اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

خلال رحلة جريئة عبر الغلاف الجوي للشمس، تمكن مسبار "باركر سولار" التابع لوكالة ناسا من تسجيل انفجار بلازمي ضخم يتجه نحو سطح نجمنا بدقة غير مسبوقة.

وهذه الملاحظات الفريدة كشفت عن مفاجآت علمية كبيرة، حيث رصد المسبار وجود بروتونات تحمل طاقة أعلى بنحو 1000 مرة من المتوقع، بالإضافة إلى تدفق غريب للبلازما يتجه نحو الشمس بدلا من الابتعاد عنها.

وتمكن المسبار من جمع هذه البيانات القيمة بفضل موقعه الاستراتيجي بين الشمس ومصدر الجسيمات، ما سمح للعلماء بتتبع مسارها بدقة. وتكشف هذه النتائج أن التشابكات المعقدة في المجال المغناطيسي الشمسي قادرة على تسريع الجسيمات المشحونة لسرعات هائلة تتجاوز بكثير ما كان يتوقعه العلماء بناء على قوة المجال المغناطيسي وحده.

ويعزو العلماء هذه الظواهر إلى عملية تعرف باسم "إعادة الاتصال المغناطيسي"، وهي آلية انفجارية تنكسر فيها الخطوط المغناطيسية وتعيد تشكيل نفسها في الغلاف الجوي الشمسي. وتحول هذه العملية الطاقة المخزنة في المجال المغناطيسي الشمسي إلى طاقة حركية تسرع الرياح الشمسية - تلك الجسيمات المشحونة التي تتدفق باستمرار من الشمس عبر النظام الشمسي.

ويعد فهم هذه الآلية أمرا بالغ الأهمية لتحسين توقعات الطقس الفضائي، الذي يؤثر بشكل مباشر على كوكبنا. فقد أظهرت الدراسات أن العواصف المغناطيسية القوية يمكن أن تعطل أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية، وتؤثر في شبكات الكهرباء، بل وتشكل خطرا على رواد الفضاء.

ومن الناحية التاريخية، يعتقد العلماء أن الطقس الفضائي المتطرف أدى دورا رئيسيا في تجريد المريخ من غلافه الجوي، محولا إياه من عالم قد يكون صالحا للحياة إلى صحراء جليدية قاحلة.

وما يجعل هذه الاكتشافات أكثر إثارة هو أنها تتحدى العديد من الافتراضات السابقة حول سلوك المجال المغناطيسي الشمسي. فالشمس، بغلافها المغناطيسي المعقد والديناميكي، تطرح تحديات كبيرة أمام العلماء الذين يحاولون نمذجة سلوكها. ورغم التقدم الكبير في الحوسبة الفائقة، تبقى التوقعات تقريبية بسبب ضخامة وتعقيد النظام الشمسي.

وهنا يأتي دور مسبار باركر كأداة فريدة من نوعها. فبعد أن أصبح أول مركبة فضائية "تخترق" الهالة الشمسية (الغلاف الجوي الخارجي للشمس)، وفر المسبار ثروة من البيانات الدقيقة عن المجالات المغناطيسية والجسيمات في هذه المنطقة الغامضة. وقد بدأت هذه البيانات بالفعل تحدث ثورة في فهمنا للغلاف الشمسي - تلك الفقاعة المغناطيسية العملاقة التي تحيط بالنظام الشمسي بأكمله.

وقال الدكتور ميهير ديساي، المؤلف الرئيسي للدراسة، ومدير قسم أبحاث الفضاء في معهد "ساوث ويست ريسيرش"، في بيان: "تشير هذه النتائج إلى أن إعادة الاتصال المغناطيسي مصدر مهم للجسيمات النشطة في الرياح الشمسية القريبة من الشمس. حيثما توجد مجالات مغناطيسية، ستحدث عملية إعادة الاتصال. لكن المجالات المغناطيسية للشمس أقوى بكثير بالقرب من النجم، لذا هناك طاقة مخزونة أكبر بكثير يتم إطلاقها".

وأشار العلماء إلى أن فهم آلية أحداث إعادة الاتصال المغناطيسي يمكن أن يساعد العلماء في التنبؤ بشكل أفضل بالطقس الفضائي الضار.

ومع استمرار النشاط الشمسي في ذروته خلال الدورة الحالية، تبرز أهمية المهمات مثل "باركر سولار بروب" في توفير البيانات التي تساعدنا على فهم وتوقع هذه الأحداث المدمرة.

وتعد أحدث قياسات إعادة الاتصال المغناطيسي واحدة من العديد من الاكتشافات الجديدة التي حققها مسبار باركر. فمنذ إطلاقه، ساهم المسبار في نشر أكثر من 700 بحث علمي خضع لمراجعة الأقران،

ففي عام 2023، نشر أكثر من 700 بحث علمي خضع للمراجعة باستخدام البيانات التي جمعها المسبار في أول أربع سنوات من عمله، وما زال هناك المزيد من الاكتشافات في الطريق.

وقد أكملت المركبة الفضائية ثاني تحليق قريب للغاية من الشمس في 22 اذار الماضي، حيث اقتربت إلى مسافة 6.1 مليون كم (3.8 مليون ميل) من سطح الشمس – مسجلة بذلك رقما قياسيا مماثلا لتحليقها القريب في كانون الاول 2024.

ومع كل مدار تقترب فيه مركبة باركر أكثر من نجمنا، تعدنا بالمزيد من المفاجآت التي ستغير فهمنا للشمس وتأثيرها في نظامنا الشمسي.

الأكثر قراءة

القصة الكاملة لملف فادي صقر... أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل في سوريا