اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعدّ مرض السكري من الأمراض المزمنة التي تتأثر بعدّة عوامل جسدية ونفسية، ويُعتبر التوتر النفسي والقلق من أبرز هذه العوامل. في كثير من الأحيان، يركز الأطباء والمصابون بالسكري على النظام الغذائي وممارسة الرياضة وتناول الأدوية، ولكنهم قد يغفلون عن عامل أساسي لا يقل أهمية، وهو الصحة النفسية. فالتوتر لا يؤثر فقط على الحالة المزاجية، بل يمتد تأثيره ليشمل الجسم بأكمله، وخصوصًا عملية تنظيم سكر الدم.

عند التعرّض للتوتر أو القلق، يفرز الجسم هرمونات الإجهاد مثل الكورتيزول والأدرينالين. هذه الهرمونات تُعدّ جزءًا من استجابة الجسم الطبيعية للخطر، والتي تُعرف باسم "استجابة الكرّ والفرّ". تؤدي هذه الهرمونات إلى تحفيز الكبد لإفراز مزيد من الجلوكوز (سكر الدم) لتزويد الجسم بالطاقة اللازمة لمواجهة الموقف. لكن في حالة مريض السكري، لا يستطيع الجسم استخدام هذا السكر الإضافي بكفاءة بسبب نقص الإنسولين أو مقاومة الجسم له، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم.

ولا يقتصر تأثير التوتر على التغيّرات البيولوجية فحسب، بل يمتد ليؤثر بشكل مباشر وعميق على السلوكيات اليومية والعادات الصحية لمريض السكري. فحين يطغى التوتر على حياة الشخص، قد يفقد السيطرة على نمط حياته الصحي الذي يبذل جهدًا كبيرًا للحفاظ عليه. فعلى سبيل المثال، يُلاحظ أن العديد من المرضى يلجؤون إلى تناول الأطعمة الغنية بالسكريات أو الدهون كمصدر "للعزاء العاطفي"، وهي أطعمة تساهم في ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم. كما أن الشعور بالإرهاق الذهني أو الاكتئاب الناتج عن التوتر قد يؤدي إلى إهمال تناول الأدوية في مواعيدها أو عدم مراقبة مستويات السكر بانتظام.

بالإضافة إلى ذلك، قد يشعر المريض بالتعب المستمر أو فقدان الدافع، مما يقلل من رغبته في ممارسة الرياضة أو الحركة اليومية، رغم أنها تُعدّ من العوامل الأساسية في تنظيم سكر الدم. وفي بعض الحالات، قد يصل التوتر إلى حد العزلة الاجتماعية أو الانسحاب من الأنشطة التي اعتاد الشخص على ممارستها، مما يزيد من شعوره بالقلق والاكتئاب ويؤثر على جودة حياته بشكل عام.

من جهة أخرى، تُظهر الدراسات الحديثة أن العلاقة بين التوتر والسكري هي علاقة ثنائية الاتجاه. فكما أن التوتر يؤدي إلى اضطراب مستويات السكر، فإن ارتفاع مستويات السكر في الدم، خاصة إذا كان مزمنًا أو خارج نطاق السيطرة، قد يزيد من حدة التوتر والقلق لدى المريض. فيشعر بالإحباط والعجز، وتتراجع ثقته بقدرته على التحكم في مرضه، مما يضاعف الضغط النفسي ويضعه في دائرة مفرغة يصعب كسرها دون تدخل واعٍ ومخطط.

ولكسر هذه الحلقة السلبية، من الضروري أن يضع مريض السكري الصحة النفسية في مقدمة أولوياته. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اعتماد استراتيجيات فعالة لإدارة التوتر، مثل: ممارسة تمارين الاسترخاء التي تساعد على تهدئة الجهاز العصبي، كاليوغا والتأمل وتمارين التنفس العميق، بالإضافة إلى المشي المنتظم في الطبيعة الذي أظهر فعالية كبيرة في تحسين الحالة المزاجية. كذلك، يُنصح باللجوء إلى الدعم الاجتماعي سواء من الأصدقاء والعائلة أو من خلال مجموعات دعم مخصصة لمرضى السكري، إلى جانب الاستعانة بأخصائي نفسي في حال كانت أعراض التوتر شديدة أو مزمنة.

ولا يمكن تجاهل أهمية النوم الكافي والجيد، حيث أن قلة النوم تُعدّ من مسببات التوتر، وتؤثر على قدرة الجسم على تنظيم الإنسولين بشكل فعّال. كما أن تنظيم الروتين اليومي وتخصيص وقت للراحة والأنشطة المحببة للنفس يساهم في تعزيز التوازن النفسي والجسدي.

في الختام، من المهم أن ندرك أن إدارة مرض السكري لا تتعلق فقط بقياس السكر وتناول الدواء واتباع حمية غذائية، بل تتعدى ذلك لتشمل الاهتمام بالحالة النفسية للمريض. فالتوتر هو خصم صامت لا يظهر في نتائج التحاليل، لكنه يؤثر بعمق على مجرى المرض. ولهذا، فإن الاستثمار في الراحة النفسية وتقنيات إدارة التوتر ليس ترفًا، بل هو جزء جوهري من العلاج الشامل للسكري، وعنصر أساسي في الحفاظ على توازن صحي يُمكّن المريض من التعايش مع مرضه بوعي وثقة واستقرار.

الأكثر قراءة

لبنان أمام خطر المصير