اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ليست انتخابات نقابة الأطباء مجرّد محطة دورية في العمل النقابي، بل هي انعكاس مباشر لواقع المهنة وللصورة التي يرى الأطباء أنفسهم من خلالها، سواء كممارسين أو كأعضاء في جسد مهني يُفترض به أن يكون حيويًّا، مستقلًّا، وساعيًا لتحصين حقوق المنتسبين إليه. لكن، وللمرّة تلو الأخرى، تتكرّر الصورة ذاتها: انتخابات تتزيّن بشعارات الإصلاح، وتنتهي بإنتاج مجالس متغيّرة في وجوهها، ثابتة في أمراضها.

إنّ القراءة الصحافية التقليدية لنتائج الانتخابات – تلك التي تنشغل بتعداد التحالفات بين الأحزاب، والتفاهمات بين "المستقلين" و"المحايدين"، وسرد التفاصيل اللوجستية – تغفل الجوهر الحقيقي للمسألة: ما هي المصلحة العامة التي يجب أن تنهض بها النقابة؟ ومن هو الفريق القادر على حمل هذه المهمة وتنفيذها؟

لقد تحوّلت الانتخابات النقابية منذ سنين إلى مشهد سياسي مصغّر، تُخاض فيه المعارك بالأسلحة نفسها التي تُخاض بها انتخابات البلديات والنيابات: عصبيات حزبية، اصطفافات طائفية، حسابات شخصية. ومع كل دورة انتخابية، تتكرّر الشكاوى: حقوق الأطباء المتقاعدين تُهمل، نظام الطبابة يتآكل، لا عقد وظيفي يربط الطبيب بالمؤسسة التي يعمل فيها، لا محاسبة للمجالس السابقة، لا شفافية في إدارة الأموال، ولا حماية من سرقة الأتعاب التي يمارسها "فاعلون مجهولون"، كما يُقال بلغة التواطؤ الوطني.

ما جرى بالأمس لم يكن استثناءً، بل تأكيدًا على استمرار النهج نفسه. فالنتائج جاءت ثمرة تحالف واسع بين أحزاب السلطة أو "المعارضة الرسمية"، على اختلاف ألوانهم: من الكتائب إلى حركة أمل، مرورًا بالتيارين العوني والمستقبلي، ووصولاً إلى مرجعيات دينية وشخصيات مرتبطة بأجهزة وقوى نافذة. وقد تمّ توزيع المقاعد بين هذه الجهات وفق ميزان دقيق يضمن تمثيل الجميع… إلا الأطباء أنفسهم.

لقد تمخّضت الانتخابات عن مجلس هو مرآة كاملة للتركيبة السياسية اللبنانية المهترئة، وليس نتاجاً لرؤية مهنية إصلاحية أو لبرامج حقيقية قابلة للتنفيذ. تحالف المتنافسون، واحتفلوا بالإنجاز، وتناسوا أن الجسم النقابي لا يزال مريضًا، يشكو الأعراض ذاتها، بلا طبيب يملك الجرأة على التشخيص، وبلا معالج إلا أولئك المشعوذين الذين يمارسون طبّ السياسة لا طبّ المهنة.

إنها أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة نقابية. أزمة في فهم "المصلحة"، وفي قدرة الأطباء على رؤية أنفسهم كطليعة تغيير لا كصورة طبق الأصل عن واقع متفسّخ.

ما دامت الانتخابات تُخاض بعقلية التحاصص لا بعقلية الإنقاذ، فإن المآل معروف: سيبقى المرض مستفحلاً، ولن تتقدّم النقابة خطوة واحدة على طريق التعافي، لأن الطبيب الذي يُشخّص المرض بدقّة غائب، والطبيب الذي يُفترض به أن يُعالج… ساحرٌ يبيع الأوهام.