أنتجت «محطة» 8 كانون الأول المنصرم منذ يومها الأول، حالة انعطافية و بدرجة حادة تجاه الصراع مع «اسرائيل»، الفعل الذي ظل لعقود عمودا فقاريا للحياة السورية برمتها من أقصاها إلى أقصاها، بل ويصح توصيفه على أنه كان يمثل «القاموس»، الذي يرجع إليه في «تقييم» المفاهيم والمصطلحات والشعارات التي تطلقها الأحزاب والتيارات والأفراد، بغية تحديد «وطنيتها»، أو درجاتها التي كانت تتمايل تبعا لعلو أو انخفاض سقوف ذلك الثالوث.
كانت الإنعطافة قد بدأت بتصريح لافت للرئيس أحمد الشرع في 19 كانون أول الماضي، جاء فيه «وجودنا في دمشق لا يعني تهديدا لأحد»، قبيل أن تتوالى التصريحات التي حملت مفردات لا يشوبها الغموض، حيال موقف الإدارة الجديدة التي أعلنت عن رغبتها في قيام سلام دائم مع دول الجوار دون استثناء، قبيل أن تذكر تقارير غربية أن الرئيس الشرع «وافق على انضمام بلاده إلى اتفاقات ابراهام»، الموقعة ما بين «اسرائيل» ودول خليجية عام 2020، إبان لقائه مع نظيره الأميركي في الرياض 14 أيار المنصرم.
في أعقاب سقوط نظام الأسد ، أعلنت «تل أبيب» عن «انهيار اتفاقية فك الإشتباك 1974» الموقعة ما بينها وبين دمشق زمن الرئيس السابق حافظ الأسد، والفعل جاء تمهيدا لتوغل بري راح يتمدد بشكل شبه يومي. وفي غضون أيام سيطر الجيش «الإسرائيلي» على «المنطقة العازلة»، كما استكمل احتلال جبل الشيخ، الذي يبعد عن قلب دمشق نحو 40 كم. وفي الثلث الأول من شهر كانون الثاني سيطر أيضا على «التلول الحمر»، لتبلغ المساحة المحتلة حوالي 600 كيلومتر مربع، أي نحو 1 % من مساحة البلاد، قبيل أن تتقدم قواته باتجاه بلدات جملة والشجرة وصيدا بريف درعا الغربي.
في البداية وصف رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو الفعل بأنه «إجراء مؤقت وذي طبيعة دفاعية»، لكن يسرائيل كاتس وزير دفاعه، قال انه في نهاية شهر كانون الثاني، قواته «ستبقى في المنطقة الآمنة لفترة غير محدودة». والمؤكد هو أن «تل أبيب» كانت تتحسب، تبعا لعوامل ومؤشرات عدة متراكمة لديها، أن فعلا من ذلك النوع لن يكون نزهة، وإذا كانت موازين القوى المختلة بشكل صارخ، هي التي دفعت بالقيادة السورية باتجاه ما ذهبت إليه، فإن موروثا تكتنزه الذات السورية في أعماقها، سوف يكون له «رأي» آخر.
والشاهد هو أن ضابطا رفيعا في القيادة الشمالية لجيش الإحتلال كان قد قال لصحيفة «يديعوت أحرونوت» في 20 كانون ثاني، إنها «مسألة وقت فقط قبل أن نتعرض لهجوم مفاجئ مضاد للدبابات، أو قذائف هاون على قواتنا، سيقتل عدد من الجنود، وسيتحول كل شيئ إلى الأسوأ».
لم يكد يمر شهر على سقوط نظام بشار الأسد، حتى أعلنت مجموعة أطلقت على نفسها اسم «جبهة تحرير الجنوب» عن بدء عملها لتحرير الجنوب السوري من الإحتلال. وفي بيانها الأول طالبت المجموعة «القوات الإسرائيلية بالإنسحاب من الأراضي السورية»، وأشارت في البيان عينه إلى أنها لن تقف عند حدود ذلك الفعل ( أي المطالبة فحسب)، بل ستعمل كل ما في وسعها من أجل تنفيذه.
وفي 11 كانون ثاني قررت هذه الأخيرة تغيير اسمها لتعرف لاحقا ب «جبهة المقاومة الإسلامية - أولي البأس»، وبعيد أيام من هذا التاريخ الأخير، تبنى الكيان الجديد عددا من الإشتباكات كانت قد جرت في محيط درعا والقنيطرة.
وفي الأول من شهر شباط صدر عنه بيانا تبنى من خلاله استهداف قوات الإحتلال ببلدة «طرنجة» في ريف القنيطرة، التي انسحب منها «الإسرائيليون» وفقا لما ورد في البيان سابق الذكر.
وقد نشرت مجلة « نيوزويك» الأميركية، منتصف شهر شباط، تقريرا عن ذلك «التنظيم» قالت فيه أن هدفه هو «التصدي لإسرائيل» و لـ«محور الشر الأميركي»، كما نقل التقرير عن قيادات فيه نفي أي «ارتباط لهم بأي محور»، وأن أهدافهم تنحصر في «محاربة الإحتلالات الرابضة على الأراضي السورية». ومن المرجح أن التنظيم ليس له أي ارتباط خارجي فعلا ، وهو أقرب إلى حالة شعبية رافضة للإحتلال وممارساته، الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه عبر أداؤه «المتواضع» الذي يؤكد عدم امتلاكه لجسم منظم، أو لهيكلية تنظيمية متطورة، لكن تلك الحالة قد تتطور، أو هي تشهد تنظيما أفضل، على وقع استمرار الإحتلال وممارساته.
وما يمكن قوله في أسباب ولادة هذا «التنظيم»، هو أنها تتنوع بين الفردية والجماعية، وصورته لا تكاد تكون مكتملة، لكن تطورات الوضع المتسارع في سوريا قد تعجل باكتمالها.
من جهة أخرى، قالت إذاعة الجيش «الإسرائيلي» يوم 4 حزيران الجاري إن «صاروخي غراد أطلقا من الأراضي السورية، وسقطا في منطقة مفتوحة بمرتفعات الجولان»، وقد تبنت تلك العملية مجموعة أطلقت على نفسها اسم «كتائب الشهيد محمد الضيف»، التي سبق وأن أعلنت عن ولادتها في بيانها المنشور على «تيلغرام» يوم 31 أيار المنصرم. كما جاء في البيان أنها « حركة ثورية تقاوم الإحتلال الإسرائيلي»، وأنها تأسست «وفاءا للدماء الطاهرة وامتدادا لطريق المقاومة المستمرة». ولعل الإسم الذي اتخذته الحركة، وكذلك اللكنة المستخدمة في بيانها التأسيسي، كافيان للتكهن بأنها ولدت من رحم الفصائل الفلسطينية التي توترت علاقاتها مع دمشق مؤخرا ، على خلفية مطالبة الأخيرة لها بتسليم سلاحها وتفكيك تنظيماتها، الأمر الذي يمكن أن يكون قد دفع بخلاياها للسير في هذا الإتجاه.
لكن هذه الفرضية ليست الوحيدة، فالسلاح المستخدم في العملية هو صورايخ «غراد»، وهي روسية الصنع، كما إنها تحتاج إلى منصات لإطلاقها وإلى كوادر مدربة، وإذا كان ذلك لا ينفي إحتمال «النشأة» سابقة الذكر، انطلاقا من توافر كلا الشرطين عند تلك الفصائل، إلا أنه يفتح الباب أمام احتمالات أخرى من نوع أن تكون «النشأة» من رحم الفصائل الفلسطينية العاملة في لبنان، أو كما ارتأى مقربون من السلطة في دمشق، من رحم الفصائل العراقية التي لا تزال تتمتع ببعض «التمددات» في سوريا، وإن كان بشكل غير معلن، كما يرى الكثير من أولئك الذين قال البعض منهم : إن إشارة البيان الذي عبر فيه مقاتلو تلك الكتائب عن رغبتهم في أن يكونوا «رجال المرحلة»، وقدوتهم، هم «قادة المقاومة الأبطال» : الشيخ أحمد ياسين( مؤسس حركة حماس) وعبد العزيز الرنتيسي ( قائد حماس في غزة لحين استشهاده 2004 ) و محمد الضيف( القائد العام لعملية طوفان الأقصى الذي نعته الحركة أواخر شهر كانون ثاني الماضي) ، ليس إلا للتمويه أو ذر الرماد في العيون.
أيا يكن الرحم الذي خرجت منه تلك الكتائب، فإن إرادة الحياة تقول بإن الأحتلال سوف يستولد المقاومة، ومنذ ظهور «اسرائيل» في المنطقة 1948 كانت هناك العشرات من الحركات التي حملت راية مقاومتها، منها ما اندثر بفعل فقدانه للزخم الإيدلوجي، ومنها من لا يزال أثره باق. والمؤكد أن ذلك الطريق لن يطول «العشب» على جانبيه لكثرة «العابرين».
ومع احتدام الصراع الذي ارتقت «حماوته» مؤخرا إلى درجات عالية وغير مسبوقة، فإن «اسرائيل» قد تفقد سيطرتها الأمنية في ظل غياب مقاربة سياسية لملفات هذا الشرق المثقل بالكثير، وقد تصبح فكرة «الشرق الأوسط الجديد»، التي كان شيمون بيريز( رئيس الوزراء السابق) أول من أطلقها عبر كتاب له حمل نفس العنوان كان قد نشره العام 1992، ثم جرت محاولات تطبيقها بعيد هبوب رياح «الربيع العربي» عام 2011 فصاعدا في غير صالحها، لأن الفكرة أساسا لا تقوم على وجوب فرضها بقوة السلاح.
يتم قراءة الآن
-
موسكو وبكين تحذّران من تجاوز الخطوط الحمراء... والمنطقة على شفير التحوّل الكبير! الحكومة تتمسّك بالحياد...وتتخذ اجراءات حاسمة التشكيلات الديبلوماسية تبصر النور اليوم...ولا تسليم للسلاح الفلسطيني
-
الكهرباء مُهدّدة بالإنقطاع.. ماذا عن الأسعار؟
-
كيف تشلّ إيران "إسرائيل"؟
-
جسر الدعم لإيران: شحنات صواريخ من بكين وإسلام آباد تُرعب إسرائيل!
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:53
اكسيوس عن مصادر: واشنطن ابلغت حلفائها بأنها لن تدخل الحرب الا اذا استهدفت ايران أميركيين.
-
23:37
الحرس الثوري الإيراني: لن نسمح للكيان الصهيوني أن ينعم بالهدوء والاستقرار.
-
23:36
الجبهة الداخلية "الإسرائيلية": صفارات الإنذار تدوي مجدداً في جنوب الجولان بعد رصد تسلل مسيرة.
-
23:20
روسيا تدعو رعاياها الى مغادرة "اسرائيل".
-
23:17
خامنئي: الجيش الإيراني سيوجه "ضربة قاصمة لإسرائيل".
-
23:11
وكالة فارس عن مصدر ايراني: إيران نفذت اليوم عملية توغل بمسيرة من محيط القدس إلى مركز فلسطين المحتلة.
