اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


هذا وقت مثالي لكي تحدث القفزة الايرانية الأخيرة (قفزة اليورانيوم المنضّد)، وتظهر القنبلة النووية في أيدي آية الله خامنئي، بعدما بدا أن الغاية من كل ما يحصل ليس الحاق ايران وحدها بالقاطرة الاسرائيلية، وانما كل بلدان المنطقة، بعدما ارتضى السلطان العثماني أن يكون الحصان الأميركي، بل وأن يكون ... الحصان "الاسرائيلي" !

متى يدرك الكثيرون منا اننا في مواجهة ظاهرة بربرية لا نظير لها في التاريخ. غريب ذلك النائب الطرابلسي الذي لا يعرف ما هي طرابلس، في الهوية وفي الرؤية، حين يدافع عن اسرائيل، ويهاجم ايران، التي قد لا نكون معها، ولكن من المستحيل أن نكون مع اسرائيل، ولا مع أميركا التي، بالصوت العالي، نؤمن بمسارها العبقري، في صياغة مفاهيم، وأساليب، جديدة للحياة البشرية، وللحضارة البشرية . المشكلة في طريقة تعاملها معنا كعرب، بالذات، من "مبدأ ايزنهاور" لملء الفراغ في الشرق الأوسط، أي تفريغنا من كل ديناميات القوة، الى "مبدأ ترامب" وحيث الاستنزاف المروع للثروات العربية. والأخطر تسليمنا كخردة بشرية الى حاخامات القرن.

قد نتحمل الغطرسة الأمبراطورية. الأميركيون لا يستطيعون الا أن يكونوا على شاكلة الأمبرطوريات الأخرى، عبر الأزمنة. لكننا أمام أمبراطورية من نوع آخر، وتمسك، حتى بأطباقها، وبرقصاتها، وبأزيائها، ناهيك عن الشبكة العنكبوتية، بكل مفاصل الكرة الأرضية، وكان يفترض الاّ تنظر الى الأمم الأخرى بعيون رعاة البقر، وانما بعيون الأنبياء، كما كان يقول توماس جيفرسون، ثالث رئيس للولايات المتحدة، وقد شارك، بشكل فاعل، في صياغة الدستور الأميركي.

ايضاً يمكن أن نكون بعيدين ـ ونحن بعيدون فعلاً ـ عن المسار الايديولوجي، وحتى عن المسار الجيوسياسي، للجمهورية الاسلامية، لكننا لا نستطيع الا أن نقف الى جانبها، كما كانت الى جانبنا في سنوات القتال ضد الاحتلال، في مواجهتها للدولة التي، والشواهد أكثر من أن تحصى، قامت على ثقافة الدم، وثقافة الاجتثاث، دون الاكتراث لا للقوانين الدولية، ولا للمواثيق الدولية، ودائماً بتغطية أميركية تتعدى كل المعايير الأخلاقية في العلاقات بين الدول.

دولة لا تستسيغ، بالخلفيات اللاهوتية، الاقامة الا بين الجماجم. هكذا قال الههم، الذي بنصيحة من عرب جنوب الجزيرة، حوله العبرانيون من اله قبلي الى اله كوني (كيف للاله الكوني أن يقول بالشعب المختار ؟)، وهكذا قال أنبياؤهم. وهكذا باستطاعتها أن تصنع القنبلة، وأن تملك مئات الرؤوس النووية، في منطقة يحظر عليها حتى انشاء مفاعلات نووية. وهذه حال ايران التي قال السفير الأميركي في اسرائيل مايكل هاكابي أنها، ببرنامجها النووي، تهدد أمن الولايات المتحدة، والخليج، والعالم، دون أن يوضح لنا سعادة السفير كيف يتعايش الرئيس دونالد ترامب مع كيم جونغ ـ أون التي تلامس صواريخه النووية شوارع لوس أنجلس وسان فرنسيسكو، بعدما كان قد هدد بازالة كوريا الشمالية من الوجود، لنفاجأ به يرقص التانغو مع الرفيق كيم.

تلك الكوميديا البلهاء. القنبلة الايرانية، لا القنبلة الروسية، ولا القنبلة الصينية، ولا القنبلة الهندية، ولا حتى القنبلة الباكستانية، هي وحدها التي تهدد أمن العالم، فقط لأنها ضد المشروع الاسرائيلي الذي يقضي بتغيير الشرق الأوسط، وكما قال هاكابي اياه، برؤية (وأبعاد) توراتية.

هؤلاء الذين استوحوا صورة من "سفر العدد"، لتظهر مدى جنونهم، ومدى دمويتهم، في تسمية العملية العسكرية ضد ايران بـ "الأسد الصاعد". النص يقول "هوذا شعب عظيم يقيم كأسد عظيم، ويرتفع كشبل أسد، لا ينام حتى يأكل فريسته، ويشرب دم القتلى"، الا اذا كان الهدف الايحاء بتحطيم رمز روستام، البطل في الميثولوجيا الفارسية، أو تحطيم اسد قوروش الذي أنقذ اليهود من السبي البابلي.

أليس ما قاله النص ينفذه الاسرائيليون في غزة، وفي لبنان، وحتى في سورية التي رفع رئيسها الرايات البيضاء على ضفاف بردى، ومد يده (وهي يد اسلام الكهوف) الى رئيس الحكومة الاسرائيلية. بالمناسبة، هاكابي قال "كانت الليلة (الايرانية) قاسية في اسرائيل، واضطررت للذهاب الى الملاجئ خمس مرات خلال الليل".

لا باس أن يسقط عشرات آلاف القتلى في العراء على أرض غزة، وأن تطارد الطائرات الاسرائيلية، بوتيرة يومية قاتلة، اللبنانيين وهم في الطرقات. لسنا القتلة، ولسنا عشاق الدم، ولكن لا بد من قوة تستطيع، وان بذلك الثمن الباهظ، توقف المسار الهيستيري الراهن، وحيث يبدو ترامب الذي رفع شعار وقف الحروب، والصراعات، يستخدم نتنياهو علناً لكي يفتح أمامه، وبالدم، كل أبواب الشرق الأوسط.

يسرائيل كاتس، وزير الدفاع، بالشخصية الكلاسيكية الباهتة، قال ان "النظام الايراني تجاوز الخطوط الحمر باطلاق الصواريخ على الجيهة الداخلية، وسيدفع الثمن".

ولكن متى لم تدفن القاذفات الاسرائيلية آلاف اللبنانيين والفلسطينيين تحت أنقاض منازلهم؟ لكننا نقول للايرانيين، بالخسائر الهائلة في البنية البشرية، وفي البنية التكنولوجية، للبرنامج النووي، وكذلك في هرمية القيادة العسكرية، لا يكفي أن يكون الرد ثأريا، أو آنيا، أو تكتيكيا.

انها الأيام الفاصلة، والى حد الاقتراب من اللحظة النووية، بين اما أن يكون الشرق الأوسط لأهله أو يكون للحاخامات. ايضاً لرعاة البقر...

الأكثر قراءة

أيام للتاريخ في الشرق الأوسط