اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة عيد الأضحى من على منبر مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، بعد تأدية صلاة العيد، مؤكدًا أن العيد لا يمكن فصله عن واقع الإنسان ومعاناته، وأن الدين لا يُعزل عن أوجاع الناس وظروفهم القاهرة، مشدّدًا على أن جوهر العيد في الإسلام والمسيحية يتمثل في وصال الإنسان مع الله، وتحقيق العدالة، وتثبيت الأمن والأمان، والوقوف إلى جانب المظلومين والمضطهدين.

وقال قبلان: "لا يمكن فصل العيد عن محنة البشر، كما لا يمكن عزل الدين عن وجع الإنسان وخرائط كياناته وظروفه القاسية"، معتبرًا أن القضية الأساس هي الإنسان، بلقمة عيشه، وروحه، وعدالته، ونظامه السياسي والاجتماعي، محذّرًا من حضارة عالمية "تقوم على الاستغلال والاستهداف والاستنزاف ونهب الموارد وخراب الشعوب".

وأضاف أن اللحظة الآن هي "لحظة بين يدي الله"، وهي تفرض على الإنسان أن يراجع واقع الأرض وتوازناتها المأساوية، مؤكدًا أن جوهر الرسالات السماوية يقوم على "سماوية الإنسان وقيمته المقدّسة"، وأن لبنان اليوم "يدفع ثمن الصراع الدولي والإقليمي"، وهو ما يستوجب تضامن المسجد والكنيسة لحماية الإنسان وإنقاذ البلد من دهاليز السياسات المفروضة عليه.

وفي مداخلة مباشرة في الشأن السياسي، توجه قبلان إلى القوى السياسية والعائلة اللبنانية بالتأكيد أن لبنان ليس فقط في لحظة وطنية، بل يواجه لحظة إقليمية "غامضة وشديدة الخطورة"، داعيًا إلى "منع اللعبة الدولية من العبث بواقع البلد"، مشيرًا إلى أن الأمل معقود على "محبة الكنيسة ورحمة المسجد وحراس المصالح الوطنية"، محمّلًا الحكومة مسؤولية اتخاذ "سياسات وطنية تليق بحجم التحدي".

وفي موقف لافت من التصعيد الإسرائيلي، اعتبر أن ما تقوم به "إسرائيل" هو "طغيان وحشي وجرائم سيادية موصوفة، بدعم أميركي لا محدود"، معتبرًا أن الردّ الوطني يجب أن يكون "بالمزيد من التمسك بالمقاومة والالتفاف حولها"، لأنها تشكل "الخيار الوطني السيادي الوحيد"، مضيفًا أن "لا قيمة للبنان بلا قوة سيادية تكافح من أجل سيادته"، مشدّدًا على ضرورة أن تتخذ الدولة مواقف حازمة من "الضامن الأميركي الذي لا يجيد إلا الغدر".

وفي الشق العربي، خاطب المفتي قبلان الدول العربية بالقول: "لبنان قدّم لقضايا العرب أكثر مما قدّمه أي بلد آخر في الإقليم، وما قدّمته المقاومة يفوق مجمل ما قدمه العرب مجتمعين خلال نصف قرن"، محذّرًا من التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، وداعيًا إلى أن تصبّ الصداقات في مصلحة "العائلة الوطنية، لا في تمزيقها".

وتناول قبلان ملف الجنوب اللبناني، محذّرًا من تجاهله في هذه المرحلة الحساسة، واصفًا الجنوب بأنه "المنطقة الأخطر والأكثر رمزية في حماية لبنان"، ومذكّرًا باجتياح بيروت في حزيران 1982، وبانتفاضة 6 شباط التي قال إنها "استعادت الدولة من قبضة الاحتلال الإسرائيلي". وشدّد على أن "قيمة لبنان الوطنية تبدأ من الجنوب وتعود إليه"، كاشفًا أن "دولًا موثوقة في المنطقة أبدت استعدادًا فعليًا للشروع الفوري بورشة إعمار شاملة"، ومطالبًا الحكومة بـ"إجابة واضحة لشعبها"، ورافضًا ما أسماه "الالتزامات الدولية التي تمنع قبول عروض إعمار الجنوب والضاحية والبقاع"، معتبرًا أن هذه الالتزامات "تسعى لتمزيق لبنان وطمره بالأزمات".

اقتصاديًا، دعا المفتي قبلان إلى استنهاض القدرات الداخلية عبر "تحديث الأنظمة الاستثمارية، واستغلال أصول الدولة، وتشريك القطاع الخاص، وكبح مارد الفساد"، مشدّدًا على ضرورة دعم الصناعات الإبداعية والدوائية، وتحفيز المنصات الرقمية، معتبرًا أن "لا نهوض اقتصاديًا دون قضاء مستقل وفعالية حقيقية لقوانين مكافحة الفساد". كما شدّد على "رقمنة المعاملات الحكومية والدخول الجاد في العصر الرقمي"، محذرًا من أن الفشل في ذلك سيحول البلد إلى "خردة من فساد ورشوة وانهيار"، في بلد "بلا أنظمة اجتماعية، ولا قيمة تقاعدية، ولا سياسات رعائية وإنسانية، فيما الانتخابات على الأبواب".

وختم قبلان خطبته بالدعوة إلى الحفاظ على لبنان من خلال التمسك بخط المقاومة الوطنية، والتعاطي الجاد مع ملف الإعمار، وبلورة سياسات حكومية تواكب تحديات المرحلة، بما يضمن بقاء الدولة، وصون الكرامة الوطنية، والخروج من مستنقعات الفشل والانهيار.

الأكثر قراءة

لبنان أمام خطر المصير