اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


تعيش المرأة في العصر الحديث تحت ضغوط متزايدة ومتنوعة، تتراوح بين متطلبات العمل، والواجبات الأسرية، والضغوط المجتمعية، والتحديات الشخصية. وبينما يمكن للجسم أن يتعامل مع مستويات معتدلة من التوتر على فترات متباعدة، إلا أن الإجهاد المزمن، وهو التوتر المستمر والمكثف لفترات طويلة، له آثار عميقة في الصحة العامة، ولا سيما في الخصوبة والدورة الشهرية، وهما من أكثر الجوانب حساسية في جسد المرأة.

عندما يتعرض الجسم للإجهاد المزمن، يُطلق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين بشكل مستمر. هذه الهرمونات تؤثر بشكل مباشر في محور الهيبوثالاموس-الغدة النخامية-المبيض (HPO axis)، وهو المحور الذي ينظم إفراز الهرمونات الجنسية المسؤولة عن الدورة الشهرية والتبويض. ومع اضطراب هذا التوازن، قد تتأخر الدورة، أو تنقطع، أو تصبح غير منتظمة، مما يؤثر سلبًا في الخصوبة. وفي حالات أكثر تطرفًا، يمكن أن يؤدي التوتر المزمن إلى ما يُعرف بـ "انقطاع الطمث الوظيفي"، أي غياب الدورة الشهرية بسبب عوامل نفسية وهرمونية، وليس لأسباب عضوية.

إضافةً إلى ذلك، فإن الإجهاد يؤثر في نوعية البويضات لدى المرأة. فقد أشارت دراسات عديدة إلى أن النساء اللواتي يعانين من توتر مزمن ترتفع لديهن مستويات الالتهاب داخل الجسم، مما قد يضعف من جودة البويضات، ويقلل من فرص حدوث الحمل الطبيعي أو حتى نجاح تقنيات الإخصاب المساعد مثل أطفال الأنابيب. كما أن مستويات الكورتيزول المرتفعة تؤثر أيضًا في سمك بطانة الرحم، ما قد يُعيق انغراس البويضة الملقحة، ويُقلل من احتمالية استمرار الحمل.

التأثيرات لا تقف عند الجانب البيولوجي فقط، بل تمتد إلى السلوكيات اليومية والعادات الصحية. فالإجهاد المزمن غالبًا ما يُصاحبه اضطراب في نمط النوم، وتغييرات في الشهية، والإفراط في تناول المنبهات أو الأطعمة غير الصحية، إضافةً إلى انخفاض الرغبة في ممارسة الرياضة أو القيام بالأنشطة الاجتماعية. هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى تفاقم الخلل الهرموني وتضعف من الخصوبة أكثر.

أما من الناحية النفسية، فإن التوتر المرتبط بعدم الإنجاب أو تأخر الحمل يزيد بدوره من الضغط النفسي على المرأة، فيدخلها في حلقة مفرغة من القلق والإجهاد وفقدان التوازن الهرموني. وهذه الحلقة يمكن أن تُفاقم الأعراض، وتؤدي إلى مشاكل أعمق مثل الاكتئاب أو اضطرابات القلق، مما يجعل العلاج أكثر تعقيدًا.

ولكسر هذه الحلقة، يجب التعامل مع الإجهاد المزمن كعامل طبي حقيقي يؤثر على الصحة الإنجابية. يتطلب ذلك نهجًا شاملا يجمع بين الرعاية الطبية والدعم النفسي. يمكن أن يكون للعلاجات النفسية مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) أو تمارين الاسترخاء كالتأمل واليوغا دور فعّال في تقليل مستويات الكورتيزول وتحسين الحالة المزاجية. كما أن المشي المنتظم، والابتعاد عن مصادر التوتر، والتحدث مع مختص نفسي أو الانضمام إلى مجموعات دعم، كلها أدوات تساعد المرأة على استعادة توازنها الداخلي.

أخيراً، من المهم أن نُدرك أن الصحة الإنجابية للمرأة لا تعتمد فقط على التوازن الهرموني أو العوامل الجسدية، بل هي نتاج معقد لتفاعل العوامل النفسية والجسدية والاجتماعية. فالإجهاد المزمن، رغم كونه غير مرئي، يمكن أن يكون من أقوى العوامل التي تُعيق حدوث الحمل وتُربك الدورة الشهرية. ومن هنا، فإن رعاية النفس والتعامل الواعي مع التوتر ليس رفاهية، بل ضرورة صحية لكل امرأة تطمح الى حياة إنجابية سليمة ومتوازنة.