اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب


في زحمة التكنولوجيا الطبية الحديثة، تبرز بعض العلاجات كأنها جاءت من المستقبل، لكن الحقيقة أنها نتاج سنوات طويلة من التجارب، الصدفة أحيانا، والحاجة دائما. البوتوكس، الاسم الذي التصق بعالم التجميل، يُحدث اليوم تحوّلاً مفاجئا في مساره، ليتحول من "إكسير" الشباب الخارجي، إلى علاج فعّال لأحد أكثر الأوجاع غموضا واستعصاءً: الصداع النصفي.

ولفهم هذه العلاقة بين التجميل والطب العلاجي، كان لنا لقاء مع طبيب التجميل اللبناني الدكتور نادر صعب، الذي جمع في مسيرته بين الطب التجميلي والرؤية العلمية المتقدمة، ففتح لنا أبواب فهم جديدة حول كيفية استخدام "البوتوكس" في التخفيف من نوبات الصداع النصفي.

ما هو "البوتوكس"؟

يشرح صعب أن "البوتوكس" هو عبارة عن إفرازات بكتيرية، في الأصل سمّ، نستخدمه لنغلق بعض الخلايا التي تؤدي إلى حركة العضل. عمليا، يمكن القول إنه "يقطع الطريق" بين الأوامر الدماغية وحركة العضلات". ويتابع "مع كل حركة عضل، يجب أن يسبقها أمر من الدماغ، والبوتوكس يتدخل ليوقف هذا الاتصال".

وللمفارقة، لم يُكتشف البوتوكس أولا لأغراض تجميلية كما هو شائع، بل كان علاجه موجّها للأطفال، تحديدا أولئك الذين يعانون من عادات عصبية، مثل غمز العين المتكرر أو رفع الحاجبين بشكل دائم أو العبوس الدائم. في هذه الحالات، يتم استخدام تقنية الـ Baby Botox في سن مبكرة، مما يمنع تشكّل التجاعيد مع التقدّم في السن.

ماذا لو حدث خطأ في الحقن؟

ويشدد صعب على ضرورة معرفة نوعية البوتوكس المستخدم. فقد بات هناك أنواع عديدة، بعضها "مقونن"  وبعضها الآخر غير مقونن، أي غير أصلي. فـ "البوتوكس" الأصلي يحتوي على مادة البروتين، بينما تحتوي الأنواع الكورية والصينية المنتشرة في السوق على مادة الجيلاتين، والتي غالبا ما تتسبب بمشاكل أكثر، ولا تدوم مفعولها لفترة طويلة.

ويضيف: أصبحت هناك الكثير من الدراسات لتطوير "البوتوكس"، كي لا تكون له أي عوارض جانبية، أو على الأقل أن تبقى هذه العوارض محدودة وغير مؤذية.

البوتوكس كعلاج للصداع النصفي

من هنا، تبدأ القصة المثيرة: كيف يمكن لمادة تُستخدم لتمليس الجبين، أن تُخفف من ألم يلف الرأس بأكمله؟ يجيب صعب بأن الكثير من الأشخاص يعانون من آلام في الرأس، ويلجؤون إلى أطباء الأعصاب أو الرأس لإجراء فحوصات دقيقة. لكن في حالات عديدة، لا يُظهر التصوير أو التحاليل أي مشكلة عضوية أو عصبية واضحة.في هذه الحالة، يكون سبب الألم ناتجا عن تشنّجات عضلية تحيط بالرأس، وتؤدي إلى آلام مزعجة تتطلب استخدام المسكنات أكثر من 7 مرات في اليوم.

ويقول: هنا يتدخّل "البوتوكس" كحل، إذ يتم حقنه في أماكن التشنج ليرخي العضلات ويمنع التقلصات التي تسبب الألم. ويؤكد  ان  "80% من المرضى الذين لجأوا إلى "البوتوكس" كعلاج، اختفى الوجع لديهم تباعا.

كم جلسة يحتاج المريض؟

يروي صعب خطوات العلاج بدقة، ويقول إن أول جلسة يتم فيها حقن "البوتوكس"، على أن يُنتظر حوالي 10 أيام حتى يبدأ مفعوله. بعد شهر، يُلاحظ المريض انخفاضا في الوجع بنسبة تتراوح بين 50% إلى 70%.

ويضيف: في الشهر الثالث، يتم الحقن مجددا بهدف القضاء شبه الكامل على الألم، بنسبة تصل إلى 90%. وفي بعض الحالات الخاصة، تُجرى جلسة رابعة بعد 5 أشهر، ثم جلسة أخرى بعد 8 أشهر، وصولا إلى جلسة سنوية. لكن الشرط الأساسي للحصول على نتيجة مرضية، هو احترام التوقيت المناسب لكل جلسة.

ويؤكد ان "البوتوكس" مادة سحرية، ولكن علينا أن نعلم كيف نستخدمها في المكان المناسب، بالكمية المناسبة، وعند الطبيب الصحيح.

أين تُحقن المادة؟

ويقول: ليست كل الحالات تُعالج بالطريقة نفسها، فالمكان الذي يُحقن فيه "البوتوكس" يختلف حسب موقع الألم. فمن يعاني من صداع نصفي، لا يُعالج بالطريقة نفسها لمن يشعر بضغط بين الحاجبين أو خلف العينين. كذلك تختلف الكمية من مريض إلى آخر.

ويحذر من العشوائية في الحقن: فإذا تم حقن البوتوكس في المكان الخطأ أو بطريقة غير صحيحة، قد يؤدي إلى مشاكل.

ويكرر عبارته الحاسمة ان "البوتوكس" علاج سحري للصداع النصفي ودائم، ولكن علينا أن نستخدم الدواء الصح في المكان الصح وفي بالوقت الصح وعند الدكتور الصح.

من الجمال الخارجي إلى راحة داخلية

ربما لم يكن أحد ليتوقع أن مادة كانت تُستخدم لتجميل الوجه، ستتحول إلى حل حقيقي لواحد من أكثر الأوجاع إلحاحا في عالم الطب.

فـ "البوتوكس"، وفق ما كشف عنه صعب، تجاوز اليوم حدود "التجميل" السطحي، ليغوص في عمق الألم الإنساني ويعالجه بلطافة ودقة.

وفي زمن يبحث فيه المرضى عن حلول لا تقتصر على حبوب المسكنات المؤقتة، يبدو أن "البوتوكس" قد وجد له مكانا جديدا في سجل العلاجات الفعالة... مكان يُذكر فيه كحليف حقيقي للراحة، لا فقط كأداة لشدّ الجبين.

الأكثر قراءة

موسكو وبكين تحذّران من تجاوز الخطوط الحمراء... والمنطقة على شفير التحوّل الكبير! الحكومة تتمسّك بالحياد...وتتخذ اجراءات حاسمة التشكيلات الديبلوماسية تبصر النور اليوم...ولا تسليم للسلاح الفلسطيني