لم تعد الساحة السياسية الشمالية من طرابلس الى عكار على حالها، كما كانت قبل سنوات مضت ساحة الحراك الناشط للاحزاب ذات التاريخ الطويل في العمل الحزبي، لا سيما العقائدية منها، كاحزاب "الشيوعي" و"السوري القومي الاجتماعي" والبعث العربي الاشتراكي".
فمن يتابع حراك الاحزاب في الشمال، يتلمس تراجعا ملحوظا لهذه الاحزاب وغيرها من الاحزاب التقليدية والقوى الوطنية، التي عرفت سابقا باسم الحركة الوطنية، ولاحقا باسم لقاء الاحزاب الوطنية والقومية والاسلامية، والتي اطلق عليها وصف احزاب الممانعة ومحور المقاومة.
بات حراك هذه الاحزاب روتينيا للغاية، سواء في بيروت او في بقية المحافظات اللبنانية، وخاصة في البيئات السنية، من صيدا الى بيروت وطرابلس وصولا الى عكار، وبات يقتصر دورها على اصدار بيانات عقب كل اجتماع، او في المناسبات الوطنية، او اصدار مواقف من الاحداث التي تجري محليا واقليميا ودوليا.
ففي مدينة طرابلس، وامتدادا الى عكار، كان للاحزاب العقائدية حضور فاعل ومتجذر، ولعبت دورا في الحياة السياسية في مراحل متعددة ومختلفة، الى حين ظهور تيارات جديدة، وابرز هذه الموجات كان "تيار المستقبل"، والى جانبه برزت قوى وحركات سنية تتبنى شعارات سلفية، ورفعت لواء ما اسمته "اهل السنة والجماعة". وكان "تيار المستقبل" حاملا لواء السنية السياسية، ومدينة طرابلس هي الابرز في الاستقطاب الشعبي، تليها عكار والمنية، التي اطلق عليها مدينة رفيق الحريري.
ولا نغفل دور "الجماعة الاسلامية"( فرع "الاخوان المسلمين" في لبنان)، كتنظيم حزبي شبه حديدي برز في طرابلس وفي البيئات السنية الاخرى، مقدما نفسه البديل للحركة السياسية الاسلامية السنية ، ومنافسا لحركة اسلامية سنية لا يستهان بها هي "جمعية المشاريع الاسلامية الخيرية" المعروفة بـ "الاحباش"، والملعب الرئيسي لكلاهما ( "الاحباش" و"الجماعة") هو مدينة طرابلس، باعتبارها البيئة السنية الاكبر، والتي اليها تتطلع مختلف التيارات والقوى الاسلامية السنية، ومنها من يحلم بجعلها امارة اسلامية في يوم ما.
تراجعت الاحزاب العقائدية، امام التيارات الجديدة ومنها الطائفي والمذهبي، التي غازلت العواطف الاسلامية السنية، وغذت الاوساط الشعبية بمفاهيم " الطائفة المظلومة" في لبنان، ودوزنت على الوتر المذهبي لتحقيق اهدافها المعلنة وغير المعلنة.
اصبح العمل الحزبي العقائدي صعبا للغاية في بيئات ممذهبة ومغسولة الادمغة، بل اصبحت العلمانية في تلك البيئات توازي الكفر وتخيف الشباب والاهل، الا نفر قليل ممن قيض له حسن التنور والاطلاع. وجاءت المتغيرات التي بدأت تشهدها المنطقة، بدءا من جريمة اغتيال الرئيس الحريري - الزلزال الكبير العام ٢٠٠٥- وصولا الى مآل المتغيرات الراهنة في المنطقة الاقليمية برمتها، لتزيد من تراجع الاحزاب التقليدية والتاريخية.
خلال السنوات التي مضت، وقبل اعلان الرئيس سعد الحريري خروجه مع تياره من الحياة السياسية، حل "تيار المستقبل" رقما اول في البيئات السنية، من بيروت الى صيدا والبقاع الغربي، وصولا الى طرابلس وعكار، ولم يكن الرقم الاول وحسب، بل الرقم الصعب في المعادلة السياسية اللبنانية، وتيارا مرتكزا على الطائفة السنية، حيث توددت اليه "الجماعة الاسلامية" حتى غرقت احيانا تحت جناحيه. وتصدر "التيار الازرق" الواجهة السياسية لسنوات طويلة مدعوما من الخارج ( عربي واجنبي)، الى حين بلوغ مرحلة الخلاف مع مرجعية التيار الاولى، المملكة العربية السعودية، ولم يعد خافيا على احد خفايا ذلك الخلاف، فبدأ تراجع التيار تدريجيا الى المرحلة التي وقف فيها الرئيس سعد الحريري معلقا نشاطه السياسي، حيث يشكل صدمة للوسط السني واللبناني برمته.
شكل غياب "تيار المستقبل" فراغا في الساحة السنية، لم يستطع احدا من التيارات والاحزاب والقوى الناشطة في هذه الساحة ملؤه حتى اليوم. وبات للسنة مرجعيات سياسية عدة، بعد تعليق الحريري عمله السياسي، فانكسرت آحدية المرجعية السياسية السنية، وبات للسنة مرجعيات عدة، سواء في بيروت التي اختزل الحريري لسنوات مرجعياتها التقليدية بنفسه، وعادت البيوت السياسية البيروتية تأخذ دورها وابرزها آل سلام .. وكذلك في صيدا التي برزت مرجعيات سنية اخرى توازن الحريري، كأسامة سعد وعبد الرحمن البزري ..
وفي طرابلس برز دور للرئيس نجيب ميقاتي، لا سيما اثناء توليه رئاسة الحكومة لسنوات في اصعب الظروف وأدق المراحل، كما برز النائب فيصل كرامي والنائب اشرف ريفي.
واستعادت حركات وقوى اسلامية سنية دورها ، في محاولة الهيمنة على الساحة السنية طارحة نفسها كبديل، كـ "الجماعة الاسلامية" في طرابلس، لكنها لم تستطع تحقيق اهدافها نتيجة خلافات داخلية عصفت فيها، ولم تظهر الى العلن الا قليلا، منها استبعاد النائب السابق اسعد هرموش، وصراع خفي في الاستحقاقات الانتخابية النيابية ...
اما في عكار فكان الفراغ سيد الموقف ، بعد تعليق "المستقبل" عمله السياسي. فعلى صعيد الاحزاب العقائدية، ثمة جمود لافت في حركتها، حتى اجتماعاتها الغيت، وبدت الساحة العكارية مفتوحة امام حراك سياسي، يحاول النائب وليد البعريني به اثبات حضوره كفاعلية سنية، في وقت يبرز فيه النائب السابق طلال المرعبي، كشخصية سياسية جامعة غير محصورة بالسنة.
مؤخرا، وبعد تلميحات عن احتمال عودة الرئيس الحريري في شهر ايلول المقبل، للتحضير والمشاركة في انتخابات العام المقبل ٢٠٢٦ النيابية، تنفس انصار "المستقبل" الصعداء، على أمل ان يعود "المستقبل" الى نشاطه السياسي بكامل حيويته التنظيمة والمالية، لكنهم يرددون "لا نقول فول حتى يصبح بالمكيول".
يتم قراءة الآن
-
خطف نساء الساحل السوري: كرة النار تتدحرج والشارع يغلي!
-
أبواب جهنم تُفتح ببطء... نتنياهو يفشل في تدمير المنشآت النووية الأساسية ماكرون: لا لإسقاط النظام الإيراني... فـوضى العراق لن تتكرر بقاء اليونيفيل جنوب لبنان: لمنع سقوط الخط الازرق
-
مَن يُنقذ إيران من الضربة النوويّة؟
-
«حبس أنفاس» في المنطقة... ولبنان لن يدخل الحرب باراك يتفهم موقف عون: تأجيل البحث بملف السلاح الصواريخ الايرانية تنقل الصدمة والترويع «لاسرائيل»
الأكثر قراءة
-
واثقون من عقلانيّة حزب الله
-
باراك للمسؤولين : تعاونوا مع "سوريا الشرع"... أسرعوا بنزع السلاح وسأعود بأجوبة خلال أسابيع عون يُصارح الأميركيين : التطوّرات أخّرت التنفيذ... وسنكثف الإتصالات!
-
اللواء شقير اجتمع مع دبور وعردات ... وإجراءات "إسرائيليّة" تعوق عودة الأحمد فصائل فلسطينيّة ترفع رؤية الى رئيس الجمهوريّة تتضمّن مطالب منها الأمن
عاجل 24/7
-
13:43
التلفزيون الإيراني الرسمي: آلاف الإيرانيين يتظاهرون في طهران تنديداً بالهجمات الإسرائيلية
-
13:25
مسيرة إسرائيلية تحلق في أجواء بيروت والضاحية الجنوبية على علو منخفض
-
13:11
ماكرون: سنقدم مع بريطانيا وألمانيا عرض تفاوض كامل لإيران
-
12:49
وزارة الصحة الإيرانية: الكيان الصهيوني استهدف مستشفى في طهران في واقعة هي الثالثة من نوعها
-
12:49
وسائل إعلام رسمية عن متحدث باسم وزارة الصحة: تعرض مستشفى في طهران لهجوم صاروخي إسرائيلي في وقت مبكر اليوم
-
12:46
ماكرون: على إيران أن تبدي استعدادًا للعودة إلى طاولة المفاوضات
