إلتهاب القزحيّة بين العدوى والمناعة الذاتيّة... تشخيص دقيق وعلاج فعّال

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

يشكّل التهاب القزحية إحدى الحالات الالتهابية الخطيرة التي تصيب العين، وخصوصًا الجزء الأوسط منها المعروف باسم العنبية، والتي تضم القزحية والجسم الهدبي والمشيمية. وفي الاستخدام الطبي اليومي، غالبًا ما يُقصَد بالتهاب القزحية الالتهاب الذي يصيب القزحية تحديدًا، وهي الجزء الملون في مقدمة العين. وتكمن خطورة هذا الالتهاب في تأثيره المباشر على الرؤية، ما يتطلب تشخيصًا دقيقًا وتدخلاً طبيًا عاجلًا.

ينجم هذا النوع من الالتهابات عن مجموعة متنوعة من الأسباب. فمنها ما يرتبط بالعدوى الفيروسية مثل فيروس الهربس والفيروس المضخم للخلايا، أو البكتيرية مثل الزهري والسل، بالإضافة إلى العدوى الطفيلية مثل داء المقوسات. كما يُصنّف التهاب القزحية كأحد الأعراض المصاحبة لبعض الأمراض المناعية الذاتية، كالتهاب المفاصل الروماتويدي، الذئبة الحمراء، والتهاب الفقار المقسط. وقد يرتبط أيضًا بإصابات مباشرة للعين أو عمليات جراحية سابقة، بينما تبقى أسبابه مجهولة في نسبة لا يستهان بها من الحالات.

تظهر أعراض التهاب القزحية بشكل مفاجئ في الكثير من الأحيان، وتشمل احمرار العين، ألمًا عميقًا يزداد عند التعرض للضوء، غباشًا في الرؤية، وأحيانًا رؤية أجسام طافية داخل مجال النظر. ويمثّل هذا المزيج من الأعراض مؤشرًا يستدعي تدخلًا طبيًا سريعًا، خاصة أن هذه العلامات قد تتقاطع مع أمراض عينية أخرى، مما يجعل التشخيص الدقيق أساسيًا لتحديد العلاج المناسب.

من ناحية أخرى، يحمل هذا الالتهاب تداعيات خطيرة إذا لم يُعالج في الوقت المناسب. فإهمال الحالة أو التقليل من شأنها قد يؤدي إلى مضاعفات دائمة، مثل الالتصاقات بين العدسة والقزحية، ارتفاع ضغط العين، الإصابة بالجلوكوما، أو حتى فقدان البصر نتيجة ضمور في أنسجة العين أو تكون المياه البيضاء. لذلك، يشكّل العلاج المبكر حجر الزاوية في الحد من هذه العواقب.

هذا ويرتكز العلاج في المقام الأول على تحديد السبب الأساسي وراء التهاب القزحية، حيث تختلف الاستراتيجيات العلاجية تبعًا لطبيعة المرض المسبب. ففي الحالات التي يكون فيها الالتهاب ناتجًا عن اضطرابات مناعية ذاتية، تُستخدم أدوية الكورتيزون بشكل رئيسي لتقليل الالتهاب ومنع تلف الأنسجة. ويتم تناول هذه الأدوية بأشكال متعددة، منها القطرات التي تُوضع مباشرة في العين لتقليل الالتهاب الموضعي بسرعة، أو الأقراص التي تُؤخذ عن طريق الفم، وفي بعض الحالات قد يُضطر الطبيب إلى حقن الكورتيزون حول العين أو داخل الجسم إذا كانت الحالة حادة أو لم تستجب للعلاج التقليدي. وقد يُضاف إلى ذلك أدوية مثبطة للمناعة في الحالات المزمنة أو الشديدة، بهدف ضبط نشاط الجهاز المناعي.

أما في حال كان السبب هو عدوى بكتيرية أو فيروسية، فيوجه العلاج إلى القضاء على المسبب الممرض باستخدام مضادات حيوية أو مضادات فيروسية ملائمة. ويعتمد اختيار الدواء على نوع العدوى وطبيعتها، إذ إن التشخيص الدقيق يضمن فاعلية العلاج ويقلل من خطر المضاعفات. كما يُنصح باستخدام قطرات موسعة للحدقة، إذ تلعب دورًا مهمًا في تخفيف الألم الناتج عن تشنج العضلات الداخلية للعين، كما تساعد على منع التصاقات غير مرغوبة بين القزحية والعدسة، والتي قد تؤدي إلى مشاكل بصرية مزمنة إذا لم تُعالج.

بالإضافة إلى ذلك، تتطلب حالات التهاب القزحية مراقبة دقيقة ومستويات متابعة طبية منتظمة، حيث يقوم الطبيب المختص بتقييم استجابة العين للعلاج، وضبط الجرعات أو تغيير الأدوية إذا دعت الحاجة. هذا المتابعة الدورية ضرورية لضمان السيطرة على الالتهاب ومنع تكراره أو تطوره إلى مضاعفات أكثر خطورة قد تهدد الرؤية.

أخيراً، يُمثّل التهاب القزحية حالة طبية جدية لا يجوز التهاون معها، فهو يشكل خطرًا مباشرًا على صحة العين ووظيفة الإبصار. لذلك، يُنصح بشدة أن يتوجه كل من يعاني من أعراض غير معتادة مثل الألم الشديد في العين، أو احمرار مستمر، أو تغيّر في وضوح الرؤية، إلى طبيب العيون دون تأخير. إن الكشف المبكر والتشخيص الدقيق، بالإضافة إلى التدخل الطبي السريع، يشكلان الخطوة الأهم في حماية العين من التلف والحفاظ على صحة الإبصار لأطول فترة ممكنة.