اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


يُعتبر الحمل والولادة من أكثر المراحل الحيوية في حياة المرأة، حيث يخضع الجسم خلالها لتحولات فسيولوجية وهرمونية كبيرة تهدف إلى دعم الجنين وتوفير البيئة المثالية لنموه. وبينما تتركز معظم النقاشات حول التغيرات الهرمونية والوزنية والجهاز المناعي، تغيب في كثير من الأحيان مسألة تأثير الحمل والولادة على صحة العظام، رغم أن العظام تُعد من أولى الأنسجة التي تتأثر نتيجة التغيرات التي تحدث خلال هذه المرحلة.

خلال الحمل، يحتاج الجنين إلى كميات كبيرة من الكالسيوم لبناء هيكله العظمي، خصوصًا في الثلث الثالث من الحمل حيث يزداد النمو العظمي بشكل ملحوظ. وفي حال عدم توفر الكالسيوم الكافي من النظام الغذائي اليومي للمرأة الحامل، يبدأ الجسم في سحب الكالسيوم من مخزون الأم، وتحديدًا من عظامها، لتلبية احتياجات الجنين. ورغم أن هذا الأمر يحدث بشكل طبيعي وآمن في معظم الحالات، إلا أن تكرار الحمل أو سوء التغذية قد يؤديان إلى فقدان كثافة العظام مع مرور الوقت، مما يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام لاحقًا.

ولا يقتصر التأثير على مرحلة الحمل فقط، بل يمتد إلى فترة الرضاعة الطبيعية أيضًا. إذ يزداد استهلاك الكالسيوم بشكل كبير في هذه المرحلة نتيجة انتقاله إلى حليب الأم. وتُظهر بعض الدراسات أن المرأة يمكن أن تفقد ما يصل إلى 3% إلى 5% من كتلتها العظمية خلال فترة الرضاعة، خاصة إذا استمرت لفترة طويلة دون تعويض غذائي كافٍ. وعلى الرغم من أن الكثافة العظمية عادةً ما تعود إلى طبيعتها بعد الفطام، فإن بعض النساء قد لا يستعدن كامل الكتلة العظمية، لا سيما في حال وجود عوامل خطر أخرى مثل قلة النشاط البدني أو عدم تناول مكملات غذائية مناسبة.

إلى ذلك، تلعب الهرمونات دورًا رئيسيًا في هذه المعادلة. فهرمون الإستروجين، الذي يحمي العظام ويحافظ على كثافتها، ينخفض بشكل ملحوظ بعد الولادة وخلال الرضاعة، مما يجعل العظام أكثر عرضة للضعف المؤقت. لذلك، من المهم الانتباه إلى النظام الغذائي المتبع خلال هذه المراحل، وضمان الحصول على كميات كافية من الكالسيوم وفيتامين D، إلى جانب ممارسة الرياضة المناسبة لتقوية العظام.

من هنا تبرز الحاجة إلى التوعية بأهمية العناية بصحة العظام خلال وبعد الحمل. يجب على النساء الحوامل أو المرضعات أن يتناولن أطعمة غنية بالكالسيوم مثل الحليب ومشتقاته، الخضروات الورقية، المكسرات، والأسماك. كما يُوصى بمراقبة مستويات فيتامين D، والتعرض الآمن لأشعة الشمس لدعم امتصاص الكالسيوم. وفي بعض الحالات، قد يصف الأطباء مكملات غذائية لتعويض النقص ومنع أي تأثير سلبي طويل الأمد على صحة العظام.

في النهاية، يُعد الحمل والولادة مرحلتين تتطلبان من المرأة عناية مضاعفة بصحتها العامة، وبصحة عظامها بشكل خاص. فالعناية المبكرة والمستمرة بصحة العظام تُعد استثمارًا طويل الأمد في جودة الحياة، وتُقلّل من خطر الإصابة بأمراض مثل هشاشة العظام والكسور في المراحل اللاحقة من العمر.

الأكثر قراءة

القصة الكاملة لملف فادي صقر... أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل في سوريا