبران باسيل الذي وان اتصف بالذكاء، بعيد عن أن يكون بمواصفات القطب الآخر، ان بالتأجيج السياسي والطائفي أو بالاستقطاب السياسي والطائفي، حتى ليقال ان قائد "القوات اللبنانية"، وهي الابنة الفرويدية لحزب "الكتائب"، يمثل الريف المسيحي حيث الحفر في الصخور، ورئيس "التيار الوطني الحر" يمثل المدينة المسيحية حيث ضجيج الأضواء وجاذبية الدنيا. فارق شاسع بين رجال القرى وقيم القرى، ورجال المدن وقيم المدن.
مؤرخون كثيرون كتبوا عن أن الجماهير تؤخذ بالزعامات التي صنعت تاريخها الشخصي (والعام) بالدم، لا بالزعامات التي صنعت تاريخها الشخصي (والعام) بلغة المنابر. حين سألنا أسقفاً صديقاً عن رأيه في الرجلين، فاجأني جوابه "هل قرأت قصة السلحفاة والأرنب"؟ ولكن ليستدرك "الفارق هنا أن الاثنين لم يصلا ولن يصلا". دوران حول الذات في منطقة يزداد فيها خوف الاقليات من الايديولوجيات المجنونة ومن الأزمنة المجنونة. ولكن هل المطلوب في لبنان من ينقذ الطائفة أم من ينقذ الدولة، التي يفترض أن يكون الرداء الذي يضم الجميع.
هكذا بدت معركة الانتخابات البلدية في زحلة، حيث القيادة البائسة للتيار والقيادة المتوثبة "للقوات". وجزين وكأنها معركة البقاء واللابقاء، دون أي قراءة بانورامية لما يحدث حولنا من ويلات، ودون أن يضع أي من الساسة مصلحة لبنان فوق العرش الذي يتربع عليه، ولو كان من تنك...
تصوروا أن اسقفاً يقول "كفى قراءة عرجاء للكتب المقدسة. رجاء اقرؤوا كتاب "كليلة ودمنة" لعبدالله بن المقفع"...
يتم قراءة الآن
-
قبل المخيمات: العيون العربية على سلاح حزب الله هل يُشعل نتنياهو المنطقة لعرقلة الاتفاق الأميركي ــ الإيراني و«الدولة الفلسطينية»؟
-
سلام "يكسر الجرّة" مع "الثنائي"... ويُطلق النار على بعبدا؟ التصعيد يُهدّد الاستقرار الحكومي... والردّ بحجم التجاوزات
-
"كليلة ودمنة" بدل الكتب المقدّسة
-
ثنائي التهدئة وثنائي التصعيد: عون وبري لترسيخ الحوار... وسلام وجعجع لتغليب التشدّد
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:59
ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا لـ الجديد: التسعيرة الجديدة للمحروقات شهدت إرتفاعاً بسبب الضرائب التي فرضتها الدولة ونحن علينا أن ننفذّ القرار بدءاً من الليلة
-
23:41
الطائرات الإسرائيلية تجدد استهداف بلدة بنعفول في قضاء صيدا للمرة الرابعة
-
23:19
الطيران الحربي الإسرائيلي شنّ غارة جوية على دفعتين مستهدفاً المنطقة الواقعة بين بلدتي حومين التحتا وبنعفول في منطقة إقليم التفاح
-
22:37
فوز هوبس على ميروبا بنتيجة 96-74 ضمن المرحلة الـ ٢٠ من "ديكاتلون" بطولة لبنان لكرة السلة
-
22:32
محكمة استئناف أميركية تعيد فرض رسوم ترامب الجمركية خلال طعن الإدارة على قرار وقفها
-
21:49
الخارجية الأميركية: المفاوضات مع إيران حققت تقدماً وفق شروط ترامب بعدم إمتلاك سلاح نووي أو تخصيب لليورانيوم
