في بعلبك - الهرمل، تُزرع الحشيشة بسبب تاريخ طويل من الإهمال والتهميش، وتنتج علاقة مضطربة بين الدولة والمواطن. فلطالما كانت زراعة القنّب الهندي – حتى حين جرى تجريمها – الملاذ الأخير لعائلات لم تجد بديلا في ظل غياب التنمية والدولة معًا.
بعد خمس سنوات على إقرار قانون تنظيم زراعة القنّب الهندي لأغراض طبية وصناعية، عادت القضية إلى الواجهة مع إعلان رئيس الحكومة نواف سلام عزمه على تنفيذ القانون وتشكيل الهيئة الناظمة. كذلك، صرّح وزير الزراعة نزار هاني مؤخرا بأن العمل جارٍ لتعيين الهيئة، ما يفتح الباب أخيرا أمام تفعيل مشروع لطالما اعتُبر مؤجلا.
لكن إلى أي مدى يمكن لهذا التشريع أن يتحول من حبر على ورق إلى مشروع إنمائي عادل؟ وهل سيكون مدخلا إلى مصالحة حقيقية بين الدولة ومنطقة طالما عاشت خارج حسابات المؤسسات؟
القنّب... أكثر من مجرد نبتة
من الضروري بدايةً التمييز بين الحشيشة التقليدية وبين القنّب الصناعي. الأخير، الذي يُزرع في معظم دول العالم بشكل قانوني، يحتوي على نسبة منخفضة جدا من مادة THC المخدرة، ويُستخدم في صناعات متعددة: من الأدوية، إلى الألياف والخيوط، وحتى الورق والحبر. هو محصول متعدد الاستخدامات ويُعتبر في بعض الدول حجر أساس في الاقتصاد الأخضر.
مع ذلك، يبدو أن القانون اللبناني يركّز على ما هو "مشرّع نظريا" أصلا، في وقت يرى فيه أبناء المنطقة أن الزراعة الحقيقية التي تحتاج إلى تقنين هي زراعة الحشيشة، لِما لها من فوائد صناعية وطبية، ولِما تحتويه من مشتقات قد تتجاوز الأربعين استخداما.
بلدية اليمونة تتكلم
رئيس بلدية اليمونة طلال شريف، أبدى ترحيبا مشروطا بالقانون، ووصفه بأنه "خطوة إيجابية لو نُفِّذ". وأوضح لـ "الديار" أن "البلدية لم تتلقَّ حتى الآن أي توجيهات رسمية، ولا يوجد تنسيق فعلي مع الهيئة الناظمة"، مضيفا: "لو كانت هناك هيئة ناظمة حقيقية، لكان من الطبيعي أن تتمثل فيها منطقة بعلبك-الهرمل، لا أن يُدار هذا الملف من بعيد، ويُنفَّذ على حساب أبناء الأرض".
وفي ما يتعلق بجدوى القانون، يوضح أن تحديد الأسعار وآليات الترخيص لم يحصل بعد، ما يجعل المزارعين في حالة ترقّب، قائلًا: "لا قانون واضح، لا تسعير، ولا خريطة طريق. كيف يُطلب من المزارع أن يلتزم بشروط لم تُعرض عليه أصلا؟".
بين الفرصة والمخاوف: من المستفيد؟
إن كانت النية من التشريع هي إخراج الزراعة من منطق الملاحقة إلى منطق الإنتاج، فإن المسألة لا تقتصر على النص القانوني وحده، فنجاح المشروع يتطلب توزيعا عادلا للرخص، ودعما تقنيا مباشرا للمزارعين، إضافة إلى ضمانات لشراء الإنتاج بأسعار منصفة، بما يُعيد للمزارع كرامته ومكانته في الدورة الاقتصادية، لا أن يكون مجرد أداة في مشروع تتحكم به شركات كبرى أو مستثمرون نافذون.
ثمة خشية حقيقية من أن يتحوّل المشروع إلى امتياز محصور بالنخب، في وقت يجب أن يكون فيه أداة عدالة اجتماعية وتنمية ريفية شاملة.
كما أظهرت دراسات ميدانية في المنطقة ، أن المزارعين لطالما أنفقوا العائدات المتأتية من القنّب على الحاجات الأساسية: الغذاء والتعليم والصحة. هذه الزراعة، في ظل انعدام البدائل، كانت بمنزلة دولة مصغّرة لأهالي البقاع، وليست مجرد وسيلة للربح أو الترف.
من هنا، يصبح التشريع فرصة نادرة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع المحلي، شرط أن يكون هذا التشريع قائماً على الشفافية واللامركزية والمشاركة الفعلية لأبناء المنطقة في إدارة المشروع.
زراعة مستدامة... لا موسمية!
ولا يمكن الحديث عن تقنين زراعة القنّب من دون التطرق إلى الجوانب البيئية. فقد تسبّبت الزراعة العشوائية سابقاً بإجهاد التربة واستخدام مفرط للمواد الكيميائية. ويطرح خبراء الزراعة ضرورة إدخال تقنيات تأهيل بيئي تعتمد على الكائنات الدقيقة المحلية، والانتقال نحو أساليب مستدامة تقلل الاعتماد على الأسمدة الصناعية.
هذا التحوّل لا يُنقذ البيئة فحسب، بل يفتح الباب أمام استدامة اقتصادية طويلة الأمد، تجعل من القنّب زراعة دائمة، لا موسمية مؤقتة.
وقد تكون زراعة القنّب هي المدخل لإعادة النظر في السياسة الزراعية ككل، والتوجّه نحو دعم الزراعات ذات القيمة المضافة، وتأسيس تعاونيات محلية، ومصانع تحويل، ومختبرات أبحاث، مما يربط الحقل بالمصنع ويحوّل المزارع إلى شريك لا مجرد منتِج أولي.
فالدعم يجب أن يتخطى الرخص ليشمل تجهيز الأراضي، توفير البذور المحسّنة، أنظمة ريّ حديثة، وتمويل صغير للمزارعين. هذه الأدوات تُعتبر أساساً لأي نموذج تنموي عادل ومستدام.
ويؤكد رئيس بلدية اليمونة أن "القانون تأخّر كثيرا، وكان لذلك أثر بالغ في المزارعين"، لكنه لا يزال يأمل أن يكون هذا التشريع بداية مرحلة جديدة. أما التحدي، فيبقى في القدرة على تنفيذ القانون بطريقة تشاركية وعادلة.
فالقنّب، الذي طالما كان سببًا في ملاحقة المزارع، قد يكون للمرة الأولى سبب نهوضه... بشرط أن يُدار هذا الملف برؤية تنموية حقيقية، لا باعتباره ملفًا أمنيا أو استثماريا فحسب.
يتم قراءة الآن
-
الرد اللبناني امام "الروتوش الاخير"... اجتماع مطول للجنة الثلاثية والضمانات عقدة العقد اميركا تبلغ المعنيين : السير بالورقة أو تصعيد اسرائيلي لن نلجمه
-
ردّ لبناني مُوحّد بانتظار بارّاك: الكرة في الملعب «الإسرائيلي» حزب الله يُؤكد الاستعداد للسلم كما للمواجهة... مصير غزة يتحدّد باجتماع نتنياهو ــ ترامب اليوم
-
دروز سوريا في قلب العاصفة... تفاهمات مُعلّقة واحتمالات الانفجار
-
هل نجح بن فرحان في إنجاز مُهمّته؟
الأكثر قراءة
عاجل 24/7
-
17:59
مكتب التحقيقات الفيدرالي الروسي: العثور على جثة وزير النقل الروسي بعد إقالته والفرضية الرئيسية هي الانتحار.
-
17:30
مسيرة "إسرائيلية" تستهدف سيارة في بلدة دير كيفا في جنوب لبنان.
-
17:02
الرئيس الإيراني: لا نرى أي مشكلة في العودة إلى المفاوضات، والرئيس ترامب قادر على قيادة المنطقة والعالم نحو السلام والهدوء أو إلى حروب أبدية.
-
16:42
سلام: طلبنا إحياء لجنة تنسيق وقف الأعمال العدائية وتطبيق القرار 1701، وسيتم درس الملاحظات التي تقدمنا بها وسيعودون إلينا بالردّ.
-
16:41
سلام: حزب الله جزء لا يتجزأ من الدولة اللبنانية ونوابه صوّتوا على البيان الوزاري، أما الدرون والاعتداءات في الجنوب والبقاع فمستنكرة من الجميع ونسعى لتجنيد الدعم الديبلوماسي العربي والدولي لوقف الاعتداءات.
-
16:37
سلام: جميعنا يعلم أن القرار يتخذ في مجلس الوزراء وقرار مجلس الوزراء وحده يلزم لبنان.
