تُطرح في هذه الفترة نقطة دقيقة تتعلق بمسألة ما اذا كان يمكن للنيابة العامة ان تطلب من نقابة المحامين اتخاذ القرار بإعطاء الاذن في ملاحقة محامٍ مدعى عليه في شكوى جزائية، دون ان ترسل لها ملف الشكوى.
سؤال دقيق يتطلب دراسة دقيقة وإجابة أدق. إذ منذ فترة وجيزة بدأت النيابة العامة المالية مثلاً تطلب من النقابة إعطاء الاذن في ملاحقة محامٍ، ومعظمها تتعلق بالبلديات، دون ان ترسل الملف. ومنذ وجودي في مجلس النقابة في العام 2006، وطبعا قبل ذلك كان المجلس يعيد الاوراق الى النيابة العامة طالبا منها إرسال الملف، ليتمكن في ضوء ما يرد فيه من وقائع ومطالب، من اتخاذ القرار المناسب، إما بإعطاء الاذن او بعدم إعطائه، او باعتبار الفعل المنسوب غير ناشئ عن ممارسة المهنة.
وللوقوف على اهمية السؤال نستعرض المبادئ الآتية:
اولا: ان النيابة العامة هي التي تخاطب النقابة. بمعنى انه حتى ولو قدمت الشكوى مباشرة امام قاضي التحقيق مثلا، ضد محامٍ، فعليه ان يحيلها امام النيابة العامة لترسل الاوراق امام النقابة وتطلب الاذن في الملاحقة.
ثانيا: عندما تحال الاوراق امام النقابة، يحيلها النقيب امام مفوض قصر العدل الذي يستمع الى المحامي المدعى عليه، ويعرض الوقائع امام المجلس مع تقرير حول رأيه، والمجلس يقرر ما اذا كان يعطي الاذن ام لا.
ثالثا: بعد إعادة الملف امام النيابة العامة، تتخذ القرار اما بكتابة "نُظر". اي انها توافق على قرار مجلس النقابة. وفي هذه الحالة لا يحق للمدعي الاستئناف لان النيابة العامة هي القيمة على الدعوى العامة. واذا لم توافق النيابة العامة على قرار المجلس تستأنفه امام محكمة الاستئناف النقابية التي تضم عضوين ايضا من مجلس النقابة.
رابعا: ان مجلس النقابة في هذه الحالة يتخذ قرارا ولا يعطي رأيا. بمعنى انه اذا اتخذ القرار بعدم إعطاء الاذن فلا يعود الحق للنيابة العامة او لقاضي التحقيق في استجواب المحامي وفي ملاحقته. وطبعا اذا استأنفت النيابة العامة وفسخت محكمة الاستئناف قرار المجلس يتغير الوضع ويلاحق المحامي.
خامسا: ان مجلس النقابة في حالة إذن الملاحقة، يتخذ قرارا كما اسلفنا ولا يعطي رأيا. في حين انه في دعوى الاتعاب التي تحال امامه، فهو يعطي رأيا على سبيل الاستئناس ولا يتخذ قرارا. ويمكن للمحكمة الأخذ برأيه او عدم الاخذ برأيه لدى اتخاذ قرارها بالاتعاب.
سادسا: في دعوى الاتعاب يحال ملف المحكمة الاصلي امام مجلس النقابة، وبالكامل. وفي طلب إذن الملاحقة يجب ايضا ان يحال الملف كاملا، وهذا ما يحصل عادة. إلا انه وفي بعض الاحيان، لا ترسل النيابة العامة الملف كاملا لا بل لا ترسل الملف. اما الحجج فتكون عادة ان هناك عدة مدعى عليهم غير المحامي، ولا يمكن إيقاف سير الشكوى الى حين ارسال الملف امام النقابة وإعادته اليها بعد اتخاذ القرار من قبل مجلس النقابة. وقد اوجدنا حلا لهذه المسألة وهي إرسال الجزء المتعلق بالمحامي دون بقية المدعى عليهم، ولو كان الامر عن طريق الصورة الشمسية.
كما طرحت مسألة سرية التحقيق. وهنا النقطة المهمة. فهل هناك سرية تحقيق على مجلس النقابة؟ وكيف يتخذ قراره، وعلى اي اساس؟ هل على صيت المحامي وسمعته، ام على خطورة الافعال؟ وخصوصاً ان المجلس يتخذ قرارا بغاية الدقة. فقد يعطي الاذن في الملاحقة وقد يحجب الاذن. فعلى اي اساس يبني قراره؟
واكثر من ذلك. عندما يحقق مثلا قاضي التحقيق بشكوى، ويحيل الملف كاملا امام النيابة العامة التي قد يكون رأيها مخالفا كليا لرأي قاضي التحقيق. فهل يخشى هذا الاخير من تسريب المعلومات الواردة في التحقيق؟ وماذا عن كاتب القاضي؟ وهل هو اصدق من مجلس نقابة منتخب ويقسم اليمين على الحفاظ على سرية الجلسة؟
سابعا: نحن نعلم انه اذا ارسل قاضي التحقيق الملف امام النيابة العامة لإبداء مطالعتها بالاساس، انها تستطيع ان تبدي مطالعة فرعية، كأن تطلب الاستماع الى شاهد، او إبراز مستند معين. ولكن المحامي الكبير المرحوم سليم عثمان كان يقول إن قاضي التحقيق قد لا يأخذ بالمطالعة الفرعية ويصدر قراره الظني. والعبرة في ذلك انه أعطى الفرصة للنيابة العامة بإبداء مطالعتها، وهي جعلتها فرعية لا مطالعة بالاساس. اما الوضع بالنسبة لنقابة المحامين فهو مختلف كليا. فإذا لم ترسل النيابة العامة الملف امام النقابة، فكيف يمكن للمجلس اتخاذ القرار بهذا الاتجاه او ذاك مع ما ينتج منه من مفاعيل؟
ثامنا: سألني احد الزملاء، وبحكم اطلاعي على قرارات المحاكم ونشر الآلاف منها، ما اذا كانت محكمة الاستئناف الناظرة في الدعاوى النقابية اصدرت قرارات بهذا الخصوص. فاجبته بالنفي لانه لم يسبق للنيابة العامة ان تمنعت عن ارسال ملف او صورة عن الجزء من الملف المتعلق بأفعال المحامي ليستطيع المجلس ان يبني قراره على اسس ثابتة.
ولذلك نتمنى على النيابات العامة عدم اتباع هذا الطريق. وارسال الملف او الجزء المتعلق بأفعال المحامي ليتمكن المجلس من اتخاذ قراره الصحيح والمبني على اسس صحيحة وثابتة.
* نقيب المحامين السابق في بيروت
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
23:22
المفوضية الأوروبية: إجلاء مئات الأوروبيين من "إسرائيل" عبر الأردن ومصر.
-
23:03
القناة 12 "الإسرائيلية": 20 برجا سكنيا سيتم هدمها في مدينة بات يام بعد تعرضها لصاروخ باليستي إيراني، و1500 شخص يسكنون هذه الأبراج في بات يام أصبحوا بلا مأوى.
-
23:03
رويترز عن دبلوماسي ألماني: وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا سيجرون محادثات نووية مع إيران الجمعة في جنيف.
-
22:41
الجبهة الداخلية "الإسرائيلية": إطلاق صفارات الإنذار في جنوب هضبة الجولان إثر تسلل مسيرة انقضاضية.
-
22:40
ترامب: لا نتطلع إلى وقف لإطلاق النار بل إلى تحقيق انتصار كامل
-
22:31
ترامب: لم أغلق الباب أمام المفاوضات مع إيران، وهي كانت قريبة من إبرام اتفاق نووي جيد، ولا أريد القتال لكن الخيار ينحصر بين القتال أو حصول إيران على أسلحة نووية.
