شكلت أحداث العنف التي مورست، ولا تزال، ضد العديد من المكونات العرقية والمذهبية والدينية في سورية على امتداد الأشهر السبعة التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، حدثا هو الأهم، والأخطر، على المستويات كافة، الداخلية والإقليمية والدولية، انطلاقا من تهديدها للسلم الأهلي شديد الحساسية بالنسبة للمستوى الأول، وتهديدها للسلم الإقليمي بالنظر إلى الدور الذي يمكن للساحة السورية أن تؤديه فيه، إذ لطالما أدّت هذه الأخيرة دور «صمام الأمان» بالنسبة لذاك السلم لاعتبارات عديدة، وتهديدها أيضا للسلام العالمي الذي يقوم أساسا على نجاح الدول، والمنظومات، في مسعاها لوأد الحرائق أينما حلت، فكيف والأمر إذا ما كان «حريقا» على الأرض السورية التي يهدد «انفجارها» بتداعيات سوف يتردد صداها على امتداد منطقة الشرق الأوسط من أقصاها إلى أقصاها، وعلى الرغم من حال كهذه، يبدو أن «الإطفائية» الدولية، والغربية بشكل خاص،لم تقرر بعد التخلي عن وضعية «الاسترخاء» التي حافظت عليها شهر آذار المنصرم، الذي شهد مجازر مروعة على امتداد مناطق الساحل السوري، وشهر حزيران، الذي شهد الهجوم الإرهابي على كنيسة «مار الياس» بحي الدويلعة بدمشق مع تهديدات بتكراره كانت قد صدرت عن تنظيم «أنصار السنة» الذي تبنى ذاك الهجوم آنف الذكر، والشاهد هو أن تقرير وكالة «رويترز»، بخصوص مجازر الساحل، والمنشور في اليوم الأخير من شهر حزيران المنصرم، لم يتردد صداه كما كان متوقعا، أو كما يجب، على الرغم من أنه أشار بوضوح إلى تورط قيادات بارزة في وزارة الدفاع، وذكرها بالاسم، في تلك المجازر، بل وأضاف إن «12 فصيلا منضويا تحت راية وزارة الدفاع السورية كانوا قد شاركوا في ارتكاب عمليات قتل وتهجير وسلب»، وإن «نصفهم خاضعون للعقوبات الدولية».
في مقلب آخر، لا يكاد ينفصل عن الأول بل يمثل «خطا رديفا» له، نشر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» تقريرا، 30 حزيران الفائت، جاء فيه «أفادت مصادر محلية بمحافظة حماة بأن شركة ( اكتفاء) للاستثمار الزراعي التي تعمل بتنسيق مباشر مع المكتب الاقتصادي بالمحافظة متورطة في عمليات ممنهجة لاغتصاب الأراضي وتهجير السكان قسرا، وإن هذه السياسة تستهدف قرى ذات غالبية علوية تحت ذريعة استثمار الأراضي الزراعية»، وأضاف التقرير إن «الشركة تركز على قرى مثل (معان) شرقي حماة حيث تنتشر الأراضي الخصبة الملائمة لزراعة الفستق الحلبي».
شركة «اكتفاء» تبدو شركة حديثة التأسيس، وصفحتها على «فيسبوك» حملت تاريخ 20 أكتوبر 2024، أي قبل وصول غرفة عمليات «ردع العدوان»، التي انطلقت من ادلب، إلى دمشق بـ 49 يوم، وللتاريخ دلالته فمن المرجح أن البعض قد استشرف «وجهة الرياح» المقبلة فسعى لملاقاتها، أو كان الفعل بتوجيه ما، وهي تعرف عن نفسها على إنها «شركة سورية خاصة، ومقرها ادلب، وتعمل في مجال الزراعة الحديثة»، وتضيف في تعريفها أنها «تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر اعتماد أساليب الزراعة الحديثة مع التركيز على المحاصيل الاستراتيجية»، ومن أجل ذلك «تقوم بالتشارك مع المزارعين المحليين، وتسعى لتطوير سلاسل الإنتاج والتصنيع وفق معايير الجودة»، لكن بمتابعة بسيطة لمنشورات الشركة يتبين سريعا افتقادها الحرفية في المجال الذي تقول إنها تستثمر فيه، وفي مطلق الأحوال فإن جل تلك المنشورات هي إعلان عن «مزاد» هنا أو «وظيفة شاغرة» هناك، لكن ثمة منشور لها، وهو بتاريخ 16 حزيران الفائت، يثير الإهتمام من حيث احتوائه لإعلان جاء فيه «سيتم قريبا، بإذن الله، الإعلان عن كافة الفروع والمشاريع الجديدة التابعة للشركز في مختلف المحافظات السورية»، والإعلان يحمل في مضامينه إشارة إلى الخروج من المحلية، ادلب، إلى أرجاء الفضاء السوري الرحب.
بمتابعة هذه المسألة، سواء أكان عبر مصادر فضلت عدم ذكر اسمها أم عبر صفحات محلية معنية بها، يمكن ذكر الاتي: نشر موقع «شباب الساحل»، شهر نيسان الفائت، منشورا حمل «نداء استغاثة من قرى ريف حماة الشرقي ( وسكانه بغالبية علوية) إلى وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية الدولية احتجاجا على الاستيلاء الممنهج على أراضي العلويين»، وفي 17 نيسان الفائت نشر حساب باسم «تاج كودرش» معلومات وردت على لسان المهندس علي المحمد، رئيس بلدية بلدة الزغبة بريف حماة، وجاء فيها «تم تهجيرنا من قرانا بعد سقوط نظام الأسد، واستبيحت القرى نهبا وسرقة، وتم إحضار جماعات من البدو لتوطينهم بدلا منا»، وأضاف المهندس المذكور، وفقا للمصدر نفسه، إن «الموضوع الخطر جدا هو استخدام شركة ( اكتفاء) للاستثمار الزراعي، وهي شركة غير نظامية، حيث تقوم الشركة بتوقيع عقود استثمار وتأجير أراضينا مع أناس غرباء»، قبيل أن يضيف إن نطاق عمل الشركة حاليا يمتد الى قرى ( الزغبة - معان - الطليسية - مريود - المبطن - الفانات - الطوبا - أبو منسف - العنز»، وهي كلها قرى علوية، أو أن الغالبية الساحقة من سكانها هم من العلويين، أما حساب باسم « أنس حمدون» فقد كتب في منشور له، شهر أيار الفائت، بإنه «سمع بتغيير اسم قرية أرزة ( وهي نفسها التي شهدت 1 شباط المنصرم مجزرة كانت حصيلتها 15 من العلويين) بريف حماة ليصبح خطاب الجديدة»، وأضاف «عندما عدت إلى المرصد السوري تأكدت أن الأمر قد حصل فعلا».
وفقا لروايات نشرتها صفحات لناشطين، فإن الشركة، إكتفاء، تقوم بتوقيع عقود استثمار مجحفة مع مالكي الأرض الأساسيين تحت التهديد، وفي حال الرفض فإنها تقوم، مدعومة بالسلطات، بمنح الأراضي المستصلحة لمجموعات أخرى يجري توقيع عقود لاحقا معها في خطوة تهدف إلى «شرعنة» الاستيلاء على الأراضي.
تشير السردية السابقة الى وجود عمليات تهجير، واستيلاء، منظمة، وهي تهدد النسيج الاجتماعي بالبلاد المتشرذم أصلا بمفاعيل لا تعد ولا تحصى، وإذا ما كانت المعلومات الواردة فيها تستند أساسا إلى صفحات ناشطين محليين، وكذا إلى معلومات أدلى بها بعض من وقع عليهم الفعل، فإن حسم هذه المسألة يقع على مسؤولية السلطات التي يمكن لها فتح تحقيق مستقل، وهو يشمل «المدعين» و «المدعى عليهم»، وفيما عدا ذلك فإن «الصمت» يصبح «علامة للرضا».
يتم قراءة الآن
-
زمن التسويات الثقيلة: لبنان يستعد لصفقة كبرى على حافة الانهيار؟ القوات تخسر معركة المغتربين... مخاوف من تعطيل المجلس
-
حسين السلامة بين التطبيع والتصفية: لماذا اختارت تل أبيب قصف قلب دمشق؟
-
العدالة تتحرّك: قضاة وأمن يُطيحون إمبراطوريّة "BetArabia"
-
المبعوث الأميركي آتٍ... والبلاد على الحافة معركة قانون الانتخاب تُهدّد بتعطيل المجلس حملة امنية على الحدود بعد التوقيفات الداعشية
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
08:18
احصاءات غرفة التحكم للحوادث التي تم التحقيق فيها خلال ٢٤ ساعة الماضية: ٧ حوادث و ٧ جرحى
-
08:16
التحكم المروري: حركة المرور كثيفة على اوتوستراد خلدة باتجاه الاوزاعي وباتجاه انفاق المطار وكثيفة على اوتوستراد الضبية باتجاه نهر الموت
-
08:15
التحكم المروري: حركة المرور كثيفة على اوتوستراد جونية باتجاه ذوق مكايل
-
07:23
"أ ف ب" عن الشرطة الإندونيسية: 38 مفقودا في حادث غرق عبارة تقل 65 راكبا قرب جزيرة بالي
-
23:17
هيئة البث "الإسرائيلية": محادثات سرية رفيعة المستوى لإسرائيل مع روسيا بشأن الملفين الإيراني والسوري
-
23:00
القناة ١٢ "الإسرائيلية": إذا وافقت حماس على صفقة لإعادة كل الرهائن فسيؤدي ذلك إلى وقف المعركة، سبب التفاؤل في "إسرائيل" بإنجاز صفقة لإعادة الرهائن هو الاستعداد لإجراء مفاوضات شاملة.
