لم تكن الرواية، التي قدمتها منابر إعلامية قريبة من السلطة السورية حول التفجير الذي حصل بمنطقة المزة يوم 24 حزيران الماضي، مقنعة، أو هي تتناسب، في طريقة تعاطيها التي جاءت مقتضبة، مع حدث جرى في منطقة كانت، ولا تزال، شديدة الحساسية، ومن المفترض لأي حركة فيها أن تكون تحت «مجهر» الأجهزة الأمنية، وعلى أعلى مستوى فيها، وتعقيبا على ما نشرته «الديار» في تقرير سابق لها عن الحادثة ( عدد 30 حزيران 2025) الذي جاء بعنوان «تفجير المزة.. الغموض يزيد من تعقيد المشهد السوري»، والذي احتوى على روايات ثلاث، اثنتان منها لمنابر قريبة من السلطة التي تراوحت ما بين «تفجير مخلفات حرب»، وفقا لرواية وكالة «سانا»، وبين «قيام الجيش بتدريبات عسكرية»، كما ورد في تقرير لـ«تلفزيون سوريا» حول الحادثة، أما الثالثة، التي رجحها التقرير مدعما ترجيحه بمصادر تحدث عن «وجود تحليق لطيران حربي في سماء دمشق قبل الإنفجار»، فكانت للـ«المرصد السوري»، الذي قال في تقرير أن ما جرى «محاولة اغتيال لإحدى الشخصيات بالقرب من فيلا رفعت الأسد التي يسكن بالقرب منها شخصيات أمنية رفيعة».
نقول تعقيبا على التقرير آنف الذكر، تكفلت وسائل إعلام «اسرائيلية» بإزاحة جزء من ذاك الغموض بعد مرور ستة أيام على الحدث الذي أثار قلقا بين الدمشقيين خصوصا أن المناخات التي حصل فيها كانت شديدة التوتر، فقد نشر موقع «i24 NEWS» العبري يوم 30 حزيران المنصرم تقريرا قال إنه استند فيه إلى «مصادر سورية»، وجاء فيه «إن الشخصية التي استهدفت بضربة جوية في منطقة المزة قبل أيام هي حسين السلامة( رئيس الإستخبارات السورية)»، وأضاف التقرير، نقلا عن مصادره التي ذكرها، أن «السلامة لم يقتل، بل نقل إلى مشفى الشامي»، وإذا ما كان التقرير قد أزاح جزءا مهما من الغموض، لكنه أثار، في مقلب آخر، العديد من الأسئلة التي من أبرزها: ما الذي دعا تل أبيب إلى استهداف شخصية وازنة بهذا الحجم ؟ ثم لماذا جرى تسريب خبر الإستهداف؟ والأهم هو لماذا نسبت المعلومات في التقرير إلى «مصادر سورية»؟ وأسئلة أخرى من نوع: ما الذي أراد التقرير قوله؟.
يمكن للسيرة الذاتية للرجل، حسين السلامة رئيس الإستخبارات السورية، التي تظهر المناخات التي تشكلت فيها رؤاه وقناعاته ومواقفه البارزة تجاه الملفات الشائكة، وكذا المناخات التي أحاطت بتسميته رئيسا لواحد من أهم الأجهزة المنوط بها حماية النظام وإرساء الأمن عموما، أن تساعدا في الإجابة على العديد من التساؤلات السابقة.
فمن هو حسين السلامة ؟ وكيف وصل إلى رأس هرم جهاز هو الأهم من بين الأجهزة التي تستند فيها السلطة على دوام استمرارها واستقرارها؟.
هو حسين عبد الله السلامة، مواليد دير الزور 1984، وعشيرته هي «العكيدات»، من أكبر العشائر السورية ولها تمددات في العراق والأردن، وقد جرى، بدءا من العام 2020 فصاعدا، صدام ما بين هذي الأخيرة وبين «قوات سورية الديمقراطية - قسد»، الذي يصح تصنيفه في إطار الصراع على النفوذ، لكن موجباته، وفقا لما ذكرته البيانات الصادرة عن العشيرة، فهي عديدة، بدءا باتهام «قسد» بانتهاج سياسات «قمعية» في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، من نوع «تهميش العنصر العربي»، و«تغيير المناهج الدراسية»، ثم وصولا لتناقض المواقف حول «عوائد النفط وطرق توزيعها»، والمؤكد هنا أن قناعات ورؤى حسين السلامة كانت قد تشكلت في سياق هذا الصراع الذي كثيرا ما اتخذ منحى صداميا كانت الغلبة فيه دائما لقوات «قسد» التي تحظى بدعم أميركي لا لبس فيه، ومن ناحية أخرى كان السلامة قد انخرط مبكرا في الثورة السورية حيث انضم إلى «جبهة النصرة» مبكرا، ليحمل في حينها لقب «أبو مصعب الشرحبيل»، ثم أصبح قياديا عسكريا بارزا في هذي الأخيرة عندما تغير اسمها ليصبح «جبهة فتح الشام»، ثم «هيئة تحرير الشام»، وهو الإسم الذي ستحمله منذ إعلان انفكاكها عن «تنظيم القاعدة» العام 2016 حتى قيادتها لعملية «ردع العدوان» التي أطاحت بنظام بشار الأسد شهر كانون أول المنصرم.
بعيد هذا التاريخ الأخير كلف السلامة بإدارة ملف المحافظات الشرقية: الحسكة - دير الزور - الرقة، لكنه فضل الإستقالة بعد فترة وجيزة التي قال فيها إنه «يفضل العودة إلى العمل العسكري»، ومن المؤكد أن قبول الرئيس الشرع لاستقالة هذا الأخير،ثم تسميته رئيسا للإستخبارات السورية»، هما أمران ينبعان من الخلفية التي جاء منها السلامة، والتي تتيح وضع طرف «صلب» في مواجهة «طموحات» قسد التي تنظر إليها دمشق على أنها التحدي الأكبر الذي يقف ما بينها وبين بسط سيادتها على كامل الجغرافيا السورية، وتشير تقارير إلى أن السلامة كان قد ترأس لجنة مكونة من 5 أعضاء لإدارة التفاوض مع «قسد» بغرض تثبيت «تفاهم 10 آذار» الموقع بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي القائد العام لـ«قوات سورية الديمقراطية»، ومنع انفراط عقده، وتضيف تلك التقارير أن السلامة لم يكن راضيا عن تلك المفاوضات، ولا عن «التصلب» الذي تبديه «قسد» وفقا لتلك التقارير.
هنا، يمكن القول أن استهداف تل أبيب لحسين السلامة، يوم 24 حزيران بالمزة، عمل أريد منه إزالة «عقبة» من أمام مسار التفاوض ما بين دمشق والقامشلي التي تصر فيه الأخيرة على أن تكون «ندا» للأولى، ورسالة تريد القول بأن «عقبات» من هذا النوع أمر غير «مستساغ» اسرائيليا، و الأهم هو أن تل أبيب لايبدو أنها تعير كثير اهتمام للتداعيات الخطيرة التي يمكن أن يخلفها فعل كهذا على مسار «التطبيع» المنطلق، منذ أسابيع، ما بينها وبين حكومة دمشق، بخطوات راحت تتسارع بشكل ملحوظ مؤخرا وفقا لما ترصده العديد من التقارير و الكثير من التصريحات الصادرة من الطرفين، ولربما أرادت، تل أبيب، من خلال فعلها، الذي نقصد به عدم اهتمام تل أبيب بتداعيات استهداف مسؤول سوري من هذا العيار، القول بأنها هي من يتحكم بالقواعد الراسمة لمسار استعادة البلاد لوحدتها، بل وكيف يجب له أن يكون.
يتم قراءة الآن
-
معالم الردّ على ورقة برّاك تتبلور... وحزب الله سلّم موقفه إجهاض مُحاصرة «الثنائي» انتخابياً... والمواجهة مفتوحة الأمن العام فكّك خليّة لتنظيم «داعش» تتعاون مع «الموساد»؟!
-
الهجوم على مدرسة» شارل ديغول»: هجوم على «الجسور»؟ أم لإخراج سوريا من هذا الكوكب؟
-
هل انكسرت الجرة بين "التيّار الوطني الحر" وحزب الله؟
-
"كرة ثلج" الفساد تَكبُر: وزراء جدد الى التحقيق بعد سلام
الأكثر قراءة
-
حسين السلامة بين التطبيع والتصفية: لماذا اختارت تل أبيب قصف قلب دمشق؟
-
المخرج للسلاح بالتوافق بين عون وبري وقاسم وسلام بري لصحافيين :وليد جنبلاط أقرب سياسي لي زعيم المختارة يرفض عزل حزب الله و"الدق" برئيس المجلس
-
المفتي دريان يجتمع مع الشرع السبت... ماذا على الطاولة؟ عريمط لـ "الديار": أهل السنّة في لبنان ليسوا بحاجة لحماية من أحد أياً كان!
عاجل 24/7
-
00:08
الحكمة يفوز على بيروت بنتيجة 78-77 ويتأهل إلى نهائي "ديكاتلون" بطولة لبنان لكرة السلة
-
23:37
القاضية دورا الخازن قررت توقيف رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان الخوري في ملف المقامرة الإلكترونية بتهم الفساد وتبييض الأموال
-
23:36
٤ دقائق على انتهاء المباراة بين فريق الحكمة وبيروت وتقدم للحكمة ب ٩ نقاط
-
22:13
برلماني إيراني بلجنة الأمن القومي: سنخصب اليورانيوم بقدر الحاجة ومن دون شروط
-
22:05
تمشيط بالأسلحة الرشاشة للجيش الإسرائيلي من موقع الراهب باتجاه أطراف عيتا الشعب جنوبي لبنان
-
22:04
تمشيط بالأسلحة الرشاشة للجيش الإسرائيلي من موقع الراهب باتجاه أطراف عيتا الشعب جنوبي لبنان
