اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تمرّ المرأة في حياتها بتغيّرات هرمونية عديدة، إلا أن فترة انقطاع الطمث تُعدّ من أكثر المراحل تحوّلًا وتأثيرًا في الصحة الجسدية والنفسية. وبينما يُعرف انقطاع الطمث بتسببه بالهبّات الساخنة، واضطرابات المزاج، وتقلّب النوم، فإن إحدى المشكلات الجلدية التي بدأت تلقى اهتمامًا متزايدًا هي ظهور الإكزيما أو تفاقمها لدى النساء في هذه المرحلة الحساسة من العمر.

تُعرف الإكزيما بأنها حالة التهابية مزمنة تصيب الجلد، وتتسبب في جفافه، وتهيّجه، واحمراره، وقد يصاحبها حكة شديدة تؤثر في جودة الحياة. وفي فترة ما بعد انقطاع الطمث، يُلاحظ لدى بعض النساء ظهور أعراض الإكزيما للمرة الأولى، أو عودة ظهورها بعد سنوات من الاختفاء، وهو ما يُثير تساؤلات حول الرابط بين التغيرات الهرمونية وظهور هذه الحالة الجلدية.

يرجع السبب الرئيسي وراء هذا الارتباط إلى انخفاض مستويات هرمون الإستروجين، الذي يؤدي دورًا محوريًا في الحفاظ على مرونة البشرة وترطيبها. فمع انخفاض الإستروجين، تصبح البشرة أرق وأكثر جفافًا وعُرضة للتشققات والالتهابات، وهو ما يهيئ البيئة المثالية لظهور الإكزيما أو تفاقمها. إضافة إلى ذلك، فإن الجلد في هذه المرحلة يفقد بعضًا من قدرته الطبيعية على التجدد، مما يجعل التعافي من أي التهابات أو تهيّجات أكثر بطئًا وصعوبة.

ولا يقف الأمر عند الجفاف فقط، إذ إن الجهاز المناعي يمر أيضًا بتغيرات ملحوظة بعد انقطاع الطمث. ففي بعض الحالات، تحدث استجابات مناعية مفرطة أو مضطربة، مما يؤدي إلى تفاقم الحالات الالتهابية الجلدية. وتلعب العوامل النفسية مثل القلق والاكتئاب والتوتر المرتبطين بهذه المرحلة العمرية دورًا إضافيًا في تحفيز ظهور الإكزيما، خاصة أن الحالة النفسية ترتبط مباشرة بصحة الجلد من خلال ما يُعرف بمحور الجلد-العصب-المناعة.

وفيما يخص العلاج، من المهم اعتماد نهج شامل يجمع بين العناية الجلدية والتوازن الهرموني والدعم النفسي. تبدأ الخطوات الأساسية بالعناية اليومية بالبشرة من خلال استخدام مرطّبات غنية ومهدئة، وتجنّب الصابون القاسي أو المستحضرات المعطرة التي قد تزيد من تهيج الجلد. كما يُنصح باستخدام كريمات تحتوي على مكوّنات مثل السيراميد، أو الزنك، أو الشوفان الغروي لتهدئة البشرة وتعزيز حاجزها الواقي.

وقد يلجأ الأطباء في بعض الحالات إلى وصف الكورتيكوستيرويدات الموضعية للتحكّم في الالتهاب، أو وصف مضادات الهيستامين لتخفيف الحكة، خصوصًا في الحالات المتوسطة إلى الشديدة. أما في ما يتعلق بالشق الهرموني، فإن بعض النساء قد يستفدن من العلاج الهرموني التعويضي (HRT)، لكن يجب تقييم هذه الخطوة بحذر وبعد استشارة طبية دقيقة، نظرًا الى ما لها من فوائد ومخاطر تعتمد على التاريخ الصحي لكل حالة.

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال دور النظام الغذائي وأسلوب الحياة في تحسين أعراض الإكزيما. إذ إن تناول أطعمة غنية بمضادات الأكسدة، وأحماض الأوميغا 3، والفيتامينات A وE وD، يُسهم في دعم صحة الجلد والمناعة. كما أن التخفيف من التوتر بممارسة اليوغا أو التأمل، والنوم المنتظم، والنشاط البدني المعتدل، كلها عوامل تُعزز من قدرة الجسم على مقاومة الالتهاب وتحسّن من الحالة العامة للبشرة.

في الختام، يمكن القول إن ظهور الإكزيما بعد انقطاع الطمث ليس أمرًا نادرًا، بل هو انعكاس لتغيّرات معقّدة على مستوى الهرمونات والمناعة والنفسية. ويُعدّ الوعي بهذه العلاقة خطوة أولى نحو التشخيص المبكر والعلاج الفعّال، بما يضمن للمرأة حياة صحية ومريحة خلال هذا الفصل الجديد من عمرها.

 

الأكثر قراءة

النظام السوري الجديد يتمرّكز في لبنان عبر هؤلاء؟ إستنفار أمني لبناني وتحرّك لسفارات لرصد الحلفاء الجدد