في لبنان البلد الغارق بأزماته المزمنة على اختلاف أنواعها، إن كانت سياسية اقتصادية او اجتماعية منذ عقود، بسبب الفساد وسوء الإدارة والإهمال والمناكفات السياسية والطائفية، تطفو اليوم على السطح مشكلة جديدة - قديمة تهدد حياة المواطنين اللبنانيين يوميا، وهي الأنفاق غير الآمنة، وعلى رأسها نفق شكا الذي تحول إلى مصيدة للموت، ورمز حي للإهمال المزمن والانهيار المؤسساتي.
نفق شكا، الرابط الحيوي بين الشمال وبيروت، يعتبر من أبرز الأمثلة على تدهور البنية التحتية في لبنان، حيث يشكل تهديدا حقيقيا لحياة المواطنين. فعلى مدى السنوات الماضية، سجل النفق عشرات الحوادث المأسوية التي تراوحت بين انزلاقات مميتة واصطدامات كارثية.
منذ أعوام يعاني نفق شكا من غياب الصيانة الدورية، حيث يترك النفق عرضة لتراكم المياه وتشقق الجدران، وسقوط الحجارة أحيانا، إضافة إلى انعدام التهوية الذي يؤدي إلى تكدس دخان السيارات، ما يشكل خطرا صحيا وبيئيا، وسوء الإنارة التي تجعل الليل والنهار متساويين داخله، كلها عوامل تؤدي إلى مفاجآت قاتلة، إضافة إلى غياب الرقابة المرورية وندرة الدوريات، لتنظيم السير أو التدخل السريع في حالات الطوارئ.
"يا رب أطلع عايش"
أصوات الناس الغاضبة والخائفة تصدح من النفق. عبير وهي موظفة في إحدى الشركات الخاصة في بيروت، تؤكد خوفها عندما تقطع النفق "عن جد صرنا نخاف نموت نحنا ورايحين أو راجعين من شغلنا"، مضيفة "الأنفاق ببلاد العالم بتسهل حياة الناس، عنا بلبنان بتحسها كمين"!
ويوافقها خليل وهو موظف أيضا بقوله " صارلي 15 سنة بسوق على هيدا الطريق، ما بتذكر مرة حسيت بالأمان فيه، دايما بتخاف من شي حجرة توقع، أو سيارة تطلعلك بالعتمة، معقول ما حدا قادر يركب إنارة أو مروحة. يا عيب الشووم شو بدها القصة"؟
أما جورج وهو طالب جامعي يمر يوميا بالنفق فيؤكد أنه " في كل مرة بمرق من النفق بقول يا رب أطلع عايش"، مضيفا "كل فترة منسمع عن حادث، وكل مرة منقول صار لازم يتحركوا بس للأسف، حتى الموت بلبنان صار خبر عابر"!
السلامة المرورية مسؤولية وطنية
من جهتها، أعربت جمعية "اليازا" للسلامة المرورية في بيان لها عن بالغ قلقها إزاء الوضع الخطر والمتدهور في نفق شكا، وناشدت الجهات المسؤولة وعلى رأسها: نواب المنطقة ووزير الأشغال العامة والنقل ووزير الطاقة، للتحرك الفوري والعاجل لصيانة النفق وتأهيله بما يضمن سلامة مستخدميه، ووضع حد للمآسي المتكررة على هذا الطريق الحيوي".
وأوضحت الجمعية "أن النفق الذي يعد ممرا حيويا، ويشهد حركة مرور كثيفة يوميا، يعاني من إهمال مزمن منذ أكثر من عام، ما يجعله يشكل تهديدا مباشرا لسلامة المواطنين"، وأوضحت أن "النفق الذي يشهد حركة مرورية كثيفة يوميا، يفتقر إلى الإنارة الداخلية، مع تعطل كامل لأنظمة التهوية (توربينات الهواء)، مما يزيد من مخاطر الاختناق وضعف الرؤية، إضافة إلى ذلك فإن العواكس الضوئية مغطاة بطبقات من الغبار وفقدت فعاليتها، في حين أن جدران النفق متسخة وتحتاج إلى تنظيف وصيانة شاملة".
وأشارت الجمعية في بيانها إلى أنه "رغم الحوادث المتكررة داخل النفق، والتي أدت إلى سقوط ضحايا وإصابات، لم تُتخذ أي خطوات فعلية لمعالجة هذا الوضع الخطر"، مؤكدة أن "السلامة المرورية مسؤولية وطنية لنعمل معًا لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح".
يشار إلى أن نفق شكا يعد من أطول الانفاق في لبنان، حيث يبلغ طوله حوالي 1.2 كيلومتر (لكل نفق، لأن الطريق مزدوج)، وهو نفق بحري يقع في منطقة شكا شمال لبنان على الأوتوستراد الساحلي الرابط بين بيروت وطرابلس، ويعرف بكونه طريقا بحريا يربط بين البترون وطرابلس، تم بناؤه في عام 1942 بواسطة الجيش الإنكليزي، وكان الهدف منه توفير طريق بديل لـ "رأس الشقعة"، الذي كان يتعرض لتساقط الصخور.
فخ قاتل
نفق شكا ليس مجرد نفق، بل ناقوس خطر يقرع كل يوم، فالحوادث داخله لم تعد استثناء بل باتت واقعا متكررا، ورغم تسجيل عشرات الحوادث المميتة داخله، والتي كان يمكن تفاديها لو قامت الجهات المعنية بدورها، لكن لا تحرك جدي من الجهات المعنية، بل المزيد من التجاهل وسط غياب للصيانة الدورية أو الطارئة.
الطرقات في أي بلد تمثل شرايين الحياة، لكن في لبنان أصبحت مسرحا للموت البطيء، ففي الشهر الأول من العام الحالي لقي سائق دراجة نارية ، المدعو إبراهيم ميقاتي من سكان طرابلس - خان العسكر، مصرعه بعد تعرضه لحادث سير مروع في شكا، وهو لم يكن الضحية الأولى في هذا النفق المميت، إضافة إلى الانهيارات في حائط النفق، حيث تسبب انهيار جزء من حائط بعد نفق شكا باتجاه بيروت في العام الماضي، بازدحام مروري على الأوتوستراد دون إصابات، خلال عملية بناء جدران الدعم من قبل إحدى الشركات، كما أدى انهيار الجبل عام 2019 على اوتوستراد شكا، المدعم بحائط ويبلغ عمره أكثر من 60 عاما، إلى سقوط 3 جرحى... وهذا غيض من فيض.
يشار إلى أن انهيار جبل شكا كان نتيجة طبيعية لتراكم الإهمال من العام 1983، تاريخ وضع الأوتوستراد قيد العمل، حيث إنه ومنذ ذلك الوقت كانت وزارة الأشغال تكتفي فقط برفع الردميات عن الأوتوستراد، إضافة إلى التربة الرخوة، وانعدام التشجير نظرا الى انحدار الموقع، وانعدام الصيانة، فكلها أسباب أدت الى الانهيار المحتم بحسب الخبراء، وترى بعض الآراء في تفجيرات سد المسيلحة، وتفجيرات شركة "هولسيم" وما نتج منهما من ارتجاجات، زادت في "فوخرة تراب الجبل".
هذا النفق الذي يفترض أن يكون شريانا حيويا، أصبح فخا قاتلا بسبب الإهمال المستمر.
إنقاذ النفق لا يحتاج الى معجزات
وفي هذا السياق حذر رئيس جمعية "اليازا" زياد عقل من "كارثة إن لم يتم التدخل العاجل"، مشيرا إلى أن "الوضع في النفق غير مقبول إطلاقا، ويهدد حياة آلاف المستخدمين"، ويرى أن "كافة الطرقات وخصوصا الدولية منها وحتى الساحلية، وليس فقط شكا، تحتاج إلى الصيانة". وذكّر أنّه "عندما استحصل لبنان على قرض من البنك الدولي بقيمة 200 مليون دولار أميركي فريش لصيانة الطرقات العامة الدولية، لم تنفَق هذه الأموال بالشكل المناسب، إذ توزعت على المناطق وفق المحاصصة، وأجريت الصيانة في مناطق بحاجة إلى صيانة، لكن الحاجة لم تكن ملحة".
يشار إلى أن هناك في لبنان مشاريع أنفاق غير منفذة أو معلقة، كنفق شتورا (أو نفق شطا) الذي لا يزال في مرحلة الوعود والدراسات منذ سنوات، والهدف منه كان ربط سهل البقاع بجبل لبنان عبر نفق جبلي لتخفيف زحمة ضهر البيدر. ومن المشاريع التي لم تنفذ إلى اليوم مشاريع أنفاق في بيروت الكبرى (ضمن خطة النقل) ، حيث طرحت أنفاق ضمن خطط تطوير النقل العام (مثل مترو بيروت أو نفق الدورة) لكنها لم تنفذ.
و يبقى نفق شكا شاهدا على الإهمال المستمر للبنية التحتية في لبنان، مما يستدعي تحركا عاجلا من السلطات المعنية لضمان سلامة المواطنين. فالطرقات ليست وسيلة نقل فقط ، بل شرايين حياة والإهمال فيها يساوي القتل البطيء. كما ان غياب الحلول الجذرية، يُبقي حياة المواطن اللبناني عرضة للخطر، سواء على الطرقات أو في الأنفاق التي من المفترض أن تحميه من المخاطر البيئية، لا أن تتحول إلى أفخاخ مميتة تحت الأرض. فإنقاذ النفق لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى قرار جريء وشجاع من الجهات الرسمية لتتحمّل مسؤولياتها، فهل يعقل أن تبقى حياة الناس مهددة بهذا الشكل دون أي خطة إصلاح واضحة؟ أنقذوا الأرواح قبل فوات الأوان.
يشار إلى أنه ورغم أن لبنان ليس دولة غنية بشبكة أنفاق واسعة كالتي نراها في الدول المتقدمة، إلا أنه يمتلك مجموعة أنفاق تعتبر أساسية في ربط مناطقه الجغرافية الصعبة، حيث يوجد حوالى 3 إلى 5 أنفاق رئيسية تستخدم لربط المناطق الجغرافية الصعبة، بسبب طبيعة التضاريس اللبنانية (جبال وسهول)، أبرزها إضافة إلى نفق شكا الأطول والأخطر حاليا:
- نفق نهر الكلب على أوتوستراد بيروت – جونية، ويبلغ طوله حوالى 600 إلى 800 م، حيث يمر في منطقة جبلية ويستخدم بكثافة من قبل السيارات المتجهة شمالا.
- نفق البربارة على الطريق الساحلي شمال بيروت، الذي أنشىء لتسهيل المرور في منطقة وعرة قرب بلدة البربارة، وهو بطول أقل من 1 كم.
- نفق خلدة – عرمون ضمن أوتوستراد الجنوب. وهي أنفاق صغيرة ضمن مشروع تطوير الأوتوستراد الساحلي الجنوبي، لكن لا تصل إلى طول نفق شكا.
يتم قراءة الآن
-
الحرب التدميرية على إيران هدفها تغيير وجه المنطقة الغارات «الاسرائيلية» طالت القيادات والمنشات الصاروخية والنووية والمطارات إيران تدك العمق «الاسرائيلي» ودمار غير مسبوق في تل أبيب
-
القصة الكاملة لملف فادي صقر... أحد أكثر الأسماء إثارة للجدل في سوريا
-
ليكن الشرق الأوسط هو جهنم
-
بالصور... دمار غير مسبوق في منطقة تل أبيب
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
16:52
مفتي سلطنة عمان: مما يثلج الصدور أن تتوالى من أنحاء العالم قوافل الإغاثة وفك الحصار عن أرض غزة العزيزة الصامدة
-
16:51
مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد الخليلي: رد إيران الحازم أثلج صدورنا
-
16:51
مفتي سلطنة عمان: رد إيران فتح باب الأمل بأن ينتهي الاحتلال الصهيوني للأراضي المقدسة إلى غير رجعة
-
16:50
إعلام إيراني: مقتل عنصرين من الباسيج في ضربة إسرائيلية على إيران
-
16:47
فضل الله: الاعتداءات الإسرائيلية قائمة على الأرض اللبنانية ونحن معنيون بالوقوف موقفاً واحداً لمواجهة المشروع الإسرائيلي
-
16:45
فضل الله: العدوانية الإسرائيلية تستهدف الجميع ونرى النهج التوسعي الإسرائيلي اليوم في سوريا
