اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب

 

هي ليست زيارة عابرة، ولا صورة تذكارية تضاف إلى أرشيف الرئاسة. ما فعله رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون حين دخل وزارة العدل ثم قصر العدل في بيروت، هو فعلٌ سياسي – قضائي – سيادي من الطراز الرفيع. رئيسٌ في قلب العدلية، بين القضاة، لا ليُملي بل ليُكرّس: لا إصلاح من دون قضاء، ولا قضاء من دون استقلال، ولا استقلال من دون حماية.

في تفاصيل الزيارة، استهلّ الرئيس لقاءاته من وزارة العدل، حيث اجتمع أولا مع وزير العدل عادل نصار، ثم انتقل إلى قصر العدل حيث التقى بكبار المرجعيات القضائية: رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي أيمن عويدات، النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، والمدعي العام المالي بالانابة القاضية دورا الخازن.

مصدر قضائي رفيع اعتبر أن هذه الخطوة تعبّر عن بداية مرحلة مختلفة في العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة القضائية. فالرئيس جوزيف عون، وعلى عكس من سبقه، لا يملك "قضاة محسوبين عليه" ولا يريد كما يقال، ولا يسعى إلى تطويع السلطة القضائية لمصالحه، بل يتعاطى معها كمؤسسة مستقلة يجب تحصينها لا استغلالها. حضوره المباشر، ولقاؤه العلني والمتوازن مع كل أركان القضاء، كان رسالة بالغة الوضوح: الرئيس ليس خصما للقضاء، بل درعه السياسي والدستوري إذا اختار أن يكون شريفا وعادلا.

الزيارة، وفق المصدر، كانت أشبه بجلسة تقييم شاملة لحال العدلية، وتأكيد على دعم كامل للخط القضائي المستقل، خصوصا بعد سنوات من الانحدار كادت تُفكك الجسم القضائي بالكامل. فالعهد السابق، بحسب المصدر، لم يكتفِ بتهميش القضاء، بل حوّله عبر "الغرفة السوداء" إلى وسيلة انتقامية تُحرّك الملفات حسب الأهواء، وتُقمع الأصوات النزيهة، وتُنصَّب قضاة التبعية في المراكز المفصلية.

والمفارقة المؤلمة، أن من حُسبوا على ذلك العهد، كانوا في الحقيقة أولى ضحاياه، إذ منذ الشهر الأول لتولّي الرئيس السابق مهامه، بدأت الضغوط على عدد من القضاة، لا لشيء سوى أنهم رفضوا الخضوع لأوامر الغرفة السوداء في القصر الجمهوري، وتصدّوا لمحاولات استخدامهم في تصفية الحسابات. هؤلاء القضاة، الذين في قصور العدل من بيروت إلى الجنوب والشمال والبقاع وزحلة، وعلى وجه الخصوص في قصر عدل بعبدا،  ما زالوا يعملون بصمت كما كانوا ، وأثبتوا أنهم أهل قسمهم، ولم يتخلّوا عن دورهم، وواصلوا عملهم بكفاءة وإنتاجية رغم التجاهل والتشويه والتجني المقصود.

ولولا صلابة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود بوجه العهد السابق، ومبدئية النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، وثبات قضاة آخرين نزهاء، لكان القضاء اللبناني دخل طور الانهيار الكامل. واليوم، يعيد رئيس الجمهورية الاعتبار لهؤلاء، ويؤكّد دعمهم في معركتهم المستمرة لحماية ما تبقّى من ميزان العدالة.

أما لقاء الرئيس بالقاضية دورا الخازن، فكان لتثبيت لقرار المحاسبة، خصوصا في الملفات التي تمسّ مالية الدولة بشكل مباشر، وعلى رأسها ملف القمار الإلكتروني كازينو لبنان، وشبكات الرهان المرتبطة بتطبيقات خطرة. فالرئيس يقول بوضوح: لا حصانة على أحد، ولا تغطية بعد اليوم، ولا تسوية مع الفساد مهما علت الأسماء.

والأهم، أن هذه الزيارة لم تكن رسالة داخلية فقط، بل حملت، بحسب المصدر القضائي، إشارات مطمئنة إلى الخارج العربي والغربي، بأن الدولة اللبنانية دخلت عمليا مرحلة الإصلاح المؤسساتي الحقيقي، وأن استقلال القضاء لم يعد شعارا بل أضحى مسارا تنفيذيا، تحت حماية رأس الدولة لا تحت سطوة الأجندات السياسية والطائفية.

في الشكل، قد تبدو زيارة بروتوكولية، أما في المضمون فهي أول إعلان فعلي بأن زمن التدخلات انتهى، وزمن الدولة بدأ. لقد دخل الرئيس جوزيف عون إلى قصر العدل، ليؤكد أن القضاء ليس ورقة تفاوض، بل قاعدة انطلاق، وأن من يريد بناء جمهورية عادلة، عليه أولا أن يحمي من يُصدر باسمها العدالة.

وختم المصدر القضائي بالقول: إنها ليست زيارة دعم، بل زيارة تأسيس. الرئيس يريد قضاءً لا يشبه ما كان، بل قضاءً يُشبه ما يجب أن يكون.



الأكثر قراءة

بارّاك يحذّر من حرب اهلية باتصال مع شخصية لبنانية جلسة نيابية تعمّد بقاء الحكومة...لا انسحاب لوزراء قبل ربيع الانتخابات؟ عدوان إسرائيلي على البقاعيحصد 12 شهيداً ويستهدف المدنيين