اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


ليست كل عودة إلى بيروت تشبه الأخرى. فبعضها لا يُقاس بالمسافات، بل بالحنين، وبعضها لا يحدث بالجسد، بل في عمق الذاكرة والروح.

هكذا تعود الفنانة اللبنانية-الأميركية ماغدة شعبان إلى مدينتها، حاملةً وجوهًا وقصصًا وألوانًا، في معرض فردي بعنوان "Beirut, I’m Back" تحتضنه Rebirth Beirut، كتحية شخصية ووطنية لعاصمة ما زالت، رغم كل شيء، مصدرًا دائمًا للإلهام.

وفي حديث لـ"الديار" قبيل افتتاح المعرض، قالت شعبان إن "هذا هو معرضي الفردي التاسع. وقد أصدرت حتى اليوم ثلاثة كتب، كان آخرها العام الماضي، وتزامن توقيعه مع أحد معارضي".

وأكّدت أن العودة إلى بيروت ليست فقط جسدية، بل فنية وعاطفية أيضًا، فـ"بيروت ما زالت مصدر إلهامي الدائم، وسأواصل رسمها وكتابتها بكل حب".

واللافت في تجربة ماغدة أن بيروت لا تظهر فيها كمدينة مجرّدة أو خلفية صامتة، بل ككائن حي نابض، يتجسد في شخصيّتين رمزيتين تكرّرهما في أعمالها: رجل يرتدي الطربوش، وامرأة مميزة بشعرها الملفوف "بالبيغودي أو الشنيون".

وأشارت شعبان إلى أن الشخصيتين "يرتديان ملابس مرسوم عليها بيروت نفسها – المدينة، مناظرها، وجوهرها. تحمل أزياؤهم روح المدينة بكل تفاصيلها. فأنا أراهما يعيشان الحياة اليومية كما نعرفها: يأكلان الفشار، يتمرّنان في نادٍ رياضي، يختبران لحظات بسيطة لكنها تنبض بروح بيروت. فبالنسبة إليّ، تكمن حياة هذه المدينة في التفاصيل الصغيرة التي تجمعنا جميعًا".

ويمثّل هذا المعرض مرحلة مهمّة في حياة شعبان، إذ أنه إعلان عودتها الدائمة إلى لبنان، وتمثّل كل قطعة الأشياء التي اشتاقت إليها في بيروت خلال فترة غيابها عنها.

وأكّد شعبان أن "هذا المعرض لن يتكرّر، من حيث الأعمال التي يتضمنها، فهي فريدة، من حيث نحت إطارات اللوحات على شكل نافذات الطائرة، والتي بحد ذاتها تختلف من إطار إلى آخر، كما تختلف من لوحة إلى أخرى".

وتعدّ نافذة الطائرة أحد أبرز العناصر البصرية في المعرض التي تستخدمها الفنانة كإطار رمزي يتكرّر في عدد من اللوحات، ويعود سبب ذلك وفق شعبان إلى أن "اللبناني مرتبط بهذه النافذة. من خلالها نرى مدينتنا، نزورها، نغادرها، ونحلم بالعودة إليها. هي إطار حميمي وصامت، لكنه يقول الكثير".

وأملت شعبان بأن يأخذ المعرض حقه من الاهتمام والتفاعل، وأن ينال إعجاب الجميع، إذ يمثّل فكرة جديدة، وعبارة عن احتفالية بالعودة إلى بيروت.

وتابعت أننا "نلاحظ أن اللون الأزرق يهيمن على معظم الإطارات. إنه لون الأمل، وهو تمامًا ما أراه في بيروت – لؤلؤة المتوسّط. أردت أن أُظهر هذا الجانب من المدينة".

وأكّدت شعبان بالحديث عن أعمالٍ مستقبلية أنها ستستمر في "رسم بيروت والكتابة عنها بأفضل ما أستطيع، بكل ألوانها، وبكل ما فيها من جمال".

ويأتي المعرض ضمن سلسلة من الفعاليات الثقافية التي ينظّمها مركز Rebirth Beirut، الذي أُسس بعد كارثة انفجار المرفأ بهدف إعادة الحياة إلى قلب العاصمة. وبدعم من فنانين ومؤسسات وأفراد من الشتات، يسعى المركز إلى إبراز بيروت كمدينة لا تخبو فيها نار الإبداع، رغم كل العتمة.

كما أشارت شعبان إلى أن "جزءًا من ريع هذا المعرض سيُخصَّص لدعم مركز Rebirth Beirut"، في لفتة تعبّر عن التزامها بالمساهمة في استمرارية هذا الفضاء الثقافي الذي يحتضن الإبداع وسط مدينة لا تزال تبحث عن نفسها بين الركام والنور.

ويبرهن معرض "Beirut, I’m Back" أن بيروت ليست مجرد مكان نعود إليه، بل قصة نعيشها ونعيد رسمها بألوان الأمل والحنين، وعبر شخصياتها وألوانها، تذكرنا بأن المدينة رغم كلّ الجراح تبقى نابضة بالحياة. 

الأكثر قراءة

أيام للتاريخ في الشرق الأوسط