اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

بعد انكشاف تضليل الرئيس الاميركي دونالد ترامب لايران، من خلال اجراء مفاوضات حول برنامجها النووي، والتي اتضحت انها مسرحية اميركية مخادعة هزيلة, اعطت واشنطن الضوء الاخضر لـ "اسرائيل" بشن حرب على الجمهورية الاسلامية الايرانية نيابة عن الولايات المتحدة، بحيث ادخلت ادارة ترامب المنطقة برمتها في حرب مدمرة لا تحمد عقباها. ذلك ان ترامب- نيرون اراد اشعال الشرق الاوسط، بمواجهة عسكرية عنيفة بين ايران و"اسرائيل"، ليتفرج على هذه النيران التي تحرق هذا الشرق، والتي ستمتد الى ابعد من الاراضي الايرانية و"الاسرائيلية".

ورغم النفوذ الهائل الذي تمتلكه الولايات المتحدة الأميركية على مستوى العالم، إلا أنها أثبتت عبر العقود أنها لا تفهم طبيعة الشرق الأوسط، ولن تفهمه حتى لو حكمته لألف سنة. فالشرق الأوسط ليس مجرد مساحة جغرافية تُدار بخطط جاهزة أو استراتيجيات جامدة، بل هو نسيج معقد من الهويات والتواريخ والديناميات الاجتماعية والسياسية المتشابكة.

لقد كانت معظم الحلول التي فرضتها واشنطن على هذه المنطقة ـ سواء عبر التدخلات المباشرة أو من خلال دعم أنظمة أو معارضات بعينها ـ حلولا تفتقر إلى فهم العمق التاريخي والثقافي لشعوب المنطقة. لم تكن هذه "الحلول" سوى وصفات أميركية لمشاكل لم تفهمها أصلاً، ولهذا جاءت النتائج كارثية: انهيارات دول، تصاعد الطائفية، تمدد التطرف، وحرائق سياسية لا تزال تتسع رقعتها حتى اليوم.

أما الحروب التي شُنت على هذه المنطقة، أو تلك التي أشعلت فيها بحجج وذرائع مختلفة، فهي في الغالب صناعة أميركية بامتياز، إما بشكل مباشر أو غير مباشر. من غزو العراق، إلى العبث في بنية الدولة السورية، إلى دعم بعض الصراعات تحت غطاء "الحرية" أو "الديمقراطية"، كلها تدخلات زادت من التأزيم، وأعادت تشكيل الشرق الأوسط على صورة الفوضى لا النظام.

إن الخطأ الأميركي الأكبر هو اعتقاده أن الشرق الأوسط يمكن تطويعه بمنطق المصالح فقط، متناس أن هذه المنطقة تملك ذاكرة حية، وشعوبا تعرف جيدا من الذي يغذي النار، ومن الذي يمنع إطفاءها.

وها نحن اليوم، نشهد على حرب عنيفة مباشرة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وبين الكيان العبري, ورأينا ان "اسرائيل" وسلاحها الجوي المتفوق على الجميع في المنطقة وقنابلها وجواسيسها، لم تتمكن من ردع الرد الايراني الذي ضرب "تل ابيب"، والحق دمارا كبيرا وواسعا، والايام المقبلة ستظهر تصعيدا عسكريا اكبر بين ايران و"اسرائيل". وصحيح ان العدو قام بالضربة الاستبقاية على ايران، واغتال قادة كبار من الحرس الثوري الايراني، وقادة امنيين آخرين من الصف الاول، اعلن انه سيضرب المنشآت النووية في كل انحاء ايران.

هذا التصعيد ورغم توقيته الحرج, لا يخرج عن السياق المعروف في العقيدة الأمنية "الإسرائيلية"، التي تعتمد على مبدأ "الوقاية الهجومية " لمنع أي تهديد محتمل، حتى لو لم يتحقّق بعد. انما في الوقت ذاته، ما النتيجة؟ وهل فعلاً تقترب إيران من إنتاج قنبلة نووية؟

المفارقة الكبرى أن معظم التقارير الدولية، بما فيها بعض تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم تؤكد حتى اللحظة أن إيران قد صنعت قنبلة نووية، أو حتى اتخذت قرارا نهائيا بالذهاب نحو هذا الخيار. ومع ذلك، تستخدم "إسرائيل" هذا الملف كذريعة لتبرير ضربات عسكرية تعتبرها "استباقية".

هل تعتقد "اسرائيل" ان ضرباتها للمنشآت النووية الايرانية في عمق البلاد، لن تزيد من شراسة الرد الايراني عليها؟ فايران اظهرت انها دولة قوية وترد الصاع صاعين، ولا تستهيب لا "اسرائيل" ولا اميركا المخادعة، وهي لن تتوقف عن الدفاع عن نفسها طالما الاعتداءات "الاسرائيلية" مستمرة. وكلما زادت "إسرائيل" منسوب العنف، زادت إيران من ردّها، وبات الرد مباشرا أكثر من أي وقت مضى.

فما هي الصورة الكبرى التي ترسم في الشرق الاوسط؟

هذه الحرب الضروس بين طهران و"تل ابيب" ستغرق المنطقة برمتها بمواجهة عسكرية، وستؤدي الى انضمام دول جديدة قد تعد "مفاجاة" في الصراع الدائر، سواء من ناحية ايران او من ناحية "اسرائيل". فهل هذا الامر يبشر بالخير؟ الجواب حتما لا.

ف "اسرائيل" تخوض معركة معقدة وخطرة، وباهداف غير مضمونة وبنتائج قد تأتي معكوسة. واذا لم تفتح قنوات احتواء حقيقية لهذا الصراع الجهنمي، فان انزلاق المنطقة الى حرب شاملة لم يعد سيناريو مطروحا فقط، بل يقترب ليكون واقع على الارض. وما هو الثمن؟ للاسف, ستدفع شعوب المنطقة الثمن المشؤوم لهذه الحرب المشؤومة "الاسرائيلية" المدعومة اميركيا, في وقت لن يكون هناك منتصرا او مهزوما من حروب الشرق الاوسط التي برهنت التجارب هذا المسار.

فمتى تتعاطى الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط، ليس كخريطة ترسمها مراكز الأبحاث في واشنطن، بل تتعامل معه على انه كيان حيّ، لا يُفهم من بعيد، ولا يُحكم من فوق.

الأكثر قراءة

موسكو وبكين تحذّران من تجاوز الخطوط الحمراء... والمنطقة على شفير التحوّل الكبير! الحكومة تتمسّك بالحياد...وتتخذ اجراءات حاسمة التشكيلات الديبلوماسية تبصر النور اليوم...ولا تسليم للسلاح الفلسطيني