حرب خفية تشن على فئة الشباب في لبنان الغارق في أزمات لا تعد ولا تحصى منذ عقود، ففي ظل التحديات السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي تواجهها البلاد، تظهر أزمة ربما يعتبرها البعض أزمة عابرة لكونها لا تحظى بالقدر ذاته من الاهتمام الإعلامي أو السياسي كالأزمات الكبرى، لكن انتشارها كالنار في الهشيم بين فئة الشباب يجعلها من أخطر الظواهر التي تقوض صحة الشباب وتهدد مستقبله، وتحول طاقته إلى أدوات مدمرة بدلا من أن تكون محركا للتغيير والبناء، ففي السنوات الأخيرة، شهدت الأوساط الرياضية، لا سيما بين فئة الشباب، استخدام المنشطات الرياضية تحت مسمى "اللياقة"، التي لم تعد مقتصرة على المحترفين أو الرياضيين النخبويين، بل تسربت إلى النوادي الرياضية، وحتى بين طلاب المدارس والجامعات، مما يدفعنا اى دق ناقوس الخطر امام هذه الظاهرة المقلقة.
يعرف تعاطي المنشطات المحظورة دوليا على أنه استخدام مواد أو طرق لها القدرة على تحسين الأداء، وذات تأثير ضار على الصحة، وظهرت أول حالة موثقة للمنشطات في عام 1886 عندما توفي دراج بريطاني في سباق باريس بوردو بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المنشطات.
نقابة الصيادلة في لبنان كانت السباقة في دق ناقوس الخطر، حيث حذر نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم من انتشار هذه الظاهرة، ودعا "الأجهزة الأمنية والقضائية والوزارات المعنية إلى التحرك العاجل في وجه بيع المنشطات من دون ضوابط، سواء داخل الأندية الرياضية أو عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ووضع حد لهذا التفلت، ومحاسبة كل من يروج أو يسهل وصول هذه المواد إلى أيدي الشباب"، مؤكدا أن "هذه المواد تفتح الباب على مصراعيه أمام الإدمان، وتزيد من خطر الإصابة بالسكتات الدماغية، والنوبات القلبية، والانسداد الرئوي، وحتى القصور الكلوي"، كما دعا "الصيادلة إلى الامتناع عن صرفها في الصيدليات حفاظا على سلامة المواطنين، خصوصا فئة الشباب الأكثر استهدافا بها".
الدكتورة غاييل الشاعر مارديني دكتور في الصيدلة السريرية ومتخصصة في علم الجلد أكدت لـ "الديار" أنه "في لبنان، تتوافر عدة انواع من المنشطات الرياضية في بعض الصيدليات او تباع بشكل غير قانوني داخل النوادي الرياضية، ورغم استخدامها لتحسين الاداء وبناء العضلات، فان لها آثارا جانبية خطرة على الصحة، خاصة عند استخدامها دون اشراف طبي"، مضيفة "المنشطات الرياضية على عمومها هي هرمونات ومواد تنتج في الجسم طبيعيا وتقوم بتحفيز بناء أنسجته وتطورها، متعاطي هذه المواد يقومون بتزويد أجسامهم بها بتركيز مرتفع من مصدر خارجي، مثل الحقن، معتقدين أنهم بهذه الطريقة سيزيدون حجم عضلاتهم وقوتها إلا أنهم يجهلون اضرارها".
يشار إلى أنه في عام 1999، تأسست الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) بهدف قيادة أعمال التنسيق للجهود الدولية للقضاء على استخدام المنشطات في الرياضة، ويتمثل دور الوكالة الرئيسي في وضع القواعد والسياسات المتعلقة بمكافحة استخدام المنشطات في جميع الرياضات وتنسيقها.
وشددت الدكتورة الشاعر إلى أنه للحصول على نتائج سريعة لا بد من اختيار البدائل الطبيعية الامنة مثل التغذية الصحية المتوازنة، المكملات الطبيعية الامنة مثل الكرياتين والواي بروتين والاحماض الامينية، كما شددت إلى ضرورة الاستشارة الطبية قبل إضافة أي مكمل أو تغيير النظام الغذائي والمتابعة مع اختصاصي تغذية وعدم الاستماع لنصائح صاحب النادي الا اذا كان يملك شهادات تضمن كفاءته، وأضافت "عندما يقصدنا شاب للسؤال عن المنشطات الرياضية اقول له: لكي تحقق حلمك المستعجل ببناء جسم مع شكل جميل من خلال هذه المنشطات، سوف تدمر صحتك و حياتك".
وأشارت الشاعر لـ "الديار" إلى أن المنشطات الرياضية الرئيسية تشمل:
- الهرمونات البنائية (Anabolic Steroids) وهي مجموعة من العقاقير المصنعة التي تعمل بطريقة مشابهة للهرمون الذكري التستوسترون وتستخدم لزيادة حجم العضلات وتقويتها، لكنها تؤدي الى مشاكل صحية مختلفة من بينها ظهور حب الشباب والصلع المبكر، والتقلبات المزاجية ونشوء النزعة العدوانية، أما الأخطر فهي أمراض الكبد وأمراض تصلب الشرايين ويتعرض مستخدمو الستيرويدات الى تأثيرات سلبية أخرى من بينها ضمور حجم الخصيتين وزيادة حجم الصدر، إضافة الى انخفاض معدل الرغبة الجنسية والإصابة بالعجز الجنسي، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية، أما بالنسبة الى الرياضيات الإناث، فإن استخدامهن الهرمونات البنائية يعرضهن لزيادة ظهور الشعر في الجسم والوجه، والخشونة في الصوت، والاضطراب في الدورة الشهرية.
- العقاقير المنبّهة للجهاز العصبي المركزي (Narcotics): تستخدم لزيادة القدرة التنافسية،ومن اثارها الجانبية الأرق، الرجفة اللا إرادية، غياب التركيز وفقدان التوازن في المشي، إضافة إلى الإضطراب في نبضات القلب، أما أضرارها المميتة فتتلخص بخطر الإصابة بأزمة قلبية أو سكتة دماغية.
- هورمونات النمو: (Peptide Hormones) هرمون النمو البشريهرمون بنائي يفرز في الجسم، ويعرف أيضا باسم غونداتروبين ويأخذه الرياضيون لزيادة حجم عضلاتهم وقوتها، لكن له آثار جانبية فهو يسبب ألم المفاصل وضعف العضلات، احتباس السوائل في الجسم، داء السكري، ارتفاع الكوليسترول في الدم، ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب.
- الارثروبيوتين هرمون يعطى لعلاج الحالات الحادة من فقر الدم لدى مرضى الكلى، وتشمل مخاطر تعاطيه في زيادة احتمالية تكوّن الجلطات الدموية، ارتفاع مخاطر السكتات الدماغية والقلبية، الاستسقاء الرئوي (ارتجاع السوائل في الرئة) الموت.
- المنشطات العصبي ، تحتوي مشروبات الطاقة على مواد تسمى المنبهات، وهي مجموعة تشمل الكافيين والأمفيتامين والإفيدرين، وتحتوي عادة مشروبات الطاقة على الكافيين، كما قد تحتوي على منبهات أخرى، وهي أيضا تحتوي على كمية كبيرة من السكر. ومع أن المنبهات ومشروبات الطاقة قد تعطي الجسم دفقة مؤقتة من النشاط إلا أن لها مخاطر عديدة تشمل، مشاكل في التركيز، الأرق، الجفاف، الإدمان، مشاكل في القلب ونبضاته، السكتة الدماغية أو القلبية، هلوسات.
من جهته يرى مدرب رياضي في أحد الاندية الرياضية فضل عدم الكشف عن أسمه أن "تعاطي المنشطات يشكل خيانة لمبدأ اللعب النظيف الذي تقوم عليه الرياضة"، مضيفا "الانتشار الكبير للمنشطات الرياضية يعود لعدة عوامل منها الهوس بالمظهر الخارجي والوصول إلى صورة "البطل العضلي" في أقصر وقت ممكن، ففي زمن السوشيال ميديا، أصبح الجسم المثالي هو المعيار الأول للجاذبية والنجاح الاجتماعي إضافة إلى ان سوء الأوضاع الاقتصادية التي دفعت بعض الشباب إلى اتخاذ الرياضة وسيلة سريعة لتحقيق شهرة أو فرصة عمل، وسط غياب للوعي الصحي فعدد كبير من الشباب يفتقر إلى المعرفة الطبية حول مخاطر المنشطات، ويعتقدون أنها "مكملات غذائية" لا ضرر منها، دون إدراك عواقبها على المدى الطويل، إضافة إلى ضعف الرقابة في النوادي الرياضية فكثير من النوادي، خاصة غير المرخصة أو التي تفتقر إلى إشراف طبي، تسهل بيع المنشطات أو تروج لها بشكل غير مباشر من خلال المدربين أو "القدوة" من الرياضيين الهواة.
يشار إلى أن سوق المنشطات الرياضية في لبنان حسب التقديرات يصل إلى حوالى 200 مليون دولار سنويا، وتباع هذه المواد في النوادي الرياضية، خاصة غير المرخصة، وفي السوق السوداء عبر الإنترنت، من جهة أخرى أشارت تقارير إعلامية إلى أن نسبة كبيرة من حبوب تضخيم العضلات أو تخليص الجسم من الدهون يتم تسريبها وتداولها في السوق السوداء عبر عملاء ومهربين، وأن نسبة 20% منها تنقل وتباع عبر أندية رياضية.
وأضاف المدرب الرياضي "إن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب تكاتفا من جميع الجهات عبر نشر التوعية بالحملات الإعلامية والمدرسية، فرض رقابة صارمة على بيع وتداول هذه المواد في الأسواق والنوادي وتجريم بيع وترويج المنشطات خارج الإطار الطبي المصرح به، ودعم الرياضيين عبر توفير بيئة صحية وآمنة للتدريب، وتشجيع الرياضة الطبيعيه، إضافة إلى إدماج الطب الرياضي والتغذية الصحية في برامج التدريب داخل النوادي والمدارس، وتقديم دعم نفسي للشباب الذين وقعوا ضحية تعاطي المنشطات، وتشجيعهم على العلاج وإعادة الدمج.
يذكر أن جهود حظر استخدام المنشطات بدأت تزامنًا مع الحادث المأساوي للاعب الدنماركي كنود جنسن، الذي فقد حياته في أثناء سباق للدراجات عام 1960 بسبب تناول أحد العقاقير المحسنة للأداء، وقد تمت أولى المحاولات الرامية إلى حظر المنشطات بمعرفة اللجنة الطبية الخاصة بالألعاب الأوليمبية، ثم انضم إليها الاتحاد الدولي لألعاب القوى، وفي العام 1963، أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قراراً حاسماً بمنع استخدام المنشطات، وإلغاء نتائج المسابقات التي يثبت خلالها التعاطي، مع معاقبة اللاعبين والمدربين المتورطين.
ظاهرة المنشطات الرياضية بين الشباب اللبناني ليست مجرد قضية صحية، بل هي مؤشر خطير على انحدار في القيم الرياضية والاجتماعية، وصرخة يجب أن تسمع من كل من يعنيه أمر هذا الجيل ومستقبله، والتصدي لها ليس ترفا، بل ضرورة لحماية شبابنا من "نار تلتهمهم وهم يظنون أنهم يصعدون نحو القمة"، فهل ننتظر وقوع الكارثة، أم نبادر اليوم قبل الغد؟
يشار إلى أن لجنة الشباب والرياضة النيابية عقدت مطلع الشهر الجاري اجتماعا لبحث هذه الظاهرة وخلصت إلى جملة من التوصيات أبرزها تفعيل لجنة التنسيق الوطنية لمكافحة المنشطات، تماشيا مع الاتفاقيات الدولية الموقعة، تطبيق القانون الصادر عام 2022 الذي يحظر بيع واستخدام المنشطات الرياضية، وتكثيف دور وزارتي الصحة والشباب والرياضة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لضبط التجاوزات وإقفال الأندية التي تروج لها، وإطلاق حملات توعية في المدارس والجامعات والمجتمع، بدوره أعلن الدكتور سلوم وضع تفتيش النقابة بتصرف الجهات المختصة، داعيا المواطنين إلى الإبلاغ عن أماكن وجود هذه المواد، نظرا لما تشكله من خطر على صحة الشباب.
يذكر أن لبنان انضم إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة المنشطات في مجال الرياضة، التي وضعت عام 2005 ودخلت حيز التنفيذ في الاول من شباط 2007، ليصبح الدولة الطرف الـ 190 في هذه الاتفاقية المهمة.
وتعرض العديد من اللاعبين والرياضيين في مختلف الألعاب، لعقوبات مختلفة بسبب تناول مواد محظورة والمنشطات، ويعد الأرجنتيني دييغو مارادونا أبرزهم، بعدما تم إيقافه خلال منافسات كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة الأميركية، بعد تعاطيه عقار "إفيردين" المحظور، كما سحبت ألقاب الدراج لانس أرمسترونغ الـ 7 بطواف فرنسا الشهير للدراجات الهوائية، و تم إيقافه مدى الحياة بعد ثبوت تعاطيه لمنشط إيبو والتسترون، وسقطت لاعبة التنس الشقراء ماريا شارابوفا، في اختبار المنشطات عام 2016 وأوقفت لمدة سنتين، قبل أن تخفض عقوبتها، وجاءت عينة العداء الكندي بن جونسون إيجابية بعد 3 أيام من فوزه بذهبية سباق 100 متر بأولمبياد سيؤول 1988، لتسحب منه الميدالية ويلغى رقمه القياسي المسجل في السباق ذاته.
يتم قراءة الآن
-
أيام للتاريخ في الشرق الأوسط
-
التصعيد المتدحرج بين ايران و«اسرائيل» ينذر بحرب مفتوحة وانفجارات اقليمية الرد الصاروخي الايراني يزلزل تل ابيب... والهجوم «الاسرائيلي» لم يحقق أهدافه بتدمير البنية النووية التعيينات المالية غير محسومة في مجلس الوزراء وقلق من زيارة الموفد الاميركي
-
جنبلاط قارىء مشاريع المنطقة يرفض "حماية الأقليات" توافق مع ارسلان على مواجهتها وتباعد مع طريف
-
صمت حزب الله: "العقلانيّة أولًا والضاحية مرّت من هنا تنسيق عال بين الحزب والإدارة السياسيّة والعسكريّة وتفاعل إيجابي
الأكثر قراءة
-
التصعيد المتدحرج بين ايران و«اسرائيل» ينذر بحرب مفتوحة وانفجارات اقليمية الرد الصاروخي الايراني يزلزل تل ابيب... والهجوم «الاسرائيلي» لم يحقق أهدافه بتدمير البنية النووية التعيينات المالية غير محسومة في مجلس الوزراء وقلق من زيارة الموفد الاميركي
-
جنبلاط قارىء مشاريع المنطقة يرفض "حماية الأقليات" توافق مع ارسلان على مواجهتها وتباعد مع طريف
-
صمت حزب الله: "العقلانيّة أولًا والضاحية مرّت من هنا تنسيق عال بين الحزب والإدارة السياسيّة والعسكريّة وتفاعل إيجابي
عاجل 24/7
-
21:28
سقوط شظايا صواريخ اعتراضية فوق اكثر من منطقة لبنانية
-
21:25
خبير يمني لـ "سبوتنيك": جبهتنا الداخلية متماسكة ويصعب اختراقها..ولا صحة لاغتيال قيادات في صنعاء
-
21:16
يسرائيل هيوم: قوات الإنقاذ تشتبه بوجود عالقين في مبنى بعد سقوط صاروخ شمال "إسرائيل".
-
21:16
هيئة البث "الإسرائيلية": إصابة مبنيين في حيفا واندلاع حريق بأحد المواقع بالمدينة.
-
21:12
الإسعاف "الإسرائيلي": نتعامل مع 3 مواقع سقطت فيها الصواريخ في حيفا.
-
21:12
هيئة البث "الإسرائيلية": إصابة 4 أشخاص في منطقة لخيش وإصابة مبنيين في حيفا.
